محرقة صنعاء تحرق أحلام المهاجرين الإثيوبيين

يجد المهاجرين الإثيوبيين أنفسهم أمام معتركات كثيرة، الرغبة في تحقيق أدنى سبل العيش، ومخاطر الهجرة التي تواجههم، وتجاهل الحكومة الإثيوبية.

لم تكن محرقة صنعاء التي طالت مركزًا لاحتجاز اللاجئين الإثيوبيين أول مصاب يلمّ بهم. إذ تظل الهجرة غير الشرعية أحد مسببات وفاة عدد كبير من الشباب الإثيوبي في مختلف دول الجوار.

مندفعين بحلم الحصول على وظيفة، يسعى سنويًّا عددٌ غير قليل من شباب إثيوبيا إلى الهجرة عبر مختلف المنافذ في السودان واليمن وكينيا. وعبر البحار والصحاري تعترضهم مخاطر تجارة البشر والجماعات المسلحة المتواجدة في تلك المنافذ، وفي كل لحظة يتهددهم الموت.

طريق الهجرة الإثيوبية 

يظل البحر الأحمر عبر دولتي جيبوتي والصومال المنفذ الرئيس لتحقيق أحلام شباب الهضبة الإثيوبية. ومنه يقطعون الطريق نحو السعودية ودبي ولبنان وغيرها من دول المنطقة. 

وتعد الأراضي اليمنية المعبر غير الشرعيّ نحو تلك المناطق. وفيها ينال تجار البشر والأعضاء البشرية نصيبهم من أموال وأجساد الشباب من باعوا كل ما يملكون حتى يصلوا تلك المناطق دون أن يعرفوا ما ينتظرهم من مصير محتوم.

وعن طريق تجار البشر، تستقطب الحركات المسلحة والمتشددة أولاء الشباب كمقاتلين مرتزقة في صفوفها. فتغويهم بالمال إلى الانخراط في أعمال غير قانونية، مستغلةً صعوبة تحقيقهم الأحلام التي سعوا إليها. 

وهكذا، خشية خسران الطموحات التي واجهوا صعاب الهجرة لأجلها، ينخرط الكثير من الشباب الإثيوبي في تلك الجماعات المسلحة دونما معرفة بأهدافها وأيدولوجيتها. لهذا نجد الكثير من الإثيوبيين في مجموعات متشددة مثل حركة الشباب والقاعدة والحوثيين. 

في اليمن حاليًّا الكثير من المهاجرين الإثيوبيين ممن أتوا إليها منذ فترة طويلة. منهم من سنحت له الفرصة ووجد عملًا، ومنهم من يُمني نفسه بمحاولة العبور إلى منطقة أخرى. لكن العديد منهم تعرض لمواقف وتحديات مختلفة وانخرط في تنظيمات وأعمال غير شرعية جعلته عاجزًا عن الخروج إلى دولة أخرى أو العودة لأرض الوطن.

مراكز الإيواء تحت تهديد جماعات الحوثي 

يتواجد الآلاف من اللاجئين الإثيوبيين في مراكز إيواء يمنية عدة. وهذه المراكز غالبًا ما تكون مهددة من جماعات وتنظيمات مختلفة تسعى لاستقطاب الشباب الإثيوبي المهاجر، وذلك باستغلال حاجتهم للمال وطموحهم للعمل.

ثمة محاولات كثيرة لاستغلال العديد منهم من جماعة الحوثي، لكن قوبلت المحاولات برفض الشباب الإثيوبي الذي لم يهرب من الفقر حتى يخوض حربًا لا ناقة له فيها ولا جمل. فجاء الرفض بمثابة الحكم بالإعدام أو النفي. 

ثم حلّت الكارثة التي تعرض لها اللاجئون الأفارقة داخل إحدى مخيمات اللاجئين في صنعاء بعد قصفها بمواد حارقة. وحسب تقارير نشرتها منظمة هيومن رايتس ووتش فالحادث أدى لمقتل عدد كبير من اللاجئين معظمهم من إثيوبيا.

لم تمر الحادثة مرور الكرام خاصة أن مشهد جثامين القتلى توحي بأن العملية جاءت متعمدة وعلى يد مجموعة مسلحة تفتقر للرحمة والإنسانية. إذ انتشرت فيديوهات متعددة للجثامين في مختلف وسائل التواصل الاجتماعي، واستنكرتها العديد من المجتمعات مطالبةً بتحقيقات دولية.

بحسب التقارير الأولية فأعداد الإثيوبيين في المحرقة تفوق الأربعين قتيلًا. وفي الداخل الإثيوبيّ ظل الآلاف يترقبون معرفة هويات الجثامين المحروقة في مخيم اللاجئين، مع توقع الجميع بأن ضمن القتلى أحد أبنائه أو أحد أفراد عائلته.

الاستياء من بيانات الحكومة الإثيوبية 

تأخرت الحكومة الإثيوبية في نشر تقارير حول الحادث لأكثر من أسبوعين، مع تكرار تصريحها بأن التحقيقات ما تزال متواصلة لمعرفة هوية القتلى ومعرفة ذويهم.

ففي الأسبوع الأول بعد السابع من مارس، صرّح الناطق الرسمي للخارجية الإثيوبية، السفير دينا مفتي، في المؤتمر الصحفي الأسبوعي بأنه لم يتعرف على تفاصيل الحادث الذي تعرض له الإثيوبيون في اليمن، وأن العدد الحقيقي للقتلى لم يعرف بعد. كما صرّح بأن الحكومة كلفت السفارة الإثيوبية في سلطنة عمان، لقربها من اليمن، بإجراء تحقيقات مستفيضة لمعرفة حيثيات الحادثة البشعة.

مع حلول الأسبوع الثاني من الحادثة عمّت حالة استياء في إثيوبيا لعدم إعلان العدد الرسمي للقتلى، أغلبهم من الشباب، وإعلان هويتهم. أثيرت القضية داخليًّا بصورة كبيرة، لكن كالعادة ظلت الحكومة الإثيوبية غائبة عن الحدث، واكتفت بتصريحات الخارجية الإثيوبية الرسمية عبر ناطقها في مؤتمره الأسبوعي.

وبعد أسئلة من الصحفيين، جاء الرد بأن الحكومة تجري التحقيقات لمعرفة المزيد حول الحادث ولمعرفة هوية القتلى، وأن الحكومة الإثيوبية ستعمل على إعادة الجرحى والمصابين إلى بلادهم في اليوم نفسه. لكن التأكيدات أوضحت أن العائدين ممن وصلوا عبر مطار عدن اليمني كانوا فقط نحو مئة وخمسين إثيوبيًّا.

المهاجرون الإثيوبيون تحت رحمة التجنيد الحوثي

توجهت أصابع الاتهام إلى جماعة الحوثي في اليمن، والتي تقود حروب وصراعات مختلفة في المنطقة صُنّفت على إثرها ضمن الجماعات التي تمارس أنشطة غير شرعية. لكن سرعان ما تغير تصنيف تلك الجماعة، وأصبحت الآن تسعى لدعم مقاتليها بتجنيد المهاجرين واللاجئين الأجانب المتواجدين في الأراضي اليمنية وضمهم إلى صفوفها. 

أساليب التجنيد هذه تتبعها بعض الجماعات المسلحة في مختلف مناطق النزاع متى ما واجهت تحديات كبيرة. فتسعى لإجبار الأجانب على الانضمام وإدخالهم كمرتزقة، مستغلة احتياج بعضهم للمال والعمل.

وبحسب تقرير لهيومن رايتس ووتش، لقي عشرات اللاجئين الأفارقة مصرعهم حرقًا في اليمن، في السابع من مارس، إثر إطلاق قوات الأمن الحوثي مقذوفات مجهولة على مركز احتجاز للمهاجرين في صنعاء. 

وتحاول الجهات الرسمية في اليمن لعب أدوارٍ لن تعيد أيًّا من المفقودين. إذ بحسب التقارير الرسمية اليمنية، عالجت مستشفيات العاصمة حروق مئات المهاجرين الناجين، معظمهم من الإثيوبيين الذين سبق أن احتجوا على ظروفهم في المركز. ووسط الحضور الأمني الكثيف تعرقل سعي الأقارب والوكالات الإنسانية للوصول إلى الجرحى.  

التناول الإعلامي لمحرقة صنعاء

حاولت تقارير ذات أجندة بمصالح خاصة ومقربة لبعض الجهات نسب أحداث الشغب للاجئين الإثيوبيين، وأن محاولة التصدي لتحركات اللاجئين هي السبب وراء المحرقة. 

هذه التقارير محاولة لتحميل اللاجئين عواقب الاعتداء الذي تعرضوا له في المخيمات. وحال الجهات التي تقف خلف تلك التقارير لا يختلف عن حال الجهات التي تتستر على بعض العمليات الإجرامية في العالم.  Click To Tweet

أما في وسائل الإعلام العالمية، فلا تزال القضية معلقة، مع ورود بعض التقارير من المنظمات الدولية والإقليمية. لكنها لا تقدم ولا تؤخر في قضية إنسانية كهذه والتي يحتمل تكرارها في موقع آخر سواء في اليمن أو خارجه.

ففي تقارير لمنظمات إنسانية التقت مع عدد من المهاجرين الإثيوبيين، أفصح اللاجئون عن التهديدات التي تلقوها حال رفضهم الانضمام للحوثيين، وأنَّ عقابًا شديدًا سينزل بهم. وأكدت مصادر أنه طُلِب منهم تأدية صلواتهم الأخيرة قبل إلقاء المقذوف الذي أدى لحرق اللاجئين في المخيم.

كذلك رصدت المنظمات الإنسانية العديد من الحالات التي تعاني جراء التعامل القاسي على يد الحوثيين في بعض المعسكرات. وكشفت وقوع عمليات تعذيب واعتداءات على اللاجئين الذين طالبوا عدة مرات بتصحيح أوضاعهم واحتجوا على الأوضاع المأساوية التي يعيشونها في المخيمات.

حتى اليوم ما تزال الحكومة الإثيوبية على موقفها الرسمي في انتظار النتائج حتى تتحرك لاتخاذ أي موقف يحمي حياة بقية الشباب الإثيوبي الذي ما زال متواجدًا في الأراضي اليمنية. وأمام خطر التعرض لما هو أسوأ مما تعرض له إخوتهم المهاجرون، تظل التحركات الدولية والإقليمية وحتى الإثيوبية الرسمية سلحفائية الحركة تجاه الدفاع عن حقوق المهاجرين الإثيوبيين.

إثيوبياالحوثيونالهجرةاليمنالسلطة
مقالات حرة
مقالات حرة
منثمانيةثمانية