التقنيات تقتل متعة الأفلام

مع تقدم العلم وتطور تقنية صناعة الأفلام بدأنا نرى مؤثرات ومشاهد أكثر عمقًا تُستخدم فيها التقنية بشكل أساسي، وأصبحت تقتل متعة السينما إلى حد كبير.

بدأت شركتا لوكاس فلم (Lucasfilm) وتوينث سينشري فوكس (20th Century Fox) بعرض فلم حرب النجوم (Star Wars) على شاشات السينما عام 1977. وكانت هذه بداية العصر الحديث للسينما، ودخول الحاسب والتقنية الحديثة في تصميم المؤثرات الرقمية، وإضفاء روح جديد على الأفلام لجعلها مبهرة للعين.

ومع تقدم العلم وتطور تقنية صناعة الأفلام، بدأنا نرى مؤثرات ومشاهد أكثر عمقًا تُستخدم فيها التقنية بشكل أساسي. فتارة نرى تقنيات الصور التي تنشأ بواسطة الحاسوب كالصور المُولدة بالحاسوب (CGI) والتأثيرات البصرية (VFX) في شخصيات الأفلام كفلم أفاتار (Avatar). وتارة نجدها في أفلام الرسوم ثلاثية الأبعاد المتحركة (Animation) والمعتمدة كليًّا على تقنية ثلاثية الأبعاد (3D). ولا يختلف اثنان على النقلة النوعية التي أحدثتها التقنية في عالم السينما. ولا يستطيع أحد أن ينكر الدهشة والإبهار الذي رسمته هذه الأفلام على وجوهنا حين شاهدناها لأول مرة.

التقنيات تقتل متعة الأفلام

المبالغة في المعنى

يقول أحدهم: «ما دخلت المبالغة في شيء إلا وأفسدته». وما نراه اليوم من استخدام جائر للتقنية في الأفلام لا يجعلنا نشعر بالإبهار والمتعة المتوقعة. فمشاهد انفجارات المباني باتت مألوفة، وصوت طلقات النيران في أفلام الإثارة (Action) بات مزعجًا. ولم تعد مشاهدة سيلان الدماء في أفلام الرعب تُخيفنا، وكأن أعصابنا وعقولنا ماتت بجرعة زائدة من المؤثرات التقنية وجعلت منا أجسادًا تتلقى دون إحساس. والسبب يعود لامتلاء هذه الأفلام بالمؤثرات التقنية المُبالَغ في وجودها.

يعلم الجميع اليوم أن هذه المشاهد والمؤثرات ما هي إلا تصاميم رقمية تُستخدَم بصفتها إضافات تجعل الفلم أكثر واقعية، ولكن ما نراه في الأفلام اليوم لا يمت للواقعية بصلة. فبدلًا من أن تُستخدَم هذه التقنية لتعزيز قصة الفلم، أصبحنا نراها الحدث الرئيس، حتى بدأ وجودها يؤثر على مصداقية الفيلم وواقعيته ومدى استمتاعنا بأحداثه. ويرى رواد صناعة الأفلام اليوم أن في الأمر مبالغة، ويميلون للقول الدارج بأن عقل الإنسان كأجهزة الحاسب، فلا فرق لديه بين المشاهد والصور الواقعية والرقمية. ويبررون ذلك بأن العقل يترجم كل ما تلتقطه العين البشرية بنفس الطريقة دون التفريق بين واقعية هذه الصور من دونها.

عقولنا ليست حواسيب

قد تبدو آراء صُناع الأفلام حول الصور الرقمية منطقية، ولكن ماذا عن الأثر الذي تتركه الصور في نفوسنا؟ فمثلًا عندما نشاهد تقريرًا إخباريًا يصفُ حال الشعوب المتضررة جراء الحروب مُرفقًا بصور حقيقية للضحايا، نرى تأثير ذلك جليًّا علينا. وذلك لأن تلك الصور الواقعية قد لامست مشاعرنا الحقيقة. في حين لو أُرفق مع التقرير تصاميم وصور رقمية تُحاكي حال الضحايا، نجد أننا قد لا نتأثر بنفس القدر.

التقنيات تقتل متعة الأفلام

يقول البروفيسور ريكاردو مازوتي، أستاذ علم النفس في معهد الإنسان واللغة والعلوم البيئية في جامعة ميلانو وحاصل على درجة الدكتوراه في مجال صناعة الجسمال (Robot): «إن الخلط الذي يقع فيه البعض في الفكرة القائلة بأن أدمغتنا مثل أجهزة الحاسب قد تجعل الناس يعتقدون بأن تغذية عقولنا بالصور الواقعية لا يختلف عن تغذية عقولنا ببيكسلات، ورغم أن هذه الفكرة ألهمت عددًا من أفلام الخيال العلمي، فإنها، كما لاحظ العالِم روبرت إبشتاين مؤخرًا، ليست صحيحة. فعقولنا ليست حواسيب، والمعاني ليست مجرد معلومات، وتصوراتنا ليست إسقاطات. فنحن نعيش في عالم حقيقي، وليس في تدفق هامد للمعلومات».

هكذا عبّر البروفيسور ريكاردو عن رأيه في ما تعرضه شاشات السينما اليوم. وأكد على أنّ ما نراه من فتور في ردود فعل الجمهور لما يشاهد من أفلام ما هي إلا أمثلة على ما يمكن تسميته بتضخم المعنى. حيث أدى الاستخدام الحالي المكثف للصور المُولدة بالحاسوب والتأثيرات البصرية في الأفلام إلى ارتفاع معدل التضخم في الأهمية الفعلية لما نراه على الشاشات.

ربما يجدر بصُناع الأفلام اليوم العودة إلى المؤثرات الحقيقة في إنتاج أفلامهم. فبدلًا من تصميم مواقع التصوير بتقنيات الصور المُولدة بالحاسوب، يمكنهم استخدام مواقع تصوير حقيقة. وعِوضًا عن أصوات الآلاف من طلقات النيران الافتراضية المزعجة، يمكنهم استخدام عشرات الطلقات الحقيقة. وعندها قد تعود الأفلام لتلامس واقعنا وحواسنا بشكل أكبر، «فنحن نعيش في عالم حقيقي وليس في تدفق هامد للمعلومات».

هنا مقطع مرئي يشرح تقنيات الصور المنشأة بواسطة الحاسوب عبر الصور المُولدة بالحاسوب (CGI) والتأثيرات البصرية (VFX):

الأفلامالتقنيةالثقافة
مقالات حرة
مقالات حرة
منثمانيةثمانية