مزاجيَّة التقييم الرقمي
انحسرت الجائحة، وما زلت أفضّل التواصل مع زملائي في العمل عن بعد رغم وجودنا في الشركة. فهل اعتدنا مع التواصل الرقميّ على الانفصال عن بعضنا؟
مؤخرًا، قدَّمتُ ورشة عمل «عن بعد» ضمن مهامي الوظيفية. العجيب أنني قدمتها من مكتبي في الشركة عبر برنامج «زووم» رغم وجود غالبية الموظفين الحاضرين في الورشة على بعد عدة أمتار من مكتبي!
قد يبدو الموضوع عاديًا. لكن تفضيلي الاجتماع مع زملائي من خلف الشاشة وهم على مقربةٍ مني جعلني أفكر مليًا في التغيرات التي طرأت على شخصيتي، وربما في قدرتي على التواصل بدون حواجز.
بعد انحسار جائحة كورونا، أصبح الكثيرون يعملون بطريقة مرنة بين مقر العمل والمنزل، وهنا بدأت تتشكل ظاهرة أسميتها «التقييم الرقميّ». أي أنني أصبحت أقيّم زملاء العمل الذين أعمل معهم عن بعد بطريقة مختلفة عن الزملاء الذين ألتقيهم في المكتب.
فمثلًا، عندما أجتمع مع زميل عمل «عن بعد» وهو يرتدي ملابس رياضية أو بيجامة، أقيّمه عادةً بأنه شخص عملي، «رايق وجوّه عليل»، ولا يضع بيني وبينه أي حواجز. لكن لو حضر هذا الزميل للمكتب لحضور اجتماع معي بالملابس نفسها سأقيّمه تلقائيًا بأنه قليل ذوق ولا يحترمني.
تقول هايدي قاردنر، رئيسة برنامج «تحفيز مهارات القيادة» من جامعة هارفارد: «إذا تأخرتَ عن موعد الاجتماع أثناء عملك من المنزل، ستعزو ذلك إلى انقطاع شبكة الإنترنت لديك. لكن إذا غاب أي شخص آخر عن الاجتماع ستعزو ذلك إلى عيب في شخصيته.»
فنحن حين لا نرى الظروف المحيطة بزملائنا ونكتفي بمشاهدتهم والتواصل معهم عبر الشاشة، سوف نخسر قدرًا كبيرًا من قدرتنا على تقييمهم. وربما برغبتنا في الانعزال عنهم والاكتفاء بالتواصل معهم «عن بعد»، إنَّما نوجه أنفسنا دون قصد لإدراك الظروف الخاصة والمحيطة بنا حتى نبرر سلوكياتنا وتصرفاتنا، بينما في الوقت ذاته نتجاهل ظروفهم.
لهذا، ورغم المرونة التي منحنا إياها، يشكل التواصل «عن بعد» اليوم خطرًا على شخصياتنا. فبعد مدة قد نجد أنفسنا نفضّل التواصل مع أحبائنا وأصدقائنا «عن بعد» رغم وجودهم معنا، لا لشيء، إلا لأننا نفضل تقييمهم وهم بعيدون عنّا، فنرى فيهم الجانب الذي نحب أو نكره حسب مزاجنا الشخصي!
نشرة يومية تصاحب كوب قهوتك الصباحي. تغنيك عن التصفّح العشوائي لشبكات التواصل، وتختار لك من عوالم الإنترنت؛ لتبقيك قريبًا من المستجدات، بعيدًا عن جوالك بقية اليوم.