هل يتحرّر الفن من سلطة المتحف
في هذه الحلقة من بودكاست بكرة، تحدّثنا الأكاديمية مها السّنان عن مستقبل الفن والتراث في العالم العربي والجهود المبذولة في حمايته.
حينما اجتاحت كورونا كوكبنا، توقفت الفعاليّات الثقافية والفنية في معظم مدننا العربية، إن لم يكن جميعها. ولم أشعر حينها أن شيئًا تغيّر في حياتي. وقتها تبادر لذهني سؤال جدوى وجود هذه المؤسسات. لكن ماذا لو كانت المتاحف قادرة على الاستفادة من التكنولوجيا الحالية لا لعرض أرشيفها وتقديم خدماتها فحسب، بل لخلق رابط قوي بين الجيل الحالي والتراث والفن؟
الحقيقة أن كثيرًا من المؤسسات حاولت القفز فوق حدود التباعد الاجتماعي بعقد حواريّات افتراضية، كما فتحت معارض ومكتبات عديدة أفرعًا رقميّة على الإنترنت. من غرفتي تجولت في متحف فان قوخ في أمستردام. وحضرت عروضًا سينمائية لأفلام ربما ما كانت لتعرض في سينما المدينة في الأيام العادية، وتسنى لي التواصل مع المخرجين والمصورين والفنانين خلفها.
لكن هل يكفي هذا الانفتاح الرقمي لجعل فننا المحلي مثيرًا للاهتمام، يواكب العصر ويغري الجيل الجديد؟ فرغم العديد من مشاريع التوثيق والأرشيف، ما زال جزءٌ كبيرٌ من التراث الفني المحلي مبعثرًا. أمّا رقميًّا، فالحال أصعب. وإن كان عددٌ من المتاحف العربية يقدم خدمة الجولة الافتراضية، إلا أنها في الغالب تستخدم اللغة الإنقليزية موجهة للأجنبي ليطلع على حركتنا الفنية ويعرفنا ربما أكثر مما نعرف أنفسنا.
في مدينة رام الله التي أسكنها، يُتَّهم كثيرٌ من الفنانين بالبعد عن الشارع والمجتمع. وقد عملت مرة في مؤسسة للفنون والثقافة واشتغلتُ مع فنانين وحاولت مراقبة تطوير أعمالهم عن كثب. لا أخفيك أنني لم أفهم جزءًا كبيرًا منها. وتساءلت هل ثقافتي الفنية بسيطة تقتصر على الفن المباشر أو الفن الفلسطيني الوطني برسائله المباشرة والمتشابهة رغم عظمة عديد منها؟ أم أنها لم تُوجَّه لي من الأساس، بل وُجهت لعَيْن الآخر خارج مجتمعنا؟
في تجربة مشابهة، تحكي لي سلمى عن أول زيارة لها لمعرض فني بعد الجائحة، «رحلة ديلاكروا في شمال إفريقيا» بالمتحف الوطني بالرباط. قد تبلع بعُسرٍ الترجمة الخاطئة من الفرنسية إلى العربية لكل نصوص المعرض، لكنك لن تفهم أبدًا ما الذي يهم الزائر المغربي من قصة فنان تشكيلي -مواقفه الأخلاقية مشكوكٌ فيها- حلم بزيارة «الشرق» والتجول في الأسواق الغريبة وتأمل الأزياء والآلات الموسيقية غير المألوفة!
قد يقول مدافع، دعونا من ثقافة الإقصاء. لكني أسأل هل مجتمعاتنا العربية جاهزة للتلقي دون تحليل؟ وهل وثّقنا تجاربنا المحلية الخاصة بما يكفي لتجدّدها واستمرارها؟
بالطبع تأثر الفن العربي المحلي بالعولمة. تتجه أنظار الفنانين اليوم نحو المعارض الفنية العالمية، ومنه ضعفت الهوية المحلية، وانحصرت في معارض التاريخ والتراث كشيء مضى ولا علاقة لنا به اليوم.
تنبّهنا ضيفة هذا الأسبوع إلى الاختلاف بين صون التراث وحفظه. فلا يمكننا أن نقول إن عمليّة ترميم منزل بطراز معماريّ تراثي كافية لصون هذا الإرث. وحينما نبحث في تاريخ هذا المنزل ونكتب عنه نكون قد صنّفناه معلمًا فنيًّا وتاريخيًّا.
نحتاج لاستمرار التوثيق والصون، وإن كنا نتابع الفن الغربي بحيادية، فالفن المحلي يستحق النظر إليه بأعين جديدة وتأويله حسب ما نعيشه ونشعر به الآن. الخطوات المبذولة من الحكومات والمؤسسات قد لا تكفي لإثارة فضولك، لذا في المرة القادمة التي تزور فيها متحفًا أو صالة عرض، لا تتراجع عن طرح الأسئلة!
في هذه الحلقة من بودكاست بكرة، تحدّثنا الأكاديمية مها السّنان عن مستقبل الفنون والتراث في العالم العربي والجهود المبذولة في حمايته.
روابط:
تجوّل في متحف الكويت للفن المعاصر
حصة التاريخ في المدرسة، كيف نحسّنها؟ مع المؤرخ اللبناني شارل الحايك
أن نحرر الفن المحلي من الاستشراق
ليصلك جديد ثمانية، اشترك في نشراتنا البريدية من هنا
بُكرة، لكل الشباب الواعد، نطرح أسئلتنا الكبيرة والصغيرة والمتغيرة والعالقة، مع مختصّين وباحثين وعُلماء، ونفهم معهم كيف نعيش ونستعد ونعمل من أجل مُستقبل أفضل.