من لول إلى الصوابيَّة

كما أدخلت التقنية كلمات جديدة على كلامنا، فهي تدفعنا أيضًا إلى تغيير طرقنا في التعبير. ليس بهدف الابتكار، بل هروبًا من الحظر والرقابة.

كم مرة جلست مع أصدقائك تحدثهم عن مقالة أو فيديو شاهدته، فيطلب أحدهم منك إرسال «اللينك» على واتساب. وبعد أن تشاركه يرسل لك 👍 للتأكيد على وصوله. هذا التفاعل التقني في ظاهره جاء بواسطة اللغة؛ اللغة التي غيرت التقنية والإنترنت من شكلها.

في البداية جاء التغيير صغيرًا على شكل كلمات مستعارة مثل «لول» و«برب» و«تيت» المنقولة من الإنقليزية لتصبح جزءًا من أدبيات محادثاتنا الكتابية ومفرداتنا. ومن يدري، لعلَّها تصير بعد عقود جزءًا رسميًا من لغتنا.

يعود أحد أسباب ظهور هذه الكلمات إلى طبيعة الوسط المستخدم في التواصل. ففي حين يسهل عليَّ قول «أشوف وشكم بخير» للجالسين، فالكتابة والردود السريعة التي كانت من خصائص برامج المحادثة حين انتشرت أجبرت المستخدمين على الخروج بطرق تعبير تحاكي سرعة الكلام. وما الاختصارات والإيموجي إلا ابتكارات حسَّنت من ذلك.

هذا التداخل في الحوار بين برامج المراسلات والكلام الشفهي تسبَّب في تداخل الكلمات بين القول والكتابة. فوجدت مصطلحات طريقها من الشاشة إلى ألسنتنا مثل «بلوك» و«كنسل» و«شير اللوكيشن» لتصبح كلمات لها دلالات واضحة ينطقها لسان القاصي والداني.

لكن كما أدخلت التقنية كلمات جديدة على كلامنا، فهي تدفعنا أيضًا إلى تغيير طرقنا في التعبير. ليس بهدف الابتكار، بل هروبًا من الحظر والرقابة الذي تتولاه الخوارزميات وبرامج الذكاء الاصطناعي.

فقد لوحظ لجوء بعض مستخدمي تك توك إلى صياغة الجمل بطرق ملتوية لتفادي خوارزميات الحجب التي تبحث عن كلمات قد تراها الإدارة «مسببة للمشاكل» كقضايا التحرش الجنسي أو الانتحار. وتك توك ليست الوحيدة، فأغلب المنصات الكبيرة تستخدم خوارزميات الحجب، والكل يحاول التحايل عليها.

مشكلة هذه الرقابة أنها مدفوعة بمصالح مادية وليس أخلاقية. وفي حين خرجت المصطلحات القديمة نتيجة حاجة إلى تلبية السرعة والاختصار ونقل الفكرة بسرعة، فالرقابة المدفوعة بالخوارزميات والذكاء الاصطناعي والحجب ستنقل اللغة في الإنترنت إلى شكل مختلف. 

مع الوقت ستجهد حتى تبدو لغتك «مصيبة سياسيًا» لا رأي واضح فيها ولا نقد تجنبًا للعواقب، وهنا خوفي من تأثير هذا التغيير على تفكيرنا. فاللغة أداة المعرفة، وإن تشوَّهت هذه الأداة ستصبح المعرفة مشوَّهة هي الأخرى، بعد أن صار كل شخص منّا «يخلي باله من لغاليغه».

اللغةحرية التعبيروسائل التواصل الاجتماعيالرأي
نشرة أها!
نشرة أها!
منثمانيةثمانية

نشرة يومية تصاحب كوب قهوتك الصباحي. تغنيك عن التصفّح العشوائي لشبكات التواصل، وتختار لك من عوالم الإنترنت؛ لتبقيك قريبًا من المستجدات، بعيدًا عن جوالك بقية اليوم.

+640 مشترك في آخر 7 أيام