مهرجان أفلام السعودية.. آمال كبيرة ومخرجات هزيلة

وجود مهرجان أفلام السعودية ضروري لاكتشاف المواهب وتأهيلها، ولكن ليس بالطريقة التي تحدث الآن. فمخرجاته الفنية ما زالت دون المستوى المأمول.

«السنة القادمة سأشارك في المهرجان بفلم». هذه العبارة التي ترددت بكثافة ومجانية في مهرجان أفلام السعودية لم نسمعها من المعنيين بصناعة السينما الحقيقية، بل من متفرجين عاديين قادتهم الصدفة والمجاملات إلى حفلة اعتباطية باذخة، فظن قائلها أن صناعة فلم والمشاركة به في الدورة القادمة لا يحتاج إلى شيء سوى الرغبة، أو ما يُعرف بشرف المحاولة.

وهذا ما يفسر ترديد هذه العبارة في معظم الدورات السابقة للمهرجان، حدّ أن من توهم قدرته على صناعة فلم يمكن به المنافسة، راكم في داخله مجموعة مضاعفة من الأوهام، فقرر أن يكون كاتب الفلم ومخرجه، بل وممثلًا فيه، محرقًا كل مراحل الصيرورة الفنية التي تؤهله ليكون على مقربة من عالم صناعة الأفلام.

أما استوديو المهرجان الذي استضاف عددًا ممن يسمون بصناع السينما، فكان بمثابة مجزرة كبرى لمصطلح «السينما الشعرية»، إذ جاء اختيار هذا العنوان المغوي كمحاولة عبثية لمد قامة المهرجان في فضاء الاشتغالات الفنية المتمادية في سحر الصورة، من دون وجود خبرات أو أدوات أو رصيد فني يمكن الاتكاء عليه.

السينما السعودية في حالة فوضى 

وبموجب تلك المرونة المخلة دخل المشهد السينمائي السعودي في حالة فوضى، فازدحم بالمتطفلين والمدّعين وأشباه الفنانين وغيرهم. وصار بمقدور أي شابة أو شاب أن يظهر على الشاشة أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي ليتحدث كأنه صاحب خبرة وتجربة، متجاوزًا كل شروط التكوين الفني، بلا مساءلة ولا نقد ولا احتجاج، بل المزيد من الدعم المادي والمعنوي الزائدين عن الحد، والتشجيع من مختلف المؤسسات المعنية بتوطين صناعة السينما.

وكأن كل ذلك التراكم الهبائي الكمّي يمكن أن يُنتج في النهاية رصيدًا نوعيًا نباهي به، ونبني عليه خطابًا سينمائيًا يمثلنا. وهذا أمر غير قابل للتحقّق في المدى المنظور على الأقل، إذ لا يمكن التعويل على عديمي الخبرة والمعرفة والتجربة والجدية، بدليل مخرجات هذه الدورة من الأعمال المعطوبة فنيًا وموضوعيًا، عدا استثناءات ضئيلة جدًا لا يمكن البناء عليها.

الأوهام لا تصنع السينما!

عندما ينشر شاب صورة ملصق فلمه مرفقًا بعبارة «العرض الدولي الأول لفلمي» يجعلنا نتساءل: هل حقًا مهرجان أفلام السعودية مصنف على أنه مهرجان دولي؟ والإجابة لا تحتاج إلى نفي، إذ لم يتجاوز المهرجان منذ تأسيسه فكرة كونه مهرجان مواهب. وأظنه سيبقى كذلك إلى أن تتغير الذهنية والوعي والإرادة التي تديره.

وكل تلك التماثلات الشكلية مع المهرجانات الدولية؛ من الهرولة والتصوير على السجادة الحمراء، إلى الإثارة المصطنعة لتوزيع الجوائز، مرورًا بحفلة عرض الأزياء، لا ترفع من قيمة المهرجان ولا تموضعه على خارطة المهرجانات الدولية. ناهيك بمخرجات المهرجان الرديئة، التي لا تتوازى بأي شكل من الأشكال مع فائض الدعم المادي والمعنوي، الذي يمكن بموجبه الخروج بما هو أفضل من تلك المشتبهات السينمائية.

وجود مهرجان أفلام السعودية ضروري لاكتشاف المواهب وتأهيلها، ولكن ليس بالطريقة التي تحدث الآن. فعلى الرغم من تطوره الهائل على مستوى التنظيم وحشد الطاقات وجذب شركات الإنتاج، إلا أن مخرجاته الفنية ما زالت دون المستوى المأمول. Click To Tweet

ولا تتناسب مع عمر المهرجان الذي أكمل ثماني دورات.

هل «حد الطار» النموذج السعودي للقوة الناعمة؟

افتقرت السينما السعودية على مر عقود إلى نموذج فني قويّ، ثم جاء «حد الطار» وأثبت وجود مقومات صناعة سينمائية تؤثر في الجمهور العالمي.

9 أغسطس، 2021

وهو الأمر الذي يحتم تحديد هوية المهرجان، بحيث يعتبر مهرجانًا لتشجيع المواهب. وعلى هذا الأساس يمكن للمعنيين بصناعة السينما في السعودية التعامل معه، أو تصعيده كمعمل لتطوير الخطاب السينمائي في السعودية، ومن ثَم يمكن إجراء جملة من التعديلات على أنظمته وشروط المشاركة فيه، ومعايير جودة الأفلام التي يمكن أن يحتضنها وهكذا.

مهرجان أفلام حقيقي، لا كرنفال احتفالي

بعد كل ذلك الضجيج الاحتفالي الذي رافق هذه الدورة تحديدًا هناك لحظة استحقاق ينبغي التوقف عندها، ومساءلة كل الجهات المعنية بالصناعة السينمائية في السعودية. فمعظم تلك المنتجات غير صالحة للعرض على الشاشات، ولا يمكن أن تمثل حقيقة الخطاب السينمائي السعودي في المهرجانات، وليس بمقدورها الصمود لأيام في دور العرض. حتى كتيبة النقاد العرب الذين حضروا بعض دورات المهرجان لم يتجرأ أحد منهم على كتابة أي شيء يذكر حول الأفلام لما فيها من خواء فني وموضوعي.

Ithra2
جانب من مهرجان أفلام السعودية / فارس أبومالح

لقد اضطلع مهرجان أفلام السعودية بدور ريادي في بناء المشهد السينمائي في السعودية منذ دورته الأولى. ومنه انطلقت تجارب وأسماء صارت محل اهتمام وحفاوة مستحقة. وما زال منذ لحظة انطلاقه يبحث عن هويته وآفاق اشتغالاته في فضاء يخلو من الخبرات والتجارب والكوادر في مختلف مدارج صناعة الفلم. وكل تلك التطلعات تُحسب له باعتبارها نجاحات داخل منطقة فراغ سينمائي مربك بانتظار عودة المبتعثين وخريجي الجامعات السعودية.

ويبدو أن الدورة الثامنة التي جاءت على شكل قفزة تنظيمية هائلة، حملت في داخلها رغبة أكيدة لتضخيم المهرجان، فبدا كرنفالًا فرائحيًا يعكس واقع السعودية وتطلعاتها الجديدة التي وعدت بها رؤية 2030. إلا أن ذلك الكرنفال، للأسف، لم يطمس بؤس المخرجات على المستوى الفني، وهو منحى قد يعطل طموحات تحويل المهرجان إلى معمل لصناعة الفلم السعودي القادر على المنافسة في المهرجانات، وإشباع حواس المشاهد في دور العرض، فلا حركة سينمائية من دون إنتاج نوعي.

الأفلامالسينماالمجتمعالثقافة
مقالات حرة
مقالات حرة
منثمانيةثمانية