وداعًا لنين
أوكرانيا، بلاد السبعة آلاف لنين، الدولة التي امتلأت ملامحها ببصمات الشيوعية. خاضت نضالاً دام لعقود لتحقق استقلالها من الحكم الشيوعي الاضطهادي، لكن حين حلت لحظة الحسم، وانكسرت قضبان الشيوعية، أصبحت أوكرانيا سجينة ذاتها، لتقيّد نفسها بأغلال حكمٍ ولّى.
أوكرانيا، بلاد السبعة آلاف لنين، الدولة التي امتلأت ملامحها ببصمات الشيوعية. خاضت نضالاً دام لعقود لتحقق استقلالها من الحكم الشيوعي الاضطهادي، لكن حين حلت لحظة الحسم، وانكسرت قضبان الشيوعية، أصبحت أوكرانيا سجينة ذاتها، لتقيّد نفسها بأغلال حكمٍ ولّى.
هذا كلّه تغيّر في ليلة الثامن من ديسمبير من عام 2013، حين تجمعت الحشود في وسط العاصمة الأوكرانية كييف، واقفين فيها وقفةً، تنادي بإسقاط كلّ أثار الحكم الشيوعي المتبقيّة. مهللين بلحظة اسقاطهم التمثال المتمركز في المدينة لعقود. التمثال الذي تم إسقاطه، هو مجسم القائد الشيوعي فلاديمير لينين. لينين الذي قاد الثورة التي أنشأت الاتحاد السوفيتي والتي كانت أوكرانيا جزءً منه.
تحقيق هدف كهذا ليس سهل المنال
خلال نشوة الانتصار، رصدت الكاميرات رجلاً في معطفٍ أسود، يقفز على التمثال كي يحميه بجسده. مثّل هذا الرجل للمتظاهرين، أوكرانيا الماضي الخاضعة للاتحاد السوفيتي وروسيا، في حين أنّهم كانوا يصنعون التاريخ الجديد لأوكرانيا، المستقلة، والحليفة للاتحاد الأوربي.
ومع سقوط تمثال لينين، تم إسقاط الحكم السابق للبدء بنظام حكم جديد، والتي كانت أولى خطواته، إزالة جميع آثار الشيوعية من الدولة.
لكن تحقيق هدف كهذا ليس سهل المنال، فأن تمحي تاريخًا امتدّ لعقود، لهو أمر يقارب المحال. وحركة كهذه، ستولّد صراعًا بين العامة؛ لأن البعض يرى أن فترة الحكم الشيوعي، فترة اضطهاد، بينما يعتبرها البعض الآخر بصمة تطور ونمو في التاريخ الأوكراني.
تقع أوكرانيا بين قوتين عظيمتين، روسيا من الشرق، وأوربا من الغرب. في العشرينات من القرن الماضي، كان جزء كبيرٌ من أوكرانيا، تحت الحكم السوفيتي رغم جهود الكثيرين لجعل أوكرانيا دولةً مستقلة.
في الثلاثينات، فقد ملايين الأوكرانيين حياتهم في مجاعةٍ مخططةٍ سلبَ فيها الطعام من الفقراء.. وتم حبسهم حتى الموت. وقد تم تخطيط هذه المجاعة لتقف في وجه تحقيق الاستقلال الأوكراني.
وبعد مرور عَقد آخر، وخلال الحرب العالمية الثانية، قام مئات الآلاف من الأوكرانيين في شرق أوكرانيا بالالتحاق بالحرب والتضحية بحياتهم كجنود لصالح الجيش الأحمر الروسي.
لكن في غرب أوكرانيا، كان هناك عدد صغير مازال يطمح لتحقيق الاستقلال للدولة، فقاموا بالانضمام للنازية. وكان لكل من الاتحاد السوفيتي والحزب النازي، الرغبة العارمة لفرض حكمهما على أوكرانيا.
بعد انتهاء الحرب، وفي محاولة من الحكم السوفيتي لنشر الروح السوفيتية حول البلاد، تم نشر تماثيل مؤسس الشيوعية فلاديمير لنين في أرجاء الدولة، حتى وصل عدد تماثيل لينين إلى سبعة آلاف تمثال. وبخلاف إغراق أوكرانيا بتماثيل لينين، قامت الدولة السوفيتية بتطوير الدولة بعد الحرب العالمية الثانية، ولكن في الوقت ذاته، اعتَقل الحكم السوفيتي مليوني شخص؛ لأن الحكم السوفيتي لا يمثل حكمًا حرًا، ولا يعترف بحرية الصحافة.
لم يوقن الشعب أن الذي يحصل هو نوع من اضطهاد الحريات؛ لأن الحكم السوفيتي هو كل ما يعرفونه. لم تكن الحكومة السوفيتية تفصح بمعلومات عن المعتقلات، فالتصريح الوحيد الذي كانت تصرح به هو.. أن كل شيء على ما يرام، ثم تقوم بوضع المزيد من تماثيل لنين حتى أصبحت أوكرانيا أكثر دولة مغطاة بتماثيل لنين.
في عام 1991، انهار الاتحاد السوفيتي، وأصبحت كل من أوكرانيا وروسيا دولة مستقلّة. فقامت روسيا بتمثيل الرأسمالية بروح الشيوعية، في حين أن أوكرانيا واجهت اضطرابًا في إيجاد هويتها السياسية بعد استقلالها.
فانقسمت الدول إلى قسمين، قسم يميل إلى أوربا، والآخر يميل إلى روسيا. وقد ثبت أنه من الصعب على أوكرانيا أن تقطع علاقتها بروسيا، فهي تعتمد عليها في تصدير الفحم والغاز ومزاولة الكثير من التجارة، لتقاربهما في عوامل كثيرة بما فيها اللغة. ناهيك عن صلة القرابة التي تربط بين العديد من الروس والأوكرانين.
مع كل رئيس لأوكرانيا يتغير ميول الدولة، فهناك الرؤساء الذين يميلون إلى الاتحاد الأوربي، وآخرون يميلون إلى روسيا. ويمكن رؤية هذا النزاع في معالم الدولة، فمنذ سقوط الحكم السوفيتي وإعلان الاستقلال تم إزالة جميع تماثيل لنين في الجزء الغربي من الدولة، بينما أبقيت كما هي عليه في الجزء الشرقي.
كانت نقطة التحول في عام 2013 حين قام الرئيس المُحالف لروسيا فيكتور فانكوفيش بإلغاء صفقة تقوّي علاقة أوكرانيا بالاتحاد الأوربي. فكانت هذه بداية المظاهرات التي نادى فيها المتظاهرون بوضع حد للتبعية لروسيا. وهي المظاهرات التي بدأت مسيرة سقوط لنين.
في فبراير 2014، تم إزالة فيكتور فيناكوفش من الحكم. لم يؤيد فلاديمير بوتن انفصال أوكرانيا عن دولته، وقابل هذا الانفصال بحزم عسكري، فأرسل جنوده في مارس لاحتلال منطقة أوكرانية تدعى برايميا. بعد مرور عام من اتخاذ الحكومة الجديدة، قرر حكومة بيترو بوروشنكو، جعل حملة سقوط لنين من إحدى القوانين. وفي هذا القانون تم منع جميع العلامات الدالة على الحكم السوفيتي وأعطت الحكومة مهلة عام للقائمين على الدولة لإزالة جميع معالم الشيوعية.
لكن في خلال رحلة التخلص من الحكم السوفيتي الاضطهادي، أصبحت الحكومة الجديدة تواجه اتهامات بلاضطهاد.. فهي لا تسمح للأشخاص الاحتفاظ بأسماء قراهم وشوارعهم، إن كانت تحمل ما يرمز للشيوعية. وتجد الحكم الجديد يجرم كل من لا يقرّ بإجرامية الحكم الشيوعي.
عمومًا، كانت هذه التغييرات صعبة على كبار السن، أولاءك الذين عاشوا تحت حكم السوفيتية، أولاءك الذين لم يعرفوا.. ويفهموا قدر المعاناة التي عاشها البقية من أوكرانيا. فالحكم السوفيتي لم يكن يسمح للصحافة الحرة التي تظهر الصورة الكاملة. فكانوا لا يرون سوى أنّ تلك الأيام كانت رائعة، أو فقط جيّدة على أقل تقدير.
وبعض الأوكرانيين لم يعرفوا عن وجود الملايين من ضحايا ستالين إلا للتو. البعض لا يزال ينكر وجود تلك الضحايا. فعندما ترى المشهد من زاية واحدة، قد تؤمن أنّ هذه هي الحقيقة المطلقة.