الطبخ على نار هادئة تهذيب للروح

أجدني في كثير من الأحيان أتأمل بإعجاب التحولات التي يمر بها كل مكون من مكونات الطعام حتى يصل في الأخير للطبق النهائي.

في سبعين يومًا، استنفد الاحتلال الإسرائيلي رصيده كاملًا من مظلومية الهولوكست التي كرَّسها في الثقافة الأدبية والإنسانية منذ 75 عامًا واستمد منها هالة مقدسة تحميه من أي انتقاد. فمن ذا الذي سيقرأ «آن فرانك» و«سارق الكتب»، أو يشاهد «قائمة شندلر» أو «عازف البيانو» ولن يخطر  على باله جرائم الإبادة الجماعية التي ارتكبها الاحتلال في غزة، صورةً صورة؟ 

عبء الذنب الإنساني نحو الهولوكست الذي استفادت منه إسرائيل، أصبح الآن عبئًا عليها. لا رواية ولا فلم عن الهولوكست سيغسل يديها من الدم المسفوك، ولا حتى محاولتها اليائسة خلق «هولوكست جديدة» من السابع من أكتوبر. 

إيمان أسعد


متعة الطبخ / Imrancreative12
متعة الطبخ / Imrancreative12

الطبخ على نار هادئة تهذيب للروح

إيلاف محمد

اعتدت أن أشارك متابعي حسابي في سناب شات خطوات تحضيري الطعام من فترة لأخرى، وربما لم أكن أعلم ذلك من قبل، لكن لاحظت ردود فعل المشاهدين تتكرر فيما يخص طريقتي في طهي الطعام. فالأغلب يبدو مندفعًا متسرعًا للحصول على الشكل النهائي للطبق منذ بداية نشري للمكونات، ذلك أني أُعطي كل خطوة من خطوات الوصفة وقتها الكافي للتألق، فيصبح الطبق الذي نشرت أني أود تحضيره قبل ثلاث ساعات جاهزًا للتقديم بعد ثلاث ساعات!

أمرٌ آخر قد طرأ عليَّ استكشافه مؤخرًا. فبعدما ارتبطت وانتقلت للعيش مع شريك حياة يشاطرني المنزل ومجريات الحياة، صادفتُ موقفًا يتكرر باستمرار في ساحة المطبخ: اندماجي الشديد وانفصالي بعض الشيء عن الواقع، لأصبح في اقترانٍ تام مع الماء المغلي أو فرن التحمير أو تجهيز الصلصة، مما يجعلني في موقف لا أحسد عليه حين أكتشف أن أحدهم كان يحدثني عن بعض الأمور وأنا لم أكن في الحقيقة أُصغي!

مؤخرًا أصبحت أعطي المطبخ قداسة خاصة، فلا أُقدم على تحضير أي وصفة إلا وأنا متأكدة من تحضيرها بالطريقة التي تستحقها. أعني بذلك أن اللحم الذي يحتاج طهو ساعتين يحق له أن يحظى بتينك الساعتين دون أي مقاطعة. والعجينة التي تود أن تتخمر أكثر من نصف ساعة لها كامل الحرية في التمتع بالوقت الذي تحتاجه. حتى إن بعض الوصفات تحتاج منقوعًا يستغرق نقعه يومًا كاملًا، وأشعر بأنه لا بأس بذلك؛ فالوصفة تتطلب والنكهة عليها أن تتغلغل! 

ذلك ما يدفعني إلى تحريك النظر نحو ارتباط قدسية الطعام بالشعور الذي أصبح يتسلل إليّ في طريقة تعاطيِّ مع باقي مجريات الحياة. ففي الكتابة، أصبحت أكتب المسودة مرة، وأنقحها مرة أخرى، وأعيد صياغتها مرة ثالثة، ثم لربما أرسلها أو تبقى حبيسة المجلد. ولم يعد ذلك يزعجني البتة، بل في بعض الأحيان أشعر بأنه يجعلني أقدم أعمالًا مثالية يُعرَف تمامًا عند قراءتها أنها طُبخت على نارٍ هادئة. 

لاحظت أيضًا أنه يحدث كثير من حولي مما كان يسترعي انتباهي سابقًا، لكنّي بكل الرتابة التي امتلكتها من مهارات «شيف» المطبخ المقدس أحِيل أمرها للانتظار ثم محاولة الفهم، وأخيرًا لإبداء ردة فعل مناسبة. وجعلني ذلك أتخذ قرارات حكيمة كثيرة في حياتي مؤخرًا. 

حتى حين يتعلَّق الموضوع بالسعادة، لم تعد الرغبة المستميتة للحصول على ومضات سعيدة كل يوم تلاحقني. فأجدني غارقة في العمل المنزلي أو المكتبي لفترة دون أي ملل أو محاولة لاستجداء الشغف المتقطع أو حتى تغيير مكان العمل باستمرار، وأشعر نهاية كل عمل أنجزه في أيام، أو مشروع أسلمه بعد استغراقه أسابيع، بنشوة الفرح المكتملة. ربما يشبه ذلك انتظاري الصبور لانتهاء الوصفة بعد مرورها بعمليات طهي بطيئة وحصولها على الفرصة للتوغل في كل المراحل المطلوبة ثم تذوق اللقمة الأولى المثالية منها!

على الكفة الأخرى، بالنظر إلى التغيرات التي تُحدثها الوجبات السريعة لعقلك، تستطيع معرفة سبب تسميتها بهذا الاسم. فربما لدى البعض اعتقاد بأنها قد سميت بذلك لكونها تُحضَّر وتقدَّم بعملية سريعة لا تستغرق أكثر من نصف ساعة، إلا أني أملك رأيًا شخصيًا مرتبطًا بطريقة التحضير السريعة هذه ربما قد تود الاطّلاع عليه. 

بشكل مبسط واستحضارًا لدراستي المسبقة في تخصص الصيدلة الإكلينيكية، فواحدة من أبرز الأمور التي نعمل عليها وندرسها بشكل دقيق في آليات الجسم المختلفة: «دوائر المكافأة» التي يمتلكها العقل. هذه الدوائر إذا جرى تحفيزها بأي مُثير فذلك يجعلها تُفرز هرمون «الدوبامين» (هرمون السعادة) كمكافأة، ثم تنخفض مستوياتها بعد الانتهاء من هذا المثير انخفاضًا حادًا يجعل الجسم يتوق لجرعة أخرى من العامل المُثير. 

في هذه الحالة، تهيمن السكريات والنشويات والدهون المشبعة على الوجبات السريعة، مما يجعلها مصدرًا سريعًا للحصول على جرعات «دوبامين» باستمرار! لكن ما يجعل الأمر يزداد سوءًا أن العقل البشري تقل استجابته للكمية نفسها في كل مرة، وهذا ما يحدث بالضبط مع تأثير المخدرات على الإنسان، إذ يبدأ بكمية بسيطة ثم يتفاقم الوضع بعد كل مرة. هذا ما قد أجده، بشكل مزعج، سببًا في بناء شخصية متهورة متسرعة ترغب في الحصول على النسخة السعيدة من كل شيء بأسرع طريقة ممكنة، وهذا ما لا يمكن تحمله في عمليات الطهي البطيئة.

«بصلتك محروقة» دليل شعبي أخير على تأثير الطهي البطيء على نفسية الإنسان وتهذيب روحه. فهذا المثل الشعبي يُقال فيمن يستعجل الأشياء ويتهور في الاستجابة ولا يمتلك الصبر على أتفه الأشياء، كما يفتقد للحكمة في اتخاذ القرار؛ لأن تحمير البصل كما يعرف عنه عملية تتطلب صبرًا وجهدًا مدروسًا. لدى البصل خاصية تتطلب منك الانتباه الشديد؛ فهي لا تتحمر سريعًا، لذلك تحتاج منك صبرًا وبالًا طويلًا. ولكن حين تبدأ الحصول على لون ذهبي رائع يجب عليك اتخاذ قرار صائب برفعها سريعًا من النار وإلا ففي غضون ثانيتين ستصبح «بصلتك محروقة».

ما قد أؤكده من تجربتي الشخصية أنَّ الطهي بشكل صادم ولَّد داخلي حميمية غير مألوفة مع التأمل. أجدني في كثير من الأحيان أتأمل بإعجاب التحولات التي يمر بها كل مكون من مكونات الطعام حتى يصل في الأخير للطبق النهائي: تغيُّر الألوان والملمس والرائحة، وهذا يجعلني أهتم أكثر بالابتكار. أصبحت أفكر كيف يمكن لهذا المكون أن يطغى على حموضة ذلك المكوّن، وكيف يمكن تحلية هذا الطبق باستخدام مزايا المكون الذي قد لا يخطر على بالك! 

هكذا صيَّر الابتكار والصبر والتجربة مطبخي «صومعة» أمارس فيها تأملاتي اليومية.


خبر وأكثر 🔍 📰

تناول البروتين / Giphy
تناول البروتين / Giphy

صناعة منتجات البروتين تركب موجة أوزمبك!

  •  أدوية السكر لخفض الوزن؟ لاقت أدوية السكر مثل «أوزمبك» (ozempic) إقبالًا واسعًا من الأفراد الذين يسعون إلى خسارة وزنهم، سواء في أمريكا أو مختلف أنحاء العالم، لكونها تساهم في خفض الشهية وتناول كميات أقل من الطعام. ومع ارتفاع أعداد مستهلكي الإبرة بدأت شركات الأغذية تطرح الأسئلة حول تأثيرها في تغيير أنظمة التغذية اليوم, وكيف يمكن تعديل منتجاتها حتى تساير الموجة. 💸💉

  • بدل السكر ركز على البروتين. تشير الأبحاث إلى أنَّ التأثير المباشر للإبرة في صناعة الأغذية سيكون في ارتفاع احتياج مستخدميها إلى البروتين لتعويض الخسارة في الكتلة العضلية، وكذلك لتقليل احتمال زيادة الوزن بعد التوقف عن استخدامها. ولاحظت الدراسة أنَّ مستخدمي الإبرة يتحاشون الأطعمة السريعة والحلويات والشوكولا، ويركزون على تناول البيض والخضار وألواح البروتين. 🍟🚫

  • تجَّار مسحوق البروتين في نعيم. أعلن الرئيس التنفيذي لشركة «abbott laboratories»، المصنّعة لمنتجات مسحوق البروتين، تصنيع مخفوق بروتين جديد مصمم خصيصًا لمستخدمي «أوزمبك». شركة «bellring brands» المصنعة لمنتجات البروتين تضاعف سعر سهمها هذا العام مع زيادة الإقبال على منتجاتها البروتينية، مما دفعها لدراسة تركيبات جديدة بمغذيات أعلى لدعم مستخدمي أوزمبك تحديدًا. 🤑🍗

  • بدل الإبرة نبيع «أوزمبك طبيعي». تسوِّق الشركة الناشئة «supergut» بيع منتجات غذائية بروتينية (سواء مسحوق أو ألواح بروتين أو مخفوق) تحاكي تأثير إبرة «أوزمبك» من خلال تحفيز الجسم على إفراز الهرمون نفسه الذي تحفزه الإبرة لتثبيط الشهية، وأطلقت على سلسلة إنتاجها «الأوزمبك الطبيعي». 🌱🧠

  • حل نهائي أم مجرد هبَّة؟ ليست المرة الأولى التي تصعد فيها موجة «حل سحري» لمعضلة زيادة الوزن، لكن بما أنَّ شركات الأغذية بمعامل أبحاثها الكبرى تستثمر في تعديل خطوط صناعتها، هل ممكن تكون إشارة إلى أنَّ «أوزمبك» وشقيقاتها من الإبر حل طويل الأمد وليست مجرد موجة وتنحسر؟ 🌊🥦

🌍 المصدر

شبَّاك منوِّر 🖼️

في القرن السابع الميلادي، استدعى إمبراطور الصين رجلًا يُدعى تشنق كنق-آي لكي يسأله عن سر الحياة الهنيَّة التي عاشتها عائلته على مر تسعة أجيال. لكي يجيب عن السؤال، طلب تشنق ورقةً وقلمًا، وكتب عليها الحرف الصيني الذي يمثِّل «الصَّبر»، وأعاد كتابة الحرف مرارًا وتكرارًا، مرارًا وتكرارًا. 
  • ما إن قرأت هذه الأمثولة الصينية القصيرة، حذرت نفسي من الوقوع في الفخ. الصَّبر فضيلة، لا شك في هذا، لكن إن أسأت استخدامها لن تنفعك بشيء، وستجد نفسك بعد أعوام وقد هدرت وقتك وطاقتك في التحمُّل. 

  • الصَّبر لا يكون على علاقة مؤذية، بل على علاقة جيدة تمر في منعطفات وأيام جيدة وأيام سيئة. والأمر نفسه ينطبق على كل أحوال الحياة. علينا أن نميز بين الحال -أو الإنسان- الذي يستحق الصبر تسعة أجيال، ومن لا يستحق الصبر تسعة أيام.

🧶 المصدر

إعداد إيمان أسعد


لمحات من الويب


قفزة إلى ماضي نشرة أها! 🚀
  • حين تستفحل المعضلة وتستغلق أبوابها، فالنوم جزءٌ رئيس من أي محاولة لإدراك خيوط حلها. 😴

  • هذه الأفخاخ قد تتكرر معنا دون وعي كلما شاركنا صور أطفالنا وخصوصياتنا، مضحين بها في سعينا نحو استزادة «الأنا» من تقدير «المتابعين» دون جهود حقيقية. 🥹

نشرة أها!
نشرة أها!
منثمانيةثمانية

نشرة يومية تصاحب كوب قهوتك الصباحي. تغنيك عن التصفّح العشوائي لشبكات التواصل، وتختار لك من عوالم الإنترنت؛ لتبقيك قريبًا من المستجدات، بعيدًا عن جوالك بقية اليوم.

+640 مشترك في آخر 7 أيام