هل هناك جدوى من إنعاش المشاريع الصغيرة في الكويت؟

لتلافي هجرة من القطاع الخاص إلى القطاع العام ولرفع نمو التوظيف تحاول دولة الكويت إنعاش المشاريع الصغيرة، لكن ماهي الجدوى الاقتصادية؟

يدفع العصر الجديد الذي مهدت له التحديات الاقتصادية الجديدة في وقت وباء كورونا إلى تغيير اضطراري في ثقافة العمل ومصادر دخل المواطن الكويتي.

ولما كان المواطنون معتادين على دولة الرفاهية التي تمنح فوائد غير مقيدة تعوق تنمية القطاع الخاص والصناعات غير النفطية، مثّل هبوط أسعار النفط في الكويت عاملًا محفزًا للتحول الذي طال انتظاره إلى اقتصاد أكثر توازنًا واستدامة.

وأدى بذلك لمنع استنزاف أصول البلاد وثرواتها المتراكمة، حتى وإن استلزم الأمر صدمة لحل المسألة. لكن الاعتماد النفطي لا يمثل المشكلة الوحيدة التي تعاني منها الكويت، إذ لا يزال القطاع الخاص غير قادر على المنافسة بالمعايير العالمية والإقليمية، متكلًا بصورة أساسية على العقود الحكومية والمناقصات لكي ينمو ويكبر.

وفي الوقت نفسه، أبقى القطاع العام الموظفين الكويتيين بعيدين عن القطاع الخاص وذلك بفضل الامتيازات السخية وغياب مبدأ الثواب والعقاب ومن خلال توفير مستوى أعلى من الأمن الوظيفي وتعويضات أكبر وتوازن أفضل بين العمل والحياة.

وفي ظل النهج الريعيّ الذي تتبعه الدولة ومحدودية مجال نمو التوظيف في القطاع العام أو استحالته، تحتاج الدولة لتكريس ثقافة المشاريع الصغيرة وتنميتها. إذ تتمثل المعضلة الكويتية في احتمالية قدرة الدولة على خلق 98 ألف وظيفة جديدة كل خمس سنوات من عدمها، حسب معدل الفئات العمرية في موقع الهيئة العامة للمعلومات المدنية.

وعلى هذا الأساس، فالحكومة ملزمة بخلق 325 ألف وظيفة جديدة خلال الخمس عشرة سنة القادمة، بمعدل %2 من الزيادة الطبيعية كل خمس سنوات في أعداد الخريجين. مما يزيد جهد الحكومة في خلق فرص العمل. هذا عوضًا عن متوقع 100 ألف مقعد تقاعد شاغرٍ في الخمس عشرة سنة قادمة.

لهذا الغرض، تحتاج الحكومة إلى تنمية ومساندة المشاريع الصغيرة والمتوسطة وضمان عدم الهجرة العكسية من القطاع الخاص إلى العام، والتي ستضر الدولة بالدرجة الأولى وتضخم باب الرواتب.

ولذلك يحتاج القطاع الخاص، بما فيه مجال المشاريع الصغيرة والمتوسطة، إلى استيعاب هذا الكم من الكويتيين الذين يصل عددهم إلى 98 ألف نسمة، أي 22%؜ من القوة العاملة الكويتية الحالية المتوقع دخولها سوق العمل في السنوات الخمس المقبلة.

المشاريع الصغيرة وصندوق الشباب الأكبر في العالم

منذ نشأة الصندوق الوطني لتنمية ورعاية المشاريع الصغيرة والمتوسطة في عام 2013، لم تحقق معظم المشاريع التي موَّلها الصندوق الطفرة النوعية التي سعت لتنويع وتطوير قاعدة الإنتاج غير النفطي، وخاصة التكنولوجي منها، مقارنةً بتجارب إقليمية. كذلك فإن نسبة صغيرة وحسب من المشاريع الصغيرة والمتوسطة تحولت إلى مصادر مهمة للابتكار.

اللافت في الأمر أن أغلب المشاريع الناجحة في مجال ريادة الأعمال الصغيرة والمتوسطة جاءت من خارج رحم الصندوق الوطني. وهذا بحد ذاته عنصر مهم لفهم جوانب القصور في هذا الجهاز المهم.

عام 2017، وخلال أشغال منتدى «المشاريع الصغيرة المتعثرة: أسباب وحلول»، نوقشت إشكالية تعثر عدد من المشاريع الصغيرة والمتوسطة الممولة من الصندوق. حيث اعترف المعهد العربي للتخطيط بذلك. وتمركز الاهتمام بدراسة أسباب فشل بعض المشاريع وتقديم حلول ومقترحات لتفادي هذه المشكلة المستمرة في التفاقم.

تضرر الاقتصاد الكويتي، وخاصة القطاع العام المعتمد بشكل رئيس على إيرادات النفط، من تداعيات كورونا. في حين بلغ حجم تضرر قطاع المشاريع الصغيرة والمتوسطة نحو عشرة أضعاف المؤسسات الكبرى.

وها هي الحكومة، بعد أعوام من رفعها شعار «هدّه خله يتحدى» ورصدها ملياري دينار كويتي لتنمية المشاريع الصغيرة والمتوسطة، لا يجد منها أصحاب المشاريع من شقّوا الدرب سوى الاعتكاف والخذلان وعدم الجدية بمعالجة الوضع بتعديل التشريعات.

ويهدد تخلي الدولة اليوم عن المبادرين من أصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة بفقد فرصة حقيقية مستقبلية في إعادة رسم الواقع الاقتصادي المترهل والمبني على توزيع الثروة بدلًا من خلقها وتنميتها.

ما الذي يعنيه قانون ضمان قروض البنوك والفوضى النيابية للمشاريع الصغيرة؟

وسط كل ما ذكر من ضرورة دعم وتمكين القطاع الخاص عمومًا وتنمية واحتضان المشاريع الصغيرة على الأخصّ، قدمت الحكومة متأخرةً مشروع قانون دعم وضمان تمويل البنوك المحلية للعملاء المتضررين من تداعيات أزمة كورونا. ليشمل جميع العملاء المتضررين من الأزمة، بما فيهم أصحاب الشركات، لا أصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة فحسب.

ويعد هذا القانون خطوة ضرورية لإنقاذ لبنة أساسية في تشكيل أي اقتصاد متكامل، وهي المشاريع الصغيرة والمتوسطة. لكن ولأن الاقتصاد سلسلة مترابطة وإنقاذ أي بلد يحصل بدعم الكيان الاقتصادي الكليّ للدولة، فمن الواجب دعم كل المتضررين في هذه الأزمة بغض النظر عن أحجام رؤوس أموالهم، حتى إن كان الدعم بمميزات متفاوتة.

فلو نظرنا إلى نسبة مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي الكويتي، سنجد بأنها تبلغ 32%؜، منها 3% للمشاريع الصغيرة والمتوسطة إضافة إلى 29% شركات أخرى، وجميعهم متضررون من الأزمة. وبما أن مقترح ثلاثة مليارات دينار ليست أموال الدولة، إنما للبنوك بضمان من الدولة، تبقى الأولوية ضمان قرض متفاوت للشركة يحكمه عامل رئيس: زيادة نسبة الكويتيين في الشركة.

ينبغي لعلاقة الدعم والضمان أن تكون طردية، وأن تشغل جُل اهتمام نواب الشعب. فكلما زادت نسبة العمالة الوطنية في شركة، وجب دعمها لحماية الموظف الكويتي من التسريح والوقوف على تفشي البطالة.

فالموظف الكويتي أساس الاقتصاد وعملية الإحلال بالعناصر الوطنية التي نسمع عنها منذ سنوات لم تأخذ حيز التنفيذ الجدي بعد. فمن باب أولى الآن أن يخصص الدعم للشركة الكبيرة أو الصغيرة التي توظف عمالة وطنية بنسب عالية.

أما فيما يتعلق بمدى أحقية القطاع الخاص من الضمان الحكومي للقروض، كشف تقرير حكومي بأن إجمالي المتضررين بلغ نحو 1440 مشروع من أصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة. ولأن الاقتصاد متشعب ومتداخل، فإن من الواجب النظر إلى الحالات الأخرى التي تُشكل 29% من الناتج المحلي، تحكمها ضوابط أهمها:

● لا ينحصر المتضررون في خانة المشاريع الصغيرة والمتوسطة، بل يشمل الضرر أصحاب المهن الكويتية كمكاتب المحاماة والصيادلة وغيرهم. ويستحقون كذلك دعم وضمان الدولة.

● تقليل ضمان الدولة على الأصول. وقد تصل 0% في حال فقدان الشركة عنصر العمالة الوطنية.

● لا يمكن إدخال الشركات الوهمية والورقية في خطة الدعم، طالما أن القروض لن تسلمها البنوك للمتضررين مباشرة، بل للجهات التي تطالب المتضررين، وذلك لسداد هذه الالتزامات التشغيلية.

تحول مشروع ضمان القروض إلى كرة نار يتقاذفها النواب، بين من يشرح تفاصيل القانون ومن يقدم تعديلات ومن يطالب بسحبه من جدول الأعمال. وكلها محاولات بائسة وتأخيرات غير مبررة لدعم المستحقين الأساسيين -بالأخص أصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة- بعد تراكم الخسائر والديون عليهم جرّاء الإغلاق الإجباري للأنشطة التجارية. 

لذلك، فإنَّ هذا القانون سينعكس إيجابًا على الاقتصاد الكويتي وتستفيد منه كافة القطاعات التجارية والاستثمارية والعقارية. فكل دول العالم اتخذت إجراءات مماثلة لإنقاذ أصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة. وسيساهم القانون في حماية الاقتصاد المترهل، ويحمي أصحاب الأعمال من خطر الإفلاس.

المشاريع الصغيرة والثقافة الريعية بعدم الرعاية

حسب الدراسات الحديثة، تعود محدودية تطور أداء ونتائج المشاريع الصغيرة الممولة أو المدعومة من الصندوق الوطني إلى ضعف الترويج لثقافة المبادرة وتأثر بيئة العمل بنقص الحوكمة والفساد والمحسوبية ونقص تحديث التشريعات.

كما يدفع عدم الاكتراث بهذا العنصر الحيوي لأي ناتج محلي في الدول المتطورة لتناقص التمويل. وتعرقل كل تلك المعوقات نجاح المسار الذي تراهن عليه البلاد من أجل تنويع إيراداتها وتقليص اعتمادها على إيرادات النفط.

لذلك، تعد المشاريع الصغيرة بديلًا استراتيجيًّا في اقتصاديات جميع الدول، سواء كانت متقدمة أو نامية، لعلاج الكثير من المشكلات التي تواجه اقتصاداتها من ناحية، وتحقيق معدلات نمو اقتصادي مرتفعة من ناحية أخرى.

ورغم ادّعاء أغلب الدول اهتمامها بهذه المشاريع، نجح عددٌ قليلٌ منها فحسب في الاستفادة من الإمكانات والمزايا المحققة في تبنيها ورعايتها. والسبب في ذلك طريقة الاهتمام، حيث يذكر أمين عام اتحاد غرف دول الخليج، عبد الرحيم نقي بأن:

المنشآت الصغيرة والمتوسطة الخليجية التي تمثل أكثر من 78% من إجمالي المنشآت الخليجية لم تستفد من النمو الاقتصادي خلال الفترة الماضية، رغم كثرة المشاريع الحكومية والأهلية، بسبب احتكار الشركات العملاقة لتلك المشاريع، ما تسبب في خروج أكثر من 40% منها من السوق الخليجية.

لا تنحصر تحديات النهضة والدعم والتنمية في قطاع المشاريع الصغيرة والمتوسطة بزيادة قنوات التمويل والقروض فقط. بل تكمن أيضًا في إيمان الدولة الراسخ بنجاح المشاريع الصغرى واعتماد حلول طويلة الأمد لدعمها وتطويرها تدريجيًّا إلى نماذج مؤسسات كبرى تشاركها في صنع تنمية المستقبل، بعيدًا عن محدودية الفكر الريعي المتأصل.

فلا مسار متاح سوى إعادة النظر في أسباب فشل الإصلاح المالي في تأمين مصادر دخل دائمة تتسم بالاستقرار، والاعتراف بعدم جدوى الاستمرار في السياسات الاقتصادية الراهنة المعرقلة للتنمية.

فالإصلاح المالى في الكويت ليس المشكلة، بل تأخر الإصلاح الاقتصادي. إذ لم يعد هناك ثروة كافية للتوزيع على المواطنين مع استمرار النهج السابق. والدولة التي امتهنت توزيع الثروات لم تصل في حكوماتها المتعاقبة إلى إصلاح ماليّ ولم تبنِ اقتصادًا مستدامًا. وليس من حق هذا الجيل التصرف بأموال الأجيال القادمة حتى يحل أزمته الراهنة. 

أزمة كورونااقتصاد الخليج العربيالكويتالنفطالرأسمالية
مقالات حرة
مقالات حرة
منثمانيةثمانية