في معركة سياسات الخصوصية، من يخرج منتصرًا؟
بخوض المواقع معركة سياسات الخصوصية، ماهي حدود خصوصيتنا في الإنترنت؟ وماهو مستقبل حمايات الخصوصية؟ وكيف نؤمن على بياناتنا الخاصة؟
أثارت حوافر خيول المعركة غبارًا، وتضاربت سيوف المحاربين في مشهد تاريخي خلّده قول بشّار بن بُرد: «كأن مثار النقع فوق رؤوسنا – وأسيافنا ليل تهاوى كواكبه». أما مطلع يناير لهذا العام، فعَلا صليل السيوف الرقمية في معركة افتراضية حامية، وقت أعلنت شركة واتساب عن سياسات جديدة تتعلق بالخصوصية ومشاركة بيانات المستخدمين مع شركتها الأم فيسبوك.
شتّان بين المعركتين؛ الأولى ارتفعت فيها الأسياف والأمجاد، والثانية ارتفعت فيها أصوات مستخدمي واتساب ممن أثاروا جدلًا واسعًا محذّرين من استخدامه. وراحوا يناقشون بدائل له.
سرعان ما أجبرت أصداؤهم القوية واتساب على إصدار بيانٍ توضيحي وتأجيل تطبيق السياسات الجديدة. لكن أتتعلق المشكلة بمعركة سياسات واتساب وحدها؟ أم أنها فصلٌ من حرب أكبر؟
ماذا تعني الخصوصية؟
لطالما كانت «الخصوصية» كلمة رنّانة تكسب بها عمالقة التكنولوجيا ثقة مستخدميها. أما تعريفها الاصطلاحيّ وفق القانون الأميركي، فهو «الحق في أن تُترك وشأنك». ويعود لمقال نشر عام 1890 بمجلة «هارفارد لو ريفيو» (Harvard Law Review)، شارك في كتابته كلٌّ من صموئيل وارن ولويس دي برانديز.
تعريفاتٌ كثيرة بُنيَت على هذا المفهوم، منها الخصوصية على الإنترنت. وفي العموم لا يوجد تعريف متفق عليه عالميًا للخصوصية. لكن هذا المفهوم العام في سياق الإنترنت يتمثل بالحق في تحديد الظرف والكيفية والمدى الممكن لمشاركة البيانات الشخصية مع الآخرين.
وتمثّل خصوصية البيانات تحديًا لأن هدف الشركات الاستفادة من بيانات المستخدمين لأغراض كالتسويق، مع ضمان حماية تفاصيل خصوصيتهم وبياناتهم الشخصية. وتنص هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات السعودية على أن البيانات الشخصية تشمل الأسماء وأرقام الهويات الشخصية والعناوين وأرقام التواصل وغيرها.
سنت بعض الدول تشريعات تحمي بيانات مواطنيها ومقيميها، وتوفر إطارًا قانونيًا لكيفية الوصول لبيانات الأشخاص واستخدامها وتخزينها. كما تحدد هذه التشريعات حقوق الأشخاص فيما يخص التحكم في من يستخدم بياناتهم.
تختلف قوانين حماية البيانات اختلافًا كبيرًا من دولة إلى أخرى، أقواها النظام الأوربي العام لحماية البيانات (GDPR)، والذي وقف حاجزًا في طريق واتساب، مانعًا إياه من تطبيق سياسة الخصوصية الجديدة في أوربا. ولربما القانون نفسه ما حث تطبيق إنستقرام على حذف عددٍ من خصائصه وخدماته دون توضيح بيّن، مكتفيًا بتنبيه مبهم.
هذه الصرامة ليست بجديدة، بل جزءٌ لا يتجزأ من تاريخ الاتحاد الأوربي في مجابهة الشركات الأميركية التكنولوجية العملاقة. ففي 2016، أعربت سلطات حماية البيانات الأوربية عن «مخاوف شديدة» بشأن مشاركة بيانات مستخدمي واتساب.
كما أن رئيس مكافحة الاحتكار في الاتحاد الأوربي غرّم شركة فيسبوك حوالي 110 مليون يورو في 2017، لإدلائها بتصريحات مضللة خلال استحواذ شركة واتساب.
هل ثمّة خصوصية على الإنترنت؟
سهلٌ علينا التصديق بأنّ قوانين كهذه تخلق لنا خصوصية تامة لدى تصفحنا الإنترنت. لكن ذلك أبعد ما يكون عن الواقع، لأن بياناتنا بكل أنواعها تُجمع من أجهزتنا أينما ذهبنا.
فقبل إطلاق الإصدار الجديد من نظام تشغيل أبل iOS 14، اطّلع تطبيقا ريديت ولينكد إن -على سبيل المثال لا الحصر- على الحافظة في الآيفون مع كل ضغطة مفتاح. ناهيكم عن تطبيق تيك توك الذي يجمع بيانات هائلة من مستخدميه، كمقاطع الفيديو المشاهدة والتعليقات عليها وبيانات الموقع ونظام التشغيل المستخدَم وضغطات المفاتيح التي يظهرها المستخدم عند الكتابة.
إذن، لم هذا الهلع والاستياء إن جمعت واتساب بيانات مستخدميها بعد إشعارهم؟ وكيف تستفيد شركات تقنية ضخمة مثل فيسبوك من جمع بيانات مستخدميها؟
فيسبوك وجمع بيانات المستخدمين
إن لم تدفع مقابلًا ماديًّا لمنتجٍ ما، فأنت المنتج الذي يُباع. هذا ما يُقال وهذا ما يحصل لبياناتنا الشخصية. فثمن تصفح مواقع التواصل الاجتماعي مجانًا تسليم بياناتنا بأيدي شركات تكنولوجية عملاقة.
في هذه السوق، من خلال جمع كميات كبيرة من البيانات الشخصية، نمت فيسبوك إلى أن أصبحت من أكبر الشركات في العالم. وتستخدم هذه البيانات للربح، لا ببيع البيانات نفسها، بل ببيع حق الوصول إلى المستخدمين أو بيع الوصول إلى «آخر الأخبار» (News Feed).
كما تُستخدم هذه البيانات في عرض إعلانات محددة، يُعتقد أن المستخدم سينقر عليها. ويشكل هذا النوع من الإعلان المستهدف مصدر ربح كبير لفيسبوك، حيث أعلنت الشركة عن عائدات إعلانية بلغت أربعين مليار دولار في 2017.
تدّعي الشركة بأنها تجمع تلك البيانات لحماية مستخدميها من أنشطة مضرة كالاختراق، ولعرض ما يناسبهم من إعلانات. ولأن فيسبوك تمتلك واتساب وإنستقرام أيضًا، فيمكنها كذلك جمع البيانات من تلك التطبيقات. لكن سمعة فيسبوك في حماية بيانات مستخدميها سيئة.
فضيحة بيانات فيسبوك-كامبريدج أناليتيكا
وجّه تحقيق لجنة التجارة الفيدرالية (FTC) حول ممارسات بيانات فيسبوك ضربة صاعقة للشركة في مارس 2019. إذ فتحت اللجنة تحقيقاتها عقب ورود أنباء تفيد بأن «كامبريدج أناليتيكا» (Cambridge Analytica) -شركة استشارات سياسية اشتغلت مع حملة ترمب في عام 2016- قد حصلت على بيانات عشرات الملايين من مستخدمي فيسبوك بصورة غير سليمة.
اشتُريت البيانات من أكاديميّ استخدم التطبيق لجمع البيانات، لا من المستخدمين الموافقين فحسب، بل آخرين، وذلك بسبب سياسات الخصوصية المتراخية على فيسبوك آنذاك. وعُدّت الفضيحة التي لقّبت بـ«كامبريدج أناليتيكا» أكبر تسرب للبيانات في تاريخ فيسبوك.
ولكن تصرّف فيسبوك المريب ينعكس في تعهد الشركة أمام لجنة التجارة الفيدرالية (FTC) عام 2011 بامتناعها مشاركة البيانات مع أطراف ثالثة، دون موافقة مؤكدة من المستخدمين. ويبدو أن اللجنة وجدت بأن فيسبوك انتهكت ذلك الاتفاق.
معركة الخصوصية بين فيسبوك وأبل
لم تتوقف الشكوك حول قرارات فيسبوك عند مخالفتها للقانون، ولم ينتهِ تضاربها مع الشركات الأخرى بعد. ففي ديسمبر 2020، أثارت شركة أبل غضب فيسبوك حول خطة تمنح مستخدميها خيار الاشتراك أو عدمه في جمع البيانات، والموافقة على التتبع الذي قد ينتج إعلانات في غاية الدقة تستهدفهم. فإن علِم المستخدم أن هناك من يريد تتبعه وأن لديه خيار الرفض، لم يوافق؟
خططت أبل لتطبيق التغيير أوائل عام 2021، والمتوقع أن يؤدي إلى أرباح أقل لشركات مثل فيسبوك. وذلك لأن الإعلانات المستهدفة تُباع بسعر أعلى من الإعلانات ذات الاهتمامات العامة. وحذرت فيسبوك من أن هذا التغيير سيضر بدخل الشركات الصغيرة التي تعتمد على الإعلانات المستهدفة لكسب العملاء.
قد يبدو دفاع فيسبوك المستميت عن الشركات الناشئة خوفًا من عواقب تحكّم المستخدمين في بياناتهم وانخفاض أرباحها، ورغبةً منها في تخبئة أخطائها السابقة خلف ستار دعم تلك الشركات. لكن دعنا أيضًا لا ننخدع بأنَّ أبل مهتمة حقًّا في معركتها هذه بخصوصية مستخدميها. فالمنتصر في معركة الفئران يظل فأرًا. ولا عزاء للخصوصية هنا.
فأبل لا تعتمد في ربحها على الإعلانات، ولذا فلديها على الأرجح أهداف أخرى وراء هذا التغيير. إذ قد يدفع تصعيب تتبع المستخدمين بالتطبيقات المجانية نحو الخدمات المدفوعة، تعويضًا للأرباح المفقودة من الإعلانات المستهدفة. وهنا يكمن مصدر الربح لأبل.
حيث تأخذ الشركة ما يصل إلى 30% من المبيعات داخل متجرها، مما أثار خلافات مع مطوري تطبيقات مثل بيسكامب (Basecamp) وفورتنايت.
ولا غرابة في أن تتضارب شركتان ضخمتان كأبل وفيسبوك في معركة العمالقة لاختلافهما على «الخصوصية»، لأنهما ستجتمعان حتمًا ضد أي صغير لا يغنّي على ليلاههما. ومنعُ تطبيق «بارلر» (Parler) من متجر أبل عقب حظر الرئيس ترامب من فيسبوك دليلٌ واضحٌ على اتحاد الشركتين في قضية تخص كليهما. فالأمر كما ورد في المثل الشائع: «أنا على أخويا، وأنا وأخويا على الغريب».
هوس فيسبوك بجمع بيانات المستخدمين
استحوذت فيسبوك على واتساب في 2014 بمبلغ تسعة عشر مليار دولار. حينها سعت واتساب لأن تكون تطبيقًا مستقلًا عن الشركة الأم وواحة للخصوصية. لكن فيسبوك كعادتها خالفت ذلك، وقدمت إشعارًا لمستخدميها في 2016، توضح فيه أنها ستشارك أرقام هواتف مستخدمي الخدمة مع فيسبوك، إلى جانب بيانات أخرى كالأجهزة وأنظمة التشغيل المستخدمة.
لم يحصل أي تشارك في المعلومات بين الاثنين قبل 2016. وأتى التغيير حينذاك اختياريًا، حيث أتاحت واتساب إمكانية الانسحاب خلال مدة لا تتجاوز ثلاثين يومًا بعد الإعلان.
بعد النظر في سجل فيسبوك وهوسها بجمع بيانات المستخدمين، لا يستدعي تحديث واتساب الأخير أي استغراب. فمشاركة واتساب بيانات مستخدميها كمعلومات الحساب والرسائل المُرسلة إلى حسابات تجارية وجهات التواصل في جهاز المستخدم؛ إنّما تمثّل فرصةً لعرض إعلانات مستهدفة على فيسبوك أو إنستقرام.
ومنذ بداياتها، يظهر طمع قرارات فيسبوك السابقة جليًّا في الاستفادة من بيانات مستخدميها، ودأبها في قراراتها عدم الالتزام بقوانين حماية البيانات أو حتى الإيفاء بما وعدت به مستخدميها. فما الجديد الآن؟
أدّت مطاردة فيسبوك وراء البيانات إلى خروج بريان أكتون -أحد مؤسسي واتساب- من الشركة في 2017. تلاه في قراره المؤسس الآخر لواتساب، جان كوم، والذي غادر فيسبوك في أبريل 2018. وقبل مغادرة جان كوم بأشهر قليلة، أعلن أكتون عن تأسيس منصة جديدة «سقنال» (Signal).
دخول لاعبين جدد إلى ساحة المعركة
بعد هزيمة واتساب إثر هجرة عدد ضخم من مستخدميها إلى بدائل أخرى، عقب إعلانها السياسات الجديدة، يبدو أن «سيقنال» المنتصر في هذه المعركة.
وأدى استقبال التطبيق موجة عارمة من المسجلين الجدد لتأخيرات في عمليات التحقق من أرقام هواتف الحسابات الجديدة عبر العديد من موفري الخدمة. وقد يكمن سر هذا النزوح في تغريدة الملياردير إيلون ماسك، الذي حثّ فيها متابعيه على تحميل «سقنال».
لم يكن «سقنال» المستفيد الوحيد من هذا التغيير، إذ شهد تطبيق تيليقرام عددًا هائلًا من المسجلين أيضًا. حيث تجاوز في الأسبوع الأول من يناير خمسمائة مليون مستخدم نشط شهريًا. وانضم للتطبيق أكثر من خمسة وعشرين مليون مستخدم خلال اثنين وسبعين ساعة فقط.
يبدو من هذا النزوح الضخم أن مغادرة واتساب وتحميل أحد بدائلها قد يُنهي مشاكل خصوصية المستخدم ويحمي البيانات الشخصية، لكن الأمر ليس بتلك السهولة. فالرسائل في تيليقرام ليست مشفّرة بين الطرفين تلقائيًا كما الحال في واتساب، بل ينبغي فتح محادثة سرية لضمان تشفير الرسائل. ولا ضمان أن تيليقرام لن يُستحوذ مستقبلًا مثل واتساب. فهل من ملجأ يحمي خصوصية المستخدم في هذه المعركة؟
جمع المعلومات الشخصية: سلاح ذو حدين
جمع المعلومات الشخصية في ذاته ليس أمرًا سيئًا. فجمع المعلومات في الأبحاث الطبية وغيرها وتقديم البيانات في التعداد السكاني، أمثلة تدل على فوائد مجتمعية تتحقق بمشاركة تلك المعلومات. وجمع وزارة الصحة السعودية بيانات المستخدمين من خلال تطبيقي تباعد وتوكلنا نموذج على جمع المعلومات الهادف. إذ ساعد في حماية الآخرين من فيروس كورونا والحد من انتشاره.
ولا يمكن تجاهل الوجه الآخر من العُملة، إذ يعرّض تسرب المعلومات المستخدمين لجرائم تصيد بياناتهم. كما حصل بعد تسرّب بيانات مستخدمي أدوبي في 2013. وقد يؤدي تسربّ البيانات إلى بيعها عبر مواقع الإنترنت المظلم (Dark Web) بصورة غير قانونية أيضًا. وكان ذلك مصير 161.5 مليون مستخدم من تطبيق «دابسماش» (Dubsmash) في ديسمبر 2018.
مستقبل حماية البيانات
لم يمر الاتجاه المخيف الذي يتجه إليه عمالقة التكنولوجيا مرور الكرام. حيث أطلق مخترع الإنترنت نفسه، تيم بيرنرز لي، شركته «إنرابت» (Inrupt) لحل مشكلة تكدّس البيانات الشخصية بأيدي شركات عملاقة مثل فيسبوك. ومن خلال شركته «إنرابت»، يعد بيرنرز لي بتمكين الأشخاص من استخدام تسجيل دخول واحد لأية خدمة وتخزين بياناتهم الشخصية في «pods» أو مخازن بيانات شخصية على الإنترنت، يتحكم فيها المستخدم.
لا يزال المشروع صغير النطاق يعمل مع أول عملائه، كحكومة فلاندرز شمال بلجيكا وهيئة الخدمات الصحية الوطنية (NHS) في المملكة المتحدة. ويظل النجاح في تحقيق رؤية بيرنرز لي غير مؤكد، نظرًا لتقدّم خدمات أخرى مثل قوقل، التي أثبتت نجاحها في سهولة الاستخدام واستفادتها من كمية هائلة من البيانات الشخصية.
ليست شركة «إنرابت» المقترح الوحيد الذي جاء محاولةً لحل هذه القضية. إذ أطلق رجل الأعمال الأميركي أندرو يانق، برنامجًا جديدًا يهدف إلى الاستفادة من قانون خصوصية المستهلك في كاليفورنيا. يُسمّى البرنامج «مشروع توزيع أرباح البيانات» (The Data Dividend Project)، ويسعى إلى تأسيس حقوق معاملة البيانات كممتلكات. أي أن يانق يعترف بأحقية امتلاك المستخدم لبياناته، تمامًا مثلما يمتلك ممتلكاته الأخرى، وبذا يحق له بيعها لشركات كبرى.
الخصوصية بين فكي الربح وشحّ القوانين
هذه الفكرة ليست جديدة. حيث طبقتها فيسبوك في أحد تطبيقاتها المعروفة باسم «ستدي» (Study)، والذي استهدف مجموعة من المستخدمين حسب شروط معينة. إذ دفعت الشركة مبالغ مالية للمشتركين في تلك المجموعة، مقابل جمع معلومات أعضائها ومراقبة عادات استخدامهم. وعرضت عليهم شرحًا مفصلًا عمّا يتضمنه التطبيق قبل البدء به. لكن دفع المال للمستخدمين مقابل جمع بياناتهم لا يخلو من مخاط.
معاملة بياناتنا على أنها ممتلكات فكرة مغرية، تتيح لنا قوة التحكم حول ما نشاركه عن أنفسنا. لكن في الحقيقة، لا يمكن عدّ البيانات ممتلكات بل معلومات. وقد يؤدي عرض المعلومات الشخصية كبضاعة تُباع وتُشترى إلى حث الأشخاص على التخلي عن حقوق الخصوصية مقابل قيمة زهيدة.
تتطلب الحماية الحقيقية للبيانات ضمان احترام الخصوصية الفردية، بحيث تنصب المعلومات الشخصية نحو الاستخدامات المرغوبة، ولا تتحقق الحماية بتقليص البيانات الشخصية إلى بضاعة. فكّر بها على هذا النحو: أهم معلومة شخصية لديك اسمك، فهل ترضى لاسمك أن يُباع ويُشترى بمبلغ مادي؟
لا يظهر لنا في أفق معارك عمالقة التكنولوجيا أية نتيجة سوى تباهيها المصطنع بكلمة «الخصوصية» أمام مستخدميها. وواضحٌ أنها لا تنوي تركنا وشأننا أبدًا. وتبقى بياناتنا الضحية في هذه الحرب الضروس بين شركات لا تنظر إلى شيء سوى أرباحها وسمعتها.
لا تكمن المشكلة في جمع البيانات الشخصية تحديدًا، بل في استغلال تلك البيانات لأغراض ربحية بحتة دون شفافية أمام المستخدمين، وفي عدم التزام الشركات الضخمة بوعودها بشأن الخصوصية.
وكذلك، لا يكمن الحل في الهروب من تطبيق إلى آخر، بل في معرفة أن الخصوصية على الإنترنت شبه منعدمة أينما ولّينا وجوهنا. إذ يستحيل علينا إيقاف جمع بياناتنا ما لم يمنع القانون ذلك. ملجأنا الوحيد اتخاذ قراراتنا في العالم الرقمي بمنتهى الحذر والوعي إن أردنا فعلًا حماية بياناتنا.