العيش على 4 ريالات يوميًا
هل تعتقد أنه من الممكن العيش بـ 4 ريالات يوميًا ؟ تأكل منها وتشرب و"تروق" على قهوة المغرب وتطعم أطفالك؟ نعم في مكان آخر من العالم يحدث هذا الأمر.
هل تعتقد أنه من الممكن العيش بـ 4 ريالات يوميًا؟ تأكل منها وتشرب و”تروق” على قهوة المغرب وتطعم أطفالك؟ نعم في مكان آخر من العالم يحدث هذا الأمر مع أرقام ضخمة من البشر. يعيشون بأربعة ريالات يوميًا، ويتدبرون أمورهم بشكل يفوق تصورك.
شاهدت فيلمًا وثائقيًا اسمه “Living on 1 Dollar” وقصته باختصار أنّ هناك أربعة طلاب أميركيين قرروا العيش بدولار واحد (3.75 ريال سعودي) يوميًا في جواتيمالا الفقيرة، والتي بناءً ويكيبيديا فإن متوسط الأعمار الحالي فيها 19.4 عامًا. بواقع 18.9 عام للذكور و 20 للإناث.
العيش على 4 ريالات
قرر أحد الشباب قضاء تجربة مختلفة في صيف أحد الأعوام. فقد قرأ عن مجموعة كبيرة من البشر تعيش على دولار واحدٍ يوميًا. تأكل وتشرب وتطعم أطفالها وتعلمهم فيه! أمرٌ مثير للحيرة، حيث يتبادر إلى ذهنك مباشرة أسئلة مثل: كيف يستطيع إنسان أن يعيش بهذا الشكل؟ وهل هذا الأمر حقيقي أصلًا؟
عندها، قرر الشاب بعد أن أقنع ثلاثًا من أصدقائه، وأحدهم مخرج، أن يترك فراشه المريح ويتوجه إلى جواتيمالا. يذهبون وهم لا يملكون سوى ملابسهم التي يرتدونها، وكاميرا يحملها المصوّر.
بدأت الصعوبات تتضح منذ وصولهم، حيث اقترضوا مبلغًا قدره 25 دولارًا للحصول على قطعة أرض يزرعونها ويبنون عليها غرفة من الأخشاب ليناموا داخلها. تظهر بعد ذلك صعوبات عديدة تقربهم من أهالي المنطقة وتكشف لهم وجه الحياة المخيف البعيد كل البعد عن رتابة حياتهم اليومية، وكاسات القهوة الصباحية التي تعادل قيمتها تعليم طفل لعام كامل!
تبدأ الصراعات تظهر في الفيلم بعد اقتراض المبلغ. حيث بدأ الشباب الأربعة بالتفكير بشكل جدّي بطريقةِ الصرف والطعام وحطبٍ للطبخ. اكتشفوا أن الطعام لا يكفيهم ولا يمدّهم بالطاقة اللازمة لأجسادهم، حركتهم أصبحت أقل ونشاطهم أيضًا. فهُم لا يستطيعون الاستمرار في شراء حطبٍ للطبخ لارتفاع سعره. وكذلك لا يستطيعون تناول طعام أكثر، لأنهم لايملكون المال الكافي.
تجربة داخل بيوتهم ينقل لنا المشاعر كاملة بلا تزييف
عاش الشباب لمدة 8 أسابيع مع الأهالي، بالقرب منهم ومن معاناتهم. حاولوا تعليم الأطفال بعض الكلمات الإنجليزية وتعرفوا على فقيرٍ يعيش يومه بدون مدّخرات، أو طعام وفير، أو تعليم مفتوح. يستعرض الفيلم قصصَ بعض الأطفال والعائلات، فيدخل إلى داخل بيوتهم وينقل لنا المشاعر كاملة بلا تزييف.
طفل لم يستطع إكمال تعليمه، لأن والده لم يدفع 25 دولارًا تكلفة الدراسة والكتب. وعوضًا عن التعليم، انتقل للعمل في الحقول مقابل أجرٍ ضعيفٍ جدًا ومهام لا تناسب عمره.
ومشهد آخر لعائلةٍ كاملة يأكل أطفالها يوميًا الملح والخبز. ويستلقون باقي اليوم لأن طعامهم لا يوفر لهم طاقة كافية للحركة. وزوج يشاهد زوجته تذبل أمامه لأنه لا يملك مالًا لاستئجار سيارة تنقلها إلى المستشفى.
ما إن تنتهي من مشاهدتها حتى تحقر نفسك ورفاهيتك
روزا، حلمها أن تصبح ممرضة. اقترضت مبلغًا من المال من جهة تقوم بإقراض المحتاجين دون شروط معقدة، لتكمل دراستها وفي نفس الوقت تعمل في صناعة النسيج.
قصصٌ عديدة، ما إن تنتهي من مشاهدتها حتى تحقر نفسك ورفاهيتك والإعلام المشغول بنقل الأكاذيب متجاهًلا الرسالة الحقيقية التي يجب أن تصل. أجد أنّ تجربةً من هذا النوع ترتب فوضاك الداخلية، وتغير نظرتك للأشخاص الذين يعيشون في طبقات مختلفة عنك، وتبدأ بالتماس الأعذار وتحجيم نظرتك الدونية لهم.
وفي مقابلة لأبطال التجربة وأصحاب الفكرة، كريس تيمل وزاك أنقراسيا، علّق زاك تعليقًا ثريًا يختصر الكثير من الخطب السياسية وتصاريح هيئات حقوق الإنسان حول العالم. يقول زاك:
“إنْ كان هناك شيء حقيقي خرجت منه من هذه التجربة، فهو استيعاب فكرة أنّ ماحصل لهؤلاء اللاجئين قد يحصل لي ولك! قابلت مهندسين، وأطباء، وعمّال بناء، وطلاب، وفلاحين خلال إقامتي في هذه القرية. عشت تجربتهم ولم تكن فكرة أن أكون مكانهم في يوم ما، تغادرني.”
“إنْ كان هناك شيء حقيقي خرجت منه من هذه التجربة، فهو استيعاب فكرة أنّ ماحصل لهؤلاء اللاجئين قد يحصل لي ولك! قابلت مهندسين، وأطباء، وعمّال بناء، وطلاب، وفلاحين خلال إقامتي في هذه القرية. عشت تجربتهم ولم تكن فكرة أن أكون مكانهم في يوم ما، تغادرني.”
أكثر من مليون إنسان يعيش على 4 ريالات
التجربة التي خاضَها الشباب، يعيشها اليوم كحياة حقيقية أكثر من 1.1 مليون شخص حول العالم، غالبيتهم من المهاجرين. يواجهون صعوباتها بشكلٍ يوميٍ. ويلمسون تأثيرها على نومهم ونشاطهم وصحتهم. ماقد يبدو “تجربةً” مثيرةً لنا، هو لغيرنا معاناةً حقيقة. إنْ لم نساهم في حلّها، قد نجبر على عيشها في يوم ما.
الفيلم متاح على Netflix. شاهدوه برفقة أطفالكم، أعتقد أنها البداية لنتخلص ونخلصهم من شوائب السنين الماضية.