الحال ليس من بعضه!

مع إيماني بضرورة وجود هذه التشريعات التي تحفظ الحقوق، في الوقت ذاته، أجد أن العلاقات العائلية يجب أن لا يضبطها إلا قانون المودة والرحمة.

لكل الكائنات الحية -لست متأكدًا من غير الحية- قوانين تحكم حياتها وكيفية تعايش قطعانها مع بعضها بعضًا ومع غيرها. وبغض النظر عن كون «قانون الغابة» لا يعجبنا، إلا أنه قانون على أية حال. الإنسان هو الوحيد بين كل الكائنات الذي يجب أن تكون قوانينه مكتوبة وموثقة، ربما لنسيانه أحيانًا أنه إنسان، ونسيانه أحيانًا أخرى أن حياة بني جنسه لا تسير وفق مزاجه الشخصي. ومع أنه الكائن الوحيد المهتم بالتوثيق، فإن هذا لا يكفي. إذ تختلف تفسيرات ما يوثقه من إنسان لآخر.

ولعل أجمل ما في قوانين بقية شركاء الإنسان في هذا الكوكب من الكائنات الأخرى أنه لا يوجد لديها محامون وخبراء قانونيون. فالقانون حين يخرج من بين يدي العازف إلى يدي المحامي يتغير ليصبح شيئًا غريبًا ومخيفًا ربما. ولا أعلم سر اللذة التي يجدها المحامون في تخويف الناس من القانون، وهذا ديدن كثير منهم عند إقرار كل قانون.

وربما سنشاهد قريبًا -بمناسبة إقرار قانون الأحوال الشخصية- تجليات لبعض المحامين وهم يدلون بتصريحاتهم عبر حساباتهم في تويتر أو في التلفزيون، عن عقوبات غريبة وعجيبة كما يفعلون دائمًا. ربما نقرأ لمحامٍ يقول إن الزوج الذي يشعر بالحر في الوقت الذي تشعر فيه زوجته بالبرد، سيعاقب بغرامة لا تقل عن مائة ألف ريال وبالسجن لعامين بدون مكيّف. المحامون الأعزاء مغرمون بالبحث عن مثل هذه الأمور الغريبة التي أظنها مبالغة في «الوسوسة» أثناء قراءة القوانين والتشريعات.

ومع إيماني بضرورة وجود مثل هذه القوانين والتشريعات التي تحفظ للناس حقوقها، فإني في الوقت ذاته، وحين يتعلق الأمر بالزوج والزوجة والأبناء، أجد أن العلاقة يجب أن تكون فطرية سليمة لا يضبطها إلا قانون المودة والرحمة. ولا أعلم كيف تحكم الدساتير المكتوبة علاقة عائلة حقيقية. هذه العلاقة شفافة ورقيقة وحقيقية، وفيها تضحيات متبادلة، لكنها تغدو بلا معنى إن كانت لا تسير بتلقائية وتقبل، وأصبحت مجرد بحث عن الواجبات والحقوق داخل مواد القوانين.

الجميل والمطمئن أن قناعاتي هذه تخصني وحدي، وأن حاجات الناس لا تحددها نظرتي للحياة. والقانون ضابط جميل لحياة الذين لا يستطيعون ضبط أنفسهم ولا حياتهم.

كثيرون يحتاجون إلى هذه القوانين، لأن هناك من سُلبت حقوقهم، وكثيرون يحتاجونها لأنهم تخلوا عن واجباتهم. والإنسان عمومًا يحتاج للتشريعات حتى يضيف فارقًا آخر غير اللباس واللغة بينه وبين بقية الحيوانات والدواب، شركائه في الحياة على هذا الكوكب.

اختراع الدواء إنجاز عظيم، لكنك مهما كنت منبهرًا من العالمِ الذي اكتشفه، وسعيدًا بوجوده، فأنت حتمًا لا تريد أن تضطر لاستخدامه، وكذلك أنظمة الأحوال الشخصية وقوانينها وتشريعاتها. 

السعوديةالقانونالمجتمعالرأي
مقالات حرة
مقالات حرة
منثمانيةثمانية