قف وأعد توجيه انتباهك
الانتباه هو الطريقة الأبسط للتعبير عن حبّي للأشياء واهتمامي بها. لكن العيش في عالم مزدحم مليء بالمشاغل يمكن أن يقلص هذا الانتباه ويحدّه...
لطالما بحثتُ عن سر السيطرة على حياتي وإعادة تنظيمها، ووجدتني في كل مرة أصطدم بممانعة شديدة. فأعزو ذلك إلى ضيق الوقت أو تعدد المهام أو أي سبب آخر. وكل مرة كنت أعود للنقطة ذاتها، حتى تنبهت: أين يذهب انتباهي؟ هذا هو السؤال الذي لم أطرحه على نفسي من قبل، إذ كنت مشغولة بالوقت كشيء محسوس أراقبه من البدء حتى الانتهاء.
الانتباه هو الطريقة الأبسط للتعبير عن حبّي للأشياء واهتمامي بها. لكن العيش في عالم مزدحم مليء بالمشاغل يمكن أن يقلص هذا الانتباه ويحدّه في نطاق ضيق خارج نفسي.
حيث يذهب انتباهك تتدفق طاقتك
في اللحظة التي اكتشفت فيها سرّ الانتباه بدأت بملاحظة مكان ذهابه عمدًا، وطبعًا دوّنت هذه الأفكار بمساعدة هاتفي المحمول وبرامج قياس فترات الاستخدام التي تمتد على شريحة كبيرة من اليوم.
خلال عملية البحث، اختبرت نفسي في عدة نقاط مثل: ما الأشياء التي تملؤني بالحماس؟ ما الأشياء التي تصيبني بالملل؟ ما الأشياء التي أجهلها حاليًا؟ أين أريد الذهاب في الفترة القادمة في حياتي العملية والشخصية؟ كل سؤال يستدعي المزيد من الإجابات والأسئلة، وتلك كانت فترة محببة رغم الفوضى التي أثارتها في نفسي.
علمت حينها أنني لن أحصل على التوازن «الحلم» في جوانب الحياة إذا لم أضع حدودًا واضحة لانتباهي. يشبه الأمر الإمساك بيد طفل مشاكس وتوجيهه حيث أريد أن يكون.
تذكرت في تلك الفترة اقتباسًا لتوني روبنز تكرّر أمامي ومللته قبل أن أفهمه: «حيث يذهب انتباهك تتدفق طاقتك.» متى ما كانت عيني على شاشة هاتفي قفزتُ خلف الأخبار والتحديثات والقصص التي تهمّني، وكثير منها لا يهمني، إنما هو جمع رصيد من المعلومات التي قد أحتاجها في يومٍ ما مستقبلًا. ما يعني أنَّ طاقتي تدفقت بعيدًا عني، وهذا ما يشعرني بالفوضى والإجهاد.
حرّك مقود الأولويات في توجيه انتباهك
في البدء شعرت بتفاؤل شديد بأن عملية توجيه الانتباه حيث أريد ستكون سهلة بمجرد إقفال الحاسوب أو تحويل هاتفي إلى وضعية الصامت. لكن في كل لحظة وجدتني أقاوم، فأذهب في الاتجاه المعاكس تمامًا حتى لو كان ذاك الاتجاه مواصلة العمل بشكل مجهد أو الانفصال التام عن حياتي الاجتماعية.
إحدى ميزات الانتباه أنه يتبع الأولويات. وإذا لم تكن لدينا أولويات واضحة سنغرق في التشتت. لذلك حرصت على صياغة أولويات لكل فترة بحيث تدعم توجهي الجديد في ضبط انتباهي. أشبّه الفكرة بتحريك مقود السيارة للالتفاف باتجاه اليمين أو اليسار حيث تفعيل الإشارة الضوئية وحده لا ينفع.
كانت الأولوية الأولى مرتبطة بالحياة بشكل عام: إيجاد الصفاء والوضوح. كانت لقمة كبيرة يصعب ابتلاعها فورًا لكن العمل عليها ممتع وأثار حماسي لاكتشاف طرق أفضل للعمل والعيش. أما الثانية فكانت فصل العمل عن الحياة الشخصية في أوقات مخصصة يوميًا.
بعد تحديد هاتين النقطتين، وضعت ممارسات وعادات يومية تعمل كالمقود في توجيه انتباهي نحوها. في مجال الصفاء والوضوح وضعت موعدًا أسبوعيًّا لنفض الملفات الإلكترونية والشخصية في رأسي من خلال التدوين وكتابة القوائم.
وفي مجال فصل العمل عن الحياة الخاصة، بدأت بتحديد موعد للجلوس مع العائلة وتناول القهوة، وهذا بالتحديد المؤشر الذي يذكرني بأن يوم العمل انتهى تمامًا. كل ما احتجت إليه وقتٌ لا يتجاوز الساعة لكليهما لكن الأثر عميق وطيّب.
حدّد محطة الوصول وطريقك إليها
أحبّ التفكير في هذا السؤال دائمًا: ما هي نسختك التي ترغب في الوصول إليها خلال ثلاثة أشهر أو ستة أشهر من الآن؟ وما لاحظته أنني أميل إلى اختيار النسخ التي لا تظهر أي مقاومة، ويكون رد فعلي الطبيعي التمسك بها والمحافظة عليها حتى بعد أن يثبت تأثيرها المأساوي.
لكن العثور على نسخة أفضل يشغلني، وعلى هذا الأساس أبدأ ببناء خطة متينة لكنها مرنة في الوقت نفسه. هل انتباهي سيكون على صحتي هذه المرة؟ كيف أجهز وجباتي؟ كيف أتمرن؟ كيف أتخلص من مشكلة سلوكية صارعتها طويلًا؟ ثم أعود من جديد لبناء الأولويات ودعمها بالانتباه.
تعلمت فعل ذلك خلال السنوات القليلة الماضية حتى أصبح يحدث بشكل آلي. وكلما نظرت في مرآة الطريق ولاحظت انحرافًا عن المسار، عدت وضبطته بهدوء وتروٍّ.
نبهتني هذه الطريقة في التفكير والعمل إلى أني لا أحسن تعدد المهام، ولا العمل تحت الضغط الشديد، وإلى أني أحب إيجاد متنفس إبداعي كلما سنحت الفرصة عبر هوايات جديدة أو مشاريع أتعاون فيها مع الأصدقاء خارج إطار العمل.
كذلك أرشدتني هذه الطريقة إلى أنّ قوة الإرادة لم تكن فعّالة تمامًا، على الأقل بالنسبة لي. ومن الأفضل توزيع الانتباه خلال اليوم وربط المهام والمشاريع بمستويات قدرتي الذهنية.
وقوف إجباري في سبيل الانتباه
أحب عملي وأحب فيه -خاصةً- طاقة الإنجاز المشتعلة التي يمدني بها، لكن الانغماس في تجربة العمل يدفعني أحيانًا إلى إنجازات فارغة من المعنى لو قارنتها بخطة حياتي الشاملة.
أريد تحقيق إنجازات مرتبطة أكثر بحياتي الشخصية، بالقرب من عائلتي، والالتفات للتفاصيل الصغيرة التي لا يسهل استعادتها بعد حين. لذلك، أحب الالتفات لمحطات الوقوف الإجبارية التي تعيد ترتيب انتباهي وتلقي الضوء على زوايا طال انشغالي عنها.
قد تكون محطة الوقوف هذه عطلة قصيرة، أو موسمًا سنويًّا يجدد علاقتي بروحي كشهر رمضان الفضيل. إذ يتراجع كل شيء وتهدأ محركات الركض، فأستمع -فقط- لنفسي.