أيكون المستهلك ناشطًا بيئيًا؟

يخبرني تقرير إخباري -أنا عضو حزب الكنبة، المستهلك وآخر حلقات سلسلة الإمداد والتوريد- أن بيدي التغيير وأني أستطيع أن أكون ناشطًا بيئيًا!

من ثمانية

«يا باي يا باي يا باي». لا تدع خيالك يشطح بك بعيدًا، فأنا لا أغني لعزيز مرقة، بل هي تمتمة آخر الظهيرة لسؤال ما العمل؟ لا أقصد عملي اليومي بتعبئة جدول الإكسل التعس، باعتباري أخصائي جودة يشكك في جدوى عمله المهني التافه. لكني أسأل ما العمل بعد إنهاء اليوم وصرف راتبي الذي استلمته اليوم للتبضع.

هذه هي «الحال يا أهل الحال» منذ بداية ثورة المستهلك. فبدلًا من قبض المال الذي لا يكاد يكفي حوائجنا، بات بوسعنا -نحن أهل الطبقة المتوسطة- شراء بعض الكماليات والحاجات لتحسين جودة حياتنا؛ من علكة فراولة أو مشروب غازي يروي عطش يوم طويل نقضيه في مشاهدة تقرير إخباري، يخبرني -أنا عضو حزب الكنبة، المستهلك والعميل آخر حلقات سلسلة الإمداد والتوريد- أن بيدي التغيير وأني أستطيع أن أكون ناشطًا بيئيًا! 

 يذكر «تقرير انبعاثات الكربون» (Carbon Majors Reports) عام 2017، أن مئة شركة عالمية تعمل في مجالي النفط والطاقة، كانت مصدرًا لما يتجاوز 70% من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في العالم منذ عام 1988. لكني أذهب وأقنع فتحي ومنيرة الذين يضيعون نهاية الأسبوع لإنقاذ السلاحف وتنظيف الشواطئ. 

لا تسيئوا فهمي، فليس في نفسي شيء ضد السلاحف وتنظيف الشواطئ. إنه عمل يسهم في خلق بيئة نظيفة مستدامة من غير شك. ولكن يجب ألا يُفصل عن النضال والتوعية ضد الأنشطة الجشعة للمصانع، التي ترمي نفاياتها في البحار وتسهم الإسهام الأكبر في التلوث.

 لننسَ أمر فتحي ومنيرة والفتيان السلاحف، ولنعد إلى هذا التقرير الإخباري الذي يريد تصويري كأني بيدي تغيير العالم. بصوت جهوري ووقور، يسرد لنا المذيع «زكي منير»، واضعًا ربطة العنق الصفراء المتدلية على كرشه المقعرة: «تكمن ضرورة  بناء الوعي والنقد الاستهلاكي للرأسمالية ضمن إطار فعاليتنا -نحن المستهلكين- وبروز ظاهرة «نضال المستهلك» (consumer activism)، أو النشاط من خلال المشاركة في السوق مثل المقاطعة أو التسوق الأخلاقي، وهي عملية  تجعل من التسوق فعلًا سياسيًا

لم أفهم ما يقول لكنه يكمل قائلًا: «ليس من المفاجئ إذن أن يشعر المستهلكون بأنهم مضطرون للنهوض وإصلاح عالم مكسور بأنفسهم، باستخدام بطاقات الاقتراع واللافتات وتويتر وآليات أخرى تحت تصرفهم. إحدى نقاط النفوذ التي يستخدمها المستهلكون النشطون بشكل متزايد هي العلامات التجارية. يمكن أن يتخذ هذا شكلًا من المقاطعة، كما في حالة أولئك الذين اعترضوا على تحدي ستاربكس لسياسات ترمب فيما يتعلق بالهجرة، أو دعم أوبر المتصور لهم. فارتفاع نشاط المستهلك ينذر بمخاطر جديدة للعلامات التجارية.»

أدرك لاحقًا أنني أضعت الوقت وشاهدت ما يشبه أحلام اليقظة غير المريحة. عندي الآن مال وفير، فلمَ لا أذهب لشراء الآيس الكريم وأعود لمشاهدة «هجوم العمالقة» ثم أنام بسلام؟

الروابط:

الاستهلاكيةالبيئةالتلوثالمستقبل