لماذا ننجذب لمشاهدة برامج القتلة المتسلسلين؟
تحتل برامج القتلة المتسلسلين ووثائقيات الجرائم قوائم الأكثر مشاهدة على منصة نتفلكس، فما الذي يدفعنا إلى متابعتها بهوس رغم فظاعتها؟
عندي هوسٌ بقصص القتلة المتسلسلين وضحايا جرائم القتل. أذكر بوضوح شغفي بمتابعة مسلسل «دكستر» (Dexter). وأتذكر سعادتي البالغة لدى معرفتي بوجود قائمة منفصلة في نتفلكس لوثائقيات الجرائم.
منها تابعت قضية «ذا بيبول في اس أو جي سيمبسون» (The People vs. O.J. Simpson) التي لطالما سمعت عنها في طفولتي. كما أشبعت نتفلكس فضولي بإصدار وثائقي مفصل عن «كونفيرسيشن ويذ أ كيلر: ذا تيد بندي تيبز» (Conversations with a Killer: The Ted Bundy Tapes)، القاتل المتسلسل الأميركي الذي اشتهر في السبعينيات بفظائع أفعاله ضد ضحاياه من النساء.
ليخطر لي سؤال: من أين أتى الافتتان بمثل هذا النوع من البرامج؟ وماذا يفصح ذلك عن شخصياتنا؟ هل نحن قتلة في طور التكوين، أم يدفعنا الفضول المحض لمعرفة خبايا الجرائم؟
المتعة الآثمة في برامج القتلة المتسلسلين
يتجاوز الدافع وراء مشاهدتنا هذه القصص إحساسنا بالفضول، فثمة متعة تدفعنا إلى متابعة الوثائقي حتى نهايته. إذ رغم كون القاتل المتسلسل متطرفٌ بوحشيته وغير سويّ، يستمر المُشاهد بالمتابعة رغبةً منه بتفسير لغز ارتكاب القاتل جرائمه الفظيعة تجاه ضحاياه.
ومتى ما تمكن من حل لغز الشخصية الغامضة وفهم دوافعها الحقيقية يستشعر المشاهد التأثير المُبهج لارتفاع الأدرينالين. يسمّي البعض هذا النوع من المتعة بـ«المتعة الآثمة» (Guilty Pleasure) التي تمنعنا من التوقف عن المشاهدة مهما بلغت فظاعة ما نراه.
في كتابه «لماذا نحب القتلة المتسلسلين» (Why We Love Serial Killers) يتحدث خبير الجرائم، البروفيسور سكوت بون، عن هذه المتعة:
يثير مرتكبو الجرائم والقتلة المتسلسلون فضول الناس نحو معرفة المزيد من التفاصيل. فالمُشاهد يتلقى دفعة من الأدرينالين كمكافأة على مشاهدة الفظائع المرتكبة. ومن المعروف أن للأدرينالين تأثير مباشر على تحفيز الدماغ البشري وإدمانه الشعور المشابه لتأثير ركوب الأفعوانية في مدينة الملاهي حيث لا يعد الخوف حقيقيًّا لكن يحاكيه. وهذا ما يدفعنا إلى متابعة تفاصيل الجرائم.
لو كنتُ الضحية أو القاتل
ثمة شعور بالراحة في اكتشافك التفاصيل عن بعد ومعرفتك أن الفظائع وقعت لشخص آخر ليس أنت، أمرٌ أشبه بمشاهدتك فلم رعب. فنحن نرغب في الشعور بالخوف لذا نضع أنفسنا موقع الضحية مع معرفتنا بأننا لسنا في خطر محدق. فالجثة المستلقية في مؤخرة السيارة تعود لشخص آخر غيرنا، ما يشعرنا بالسيطرة على الوضع.
يتجسد هذا الشعور في مصطلح شهير يدعى «شادنفرويد» (Schadenfreude). مصطلحٌ ألماني ابتدعه فرويد مع فريقه من المحللين النفسيين ويعرِّف به استمتاع الناس بمشاكل الآخرين ومعاناتهم.
كذلك تدفع تلك البرامج مشاهديها إلى الدخول في حالة التقمص العاطفي. إذ تثير حوارًا داخليًّا لدى المتلقي من نوع: «لو كنت مكان الضحية ماذا كنت سأفعل؟» أو «لو كنت القاتل كيف أفلت من هذا المأزق؟»
فأحيانًا نتعاطف مع الضحية ونحاول الإفلات من الموقف الصعب. وفي أحيان أخرى نرى المشهد من زاوية الجاني في سعيه اللانهائي لإتمام الجريمة المثالية دونما أثرٍ يمكن تعقبه. وهكذا يتغذى القاتل الخفي فينا على أفضل طرق تفادي الشبهات، ويتدرب على عناصر إخفاء آثار الجريمة.
القتلة المتسلسلون عن قرب
من الدوافع الأخرى لمشاهدة تلك البرامج حب الاطلاع على التفاصيل الحميمة في حياة أشخاص آخرين، كما في برامج تلفزيون الواقع. خاصة إذا كان الأشخاص المسؤولون عن ارتكاب تلك الجرائم أناسًا عاديين يشبهوننا.
بعض أولئك القتلة لطيفو المظهر، لا توحي هيئته بمظهر قاتل متسلسل على الإطلاق، كما الحال مع تيد بندي. يرتبط هذا الهوس باعتقادنا أننا إن اقتربنا من القاتل بدرجة كافية وفهمناه عن كثب سيصبح أقل إفزاعًا.
الجريمة بين الإعلام والأدب والسينما
تحدث المنتج جو بيرلنقر، صانع الوثائقي «ذا تيد بندي تيبز»، عن سبب اهتمامه بإنتاج المشروع ورغبته في إطلاقه للعلن. فيقول أنه رأى كاريزما عالية في مظهر بندي وفي شخصيته المحبوبة التي مكنته من البقاء بعيدًا عن الشبهات لفترة طويلة. لهذا استحوذ الفضول على بيرلنقر كي يعرف المزيد عن بندي.
لماذا ازدادت شعبية «الجريمة الواقعية»؟
تستند برامج وثائقيات الجرائم والقتلة المتسلسلين على أحداث حقيقية. فقصص تيد بندي وأوجيه سيمبسون وجيفري دامر تصدرت صحف الأخبار في السبعينيات والثمانينیات والتسعينیات. وعلى الأغلب لم يشهد الكثير منا تفاصيل تلك الحِقب الزمنية.
وفي إنتاج تلك الوثائقيات يعاد تقديمها بنظرة معاصرة بعد عقود من وقوعها. فتخوض في تفاصيل الأحداث من زوايا مغايرة لم يسلط الضوء عليها من قبل.
وهكذا، مع نجاحها في استقطاب المشاهدين، أصبح لتلك الوثائقيات فئة مستقلة تُدعى بـ«الجريمة الواقعية» (True Crime). وفتح ارتفاع نسب مشاهدات برامج الجرائم الواقعية شهية منصات الإعلام المرئي والمسموع كنتفلكس وشاهد وأمازون برايم وهولو وأبل على الاستثمار في إنتاج المزيد منها.
ففي نتفلكس وحدها اتسعت فئة «الجريمة الواقعية» مع إصدار العديد من الأعمال الدرامية والوثائقية المختصة بهذا النوع من الإنتاجات مثل: «ديرتي جون» (Dirty John) و«أميركان موردر» (American murder) و«ذا ريبر» (The Ripper).
كما احتل بودكاست «المتسلسل» (Serial) للصحفية الأميركية سارة كونيق صدارة برامج البودكاست الأكثر تحميلًا عام 2014 على الآيتونز. وشاهد نحو ثمانية ملايين شخص الحلقة النهائية من مسلسل «ميكنق أ موردر» (Making a murder) في غضون شهر من إصدارها في ديسمبر 2015.
وتشير دراسة نشرتها جامعة إلينوي عام 2010 إلى تمثيل النساء الجزء الأعظم من الجماهير المخلصة لهذا النوع من البرامج. ويعود السبب كما أوردته الدراسة إلى كون معظم ضحايا الجرائم الوحشية من النساء.
فأغلب أنواع الجرائم التي تغطيها الأفلام الوثائقية والمدونات الصوتية جرائم وحشية استهدفت النساء على الأغلب. لذا يتولَّد لدى المرأة دافع أكبر لمشاهدة تلك البرامج وسماع التسجيلات.
وساهم توق المشاهد للهروب من عالم الوباء في أرض الواقع، مع اضطراره للبقاء في المنزل ساعات طويلة، في انتشار برامج الجريمة الواقعية أكثر من أي وقتٍ مضى.
انتصار الخير على الشر
قد يفيدنا هوس المشاهدة في تهدئة المخاوف المعقولة، فيدفعنا لقفل الأبواب ليلًا واتباع تعليمات السلامة في الأماكن العامة. لكن يصبح زائدًا عن الحد عندما يتسبب لنا بكوابيس مزعجة أو يمنعنا من مغادرة المنزل بسبب الخوف من «تيد بندي» القادم.
مهما كانت دوافعنا، جميعنا نستمتع بمعرفة القبض على الجاني وعدم إفلاته بجرائمه. فحبنا لسردية انتصار الخير على الشر دافعٌ مهم لمتابعة هذا النوع من البرامج. Click To Tweet
ويصف أحد علماء النفس عروض برامج الجريمة على شاشات التلفاز بأنها «حكايات خرافية مخصصة للبالغين».
فنحن حين نتابع هذه الحكاية المستفزة للمتلقي نشاهد عن قرب حبكة بلاء الشر تحل على المجتمع، ويتجسد الشرير بصورة «القاتل المجرم». لكن في النهاية ينتصر الخير حين تتحقق العدالة بالقبض على المتسبب بالجرائم ومحاكمته للاقتصاص منه.