النهاية المريعة للنظافة

مع مضينا نحو عصر تقنيات الواقع الافتراضي، هل سنظل نكترث إلى نظافتنا الشخصية وأشكالنا في الحياة الطبيعية، أم سنكتفي بجمال صورتنا الافتراضية؟

في إحدى رواياته، يفترض د. أحمد خالد توفيق عالمًا يسوده الظلام لسبب ما. وهكذا يتحول الناس في النهاية إلى عميان مع أنَّ أعينهم سليمة فسيولوجيًا. لكن كما يقول المثل: من الذي يراك يا من يغمز في العتمة؟

يتكيّف البشر في الرواية مع الظلمة وتتطور حواسهم الأخرى بشكل فائق. لكن لأنهم لا يرون بعضهم بعضًا ما عادوا يهتمون بأناقتهم ولا هندامهم. لا يتزينون ولا يستحمون ولا يشذبون شعورهم.. رجالاً ونساء.

فما حاجتك للتجمُّل إذا كانت جاذبيتك الشكلية غير ذات قيمة؟ ناهيك عن كونك غير مُبصَر في الأساس؟ 

في زمن التواصل الافتراضي سيغدو الأمر مشابهًا. فاليوم نسمع عن حالات صار الناس فيها لا يكادون يتصوَّرون بلا «فلاتر». قد تتابع «مؤثرًا» لسنوات، فلا تكاد تتعرف عليه إذا قابلته في الشارع صدفة. لأنك لا تعرف شكله «الحقيقي» بدون الفلاتر التي يظهر بها للعلن ليورّد بشرته ويكبر عينيه ويدقق أنفه. 

الأمر أشبه بنكتة. لكنها نكتة تفرض نفسها على الواقع أكثر فأكثر، وستتغول أكثر مع شيوع تطبيقات عالم الميتا الافتراضي. 

لنأخذ مشهدًا روائيًا آخر كثّفه الأدب وبنى عليه.

تُصوِّر رواية «اللاعب رقم واحد، استعد!» (Ready Player One) مستقبلاً دستوبيًا تدور فيه أحداث الحياة عبر لعبة افتراضية كبرى. نرى البطل وقد تحول إلى هيكل عظمي حي لأنه نسي أن يأكل! فقد انغمس تمامًا في أحداث اللعبة الافتراضية التي يعيشها داخل الخوذة والزي اللذين ينقلان كل أفكاره وانفعالاته إلى «الأڤاتار» الذي يمثله في العالم الرقمي. 

هذا المشهد المتخيّل يعيشه اليوم المهووسون باللعب الإلكتروني. لكن ماذا لو لم يعد الأمر مقترنًا باستثناءات إشكالية؟ ماذا لو صار الأفاتار هو القاعدة..هو شخصيتك أنت وعشرات الملايين سواك في المدرسة والوظيفة والمصلى والملعب والمجتمع الذي سينتقل بأسره إلى عوالم الميتا؟

في عام 2021، قُدّر سوق منتجات تشذيب وإزالة شعور الرجال عالميًا بنحو 70 مليار دولار. أما حجم سوق الأندية الصحية فتجاوز 96 مليار دولار في 2019. وبمعايير الحياة الافتراضية، حيث يسعك أن تفصّل شكلك كما تُحب أن تُرى و«تعيش»، فلن يكترث أحد لجمالك الحقيقي.

سترضى بكونك أشعث أغبر متهدلاً إنما مقبولاً بمعايير الميتا. ولتكونن تلك نهاية الحلاقين وعبوات الشامبو ومزيلات الروائح، النهاية المريعة لزمن النظافة الجميل.

الصحةالواقع الافتراضيالرأيالمستقبل
نشرة أها!
نشرة أها!
منثمانيةثمانية

نشرة يومية تصاحب كوب قهوتك الصباحي. تغنيك عن التصفّح العشوائي لشبكات التواصل، وتختار لك من عوالم الإنترنت؛ لتبقيك قريبًا من المستجدات، بعيدًا عن جوالك بقية اليوم.

+640 مشترك في آخر 7 أيام