تحيا الإقطاعيّة الإلكترونية

تطوَّرت الرأسمالية إلى وحشٍ مجهول متعدد الرؤوس يصعب التوقع به حتى في أعين أعتى الرأسماليين. رؤوسه المنصات الرقمية الكبرى، وأشرسها ميتا.

كلما مللت لدى تمشية كلبي من الاستماع لأنغامي، أبحث في يوتيوب عن سلافوي جيجيك. وفورًا لفت انتباهي عنوان مقطعه الأحدث: الإقطاعية الإلكترونية.

كان لقاءً جمعه بمفكّر يدعى يانس فاروفاكس، من نوعية رسل النذير بالوحش القادم. مع ذلك، كان حديثًا آسرًا، بدأ بتسليط الضوء على الحقيقة الأولى: لم يعد السوق رأسماليًّا. 

فالرأسمالية تطورت إلى وحشٍ مجهول متعدد الرؤوس يصعب التوقع به حتى في أعين أعتى الرأسماليين. رؤوسه المنصات الرقمية الكبرى، وأشرسها فيسبوك (ميتا).

الحاصل وفقًا لفاروفاكس أنَّ بدخولك السوق الرقمي تكون خرجت من السوق الرأسمالي ودخلت إلى نظام «العزبة» الإقطاعي. كيف؟ أولًا، تصور لو أنَّ كل ما في السوق يملكه شخص واحد، وأنت وكل أصحاب المتاجر لا تملكون سوى حق الاستخدام مقابل أجر شهري. وحتى مع دفعك المال، يملك صاحب السوق طردك لأي سبب. 

ولنفترض أنك تريد الترويج لمنتجك أو خدماتك في فيسبوك، ستدفع الاشتراك مقابل الخطة الإعلانية. ولن تكترث فيسبوك لما تنتج أو مدى أرباحك، لأنها ستنقض على بطاقتك كل شهر وتأخذ نصيبها المستحق منك في كل الأحوال. كذلك، كفرد، بمشاركتك بياناتك وتحركاتك داخل السوق الرقمي وخارجه أصبحت ملكية خاصة لصاحب «العزبة». وبحرصك على بناء بروفايل «نظيف» في وسائل التواصل الاجتماعي بغية القبول للتوظيف، تكون تخليت طوعًا عن حريتك الشخصية.

وبالطبع تحقق فيسبوك ومثيلاتها من المنصات الرقمية الكبرى أرباحًا خيالية على ظهور الكادحين من مستخدميها، لكن لا تنعكس على السوق الرأسمالي. هنا عرفتُ لماذا نشهد حميَّة حكومات الدول الكبرى ضد تلك المنصات إما بفضحها أخلاقيًّا خوفًا على المراهقات -رغم أنَّ الرأسمالية ما اكترثت يومًا لخطر التنمر على أجساد المراهقات- أو بفرض ضرائب عالية على أثريائها الفاحشين. 

كما حاولتْ ولا تزال كسر احتكار تلك المنصات للتقنيات في محاولة نسخ سوقٍ رقمي شبيه بالرأسمالي ملكيته مفتوحة للجميع، بحيث تمتلك حقيقةً متجرك الإلكتروني بدلًا من استئجاره.

انقطع الكلام. وتذكرت ماركس ونذير بيانه الشهير من شبح الشيوعية الذي ستعجز قوى أوربا القديمة عن إيقافه، إذ سيتحد خلف الشيوعية الملايين من العمال الكادحين الرافضين للاستغلال الوحشي. وأتصور هذا ما سيحصل مع شبح الإقطاعية الإلكترونية، إذ سيتحد خلفها كل المستخدمين الكادحين الرافضين لمحاولات تحريرهم من «العزبة».

نشرة أها!
نشرة أها!
منثمانيةثمانية

نشرة يومية تصاحب كوب قهوتك الصباحي. تغنيك عن التصفّح العشوائي لشبكات التواصل، وتختار لك من عوالم الإنترنت؛ لتبقيك قريبًا من المستجدات، بعيدًا عن جوالك بقية اليوم.

+640 مشترك في آخر 7 أيام