كيف يرى الصينيون مستقبل العلاقات الصينية الأميركية؟
بتقدم بايدن تثار أسئلة حول العلاقات الصينية الأميركية، ونتيجة للظروف السياسية العالمية تصبح هذه العلاقة محط أنظار كلا الأطراف.
في الشهور الأخيرة قُبيل الانتخابات، وعندما بدا أن بايدن سينتصر على ترمب بناءًا على نتائج الاستطلاعات؛ تناقلت وسائل الإعلام الأميركي الكثير من التحليلات والتكهنات حول مستقبل العلاقات الصينية الأميركية وموقف إدارة بايدن من الصين.
واختلفت الرؤى بين متفائل ومتشائم. فهناك من يراه كشخص ضعيف أمام التهديد الذي تمثله بكين، وخصوصًا في بعض دوائر اليمين والمعارضة الصينية في الخارج. ومن يراه كصقر سينفذ استراتيجية أكثر فعالية من استراتيجيات ترمب لاحتواء الصين، وتحديدًا عبر التنسيق مع حلفاء الولايات المتحدة من الدول الصناعية الكبرى وضبط أوجه التعاون في الحدود المنصبة على مصالح البلدين.
ويبقى السؤال الأهم، كيف يرى الصينيون تداعيات انتخاب بايدن على مستقبل العلاقات الصينية الأميركية التي تُعدّ الآن في أسوأ وضع لها منذ التطبيع في عام 1979؟
التحفظ الصيني الرسمي والمصالح المشتركة
تميل اللغة الموظفة من الجهات الرسمية الصينية إلى التفاؤل المتحفظ فيما يتعلق بنتائج الانتخابات الأميركية. إذ تتضح الرغبة في تقليل التوترات بين الطرفين تحت إدارة بايدن المرتقبة. ولكنها مقرونة أيضًا بالتسليم لواقع استحالة عودة العلاقات إلى وضعها الأول قبل استلام ترمب الرئاسة.
وحينما سُؤل المتحدث الرسمي لوزارة الخارجية الصينية عن رأي بلاده في بايدن، أجاب بأن موقف الصين «واضح وثابت بما يتعلق بسيادتها وأمنها وتنميتها […] وهي تنادي بعلاقة أميركية صينية مبنية على الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية.»
كما شدد يولهتشنق، نائب وزير الخارجية والمرجح بأن يكون وزير الخارجية القادم على أن «العلاقات تشوبها الاختلافات ولكن تجمع الطرفين مصالح مشتركة ومساحة للتعاون.»
وقد باركت الصين «للسيد بايدن ونائبة الرئيس كاميلا هاريس» فوزهما بشكل مقتضب في الثالث عشر من شهر نوفمبر، وذلك بعد أن أقرّت مجموعة كبيرة من الدول بنتيجة الانتخابات.
المصالح الصينية وتداعيات الانتخابات الأميركية
وعلى مستوى القراءات الإعلامية والأكاديمية والمجتمعية الصينية المتوفرة، يتضح وجود اختلافات في الرؤى نحو نتيجة الانتخابات وتداعياتها على البلاد. إذ رحّب البعض بفوز بايدن، نظرًا لسياسات ترمب العدائية نحو الصين وتأجيجه لتوجه صينوفوبي في المجتمع الأميركي والدولي على مدى الأربع سنوات الأخيرة.
حيث ردّت صحيفة رنمن ريباو مثلًا، وهي أهم جريدة حكومية في الصين، على نتائج خسارة ترمب برموز تعبيرية ساخرة عبر منصتها في تويتر، التعليقات التي عادت لحذفها لاحقًا.
أما على تطبيقات «وي تشات» (WeChat) و«ويبو» (Weibo) -من أهم منصات التواصل الاجتماعي في الصين- فاحتفل الكثير من المستخدمين بخسارة ترمب، وتهكموا بردات فعله العجيبة جراء خسارته.
الملفت أنه أثناء انتخابات 2016، فضّل الكثير من الصينيين ترمب على منافسته هيلاري كلينتون التي كانت خلف استراتيجية «التمحور نحو آسيا» أثناء إدارة أوباما، والتي كانت تصبو نحو نقل الثقل العسكري والدبلوماسي الأميركي من المحيط الأطلسي والشرق الأوسط نحو المحيط الهادي وشرق آسيا.
في المقابل، عبّر البعض عن خيبتهم. إذ صرّح يان شويتونق، عميد كلية العلاقات الدولية في جامعة تسينقهوا -والذي قدم عام 2018 محاضرة في مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الاسلامية – لقناة البي بي سي تفضيله فوز ترمب بولاية ثانية «ليس لأنه سيضر مصالح الصين أقل من بايدن، ولكن لأنه بكل تأكيد سيضر الولايات المتحدة أكثر من بايدن.»
وشاركه في هذا الرأي الكثير من الصينيين الذين رأوا أن إدارة ترمب سرّعت من انهيار الهيمنة الأميركية حول العالم، ولم تنجح في كبح صعود الصين. ولكن بالمقابل، أبدت فئات عدة في العالم الصيني حزنًا حقيقيًا على خسارة الرئيس الجمهوري مثل مناصري الحركة الاحتجاجية في هونق كونق والتايوانيين والمعارضة الصينية التي تراه عدوًا شرسًا للحزب الشيوعي الصيني.
ولذلك، تردّد عديدٌ من هذه الفئات في الآونة الأخيرة سرديات التيار اليميني في أميركا في خطاب يتهم الديمقراطيين بسرقة الانتخابات، وأن بايدن مُرتهن عند بيكين، جرّاء تعاملات ابنه هنتر المشبوهة مع الشركات الصينية المملوكة للدولة.
مستقبل العلاقات الصينية الأميركية
بغضّ النظر عمّن سيأخذ بزمام البيت الأبيض، مالت أكثر التحاليل عمومًا إلى قراءة تشاؤمية حول مستقبل العلاقات الصينية الأميركية.
إذ شدد مدير معهد الدراسات الاستراتيجية في جامعة الدفاع الوطنية، يانق إيي، على أن الاختلافات بين الطرفين حول التجارة والتكنولوجيا وسياسات الأمن الإقليمي والوضع الصيني الداخلي وتداعيات تسييس الجائحة لن تحل؛ بل وتوقع أن «التضادات الهيكلية بين أميركا والصين ستزداد» في عالم ما بعد الجائحة.
كما وصفت مقالة منشورة على صحيفة هوانتشيو شرباو، ترمب بالمقاتل الثمل، وأن بايدن سيكون بمثابة خصم أصعب وأكثر حنكة، خصوصًا أنه سيتعاون بشكل مكثف مع حلفاء الولايات المتحدة في آسيا لتطويق الصين وحدّ نفوذها المتنامي هناك.
لذا شددت المقالة على أن «فكرة العودة إلى حميمية الماضي [بالنسبة للعلاقات الأميركية الصينية] محضُ خيال»، فبايدن سينتهج استراتيجية عدائية أكثر فاعلية نحو الصين.
وفي خطبة ألقاها وانق شيانجسوي، مدير معهد المشاكل الاستراتيجية في جامعة بكين للملاحة الجوية والفضائية، في مؤتمر نظمه معهد موقانشان (المقرب أيديولوجيًا من توجهات الحكومة المركزية والذي تموله مجموعة «سيتيك»)، اختزل فيها مسألة تدهور العلاقات في كون الولايات المتحدة تسعى لحماية هيمنتها الدولية من جهة؛ وأن التوجه «المكارثي» داخليًا سيجبر الحزب المنتصر على مواجهة الصين وحماية الإمبراطورية من جهة أخرى.
وفي نفس المؤتمر، طرح مدير معهد مونقشان، كونج دان، سؤالًا مباشرًا عن طبيعة هذا الصراع: «هل يريدون مالنا أم قتلنا؟ فإذا ما كانوا يريدون مالنا، هي إذن مسألة تنموية، وإذا ما كانوا يريدون قتلنا فهي مسألة أمنية.»
الصين والإرث السياسي الأميركي
كما رأى البعض في الانتخابات وانتصار بايدن فرصة لتخفيف التوترات وإدارة الاختلافات بين الطرفين. حيث يرى جن تسانرونق، عميد قسم الدراسات الدولية في جامعة الشعب ببكين، أن بايدن قد يلعب دور «الحاجز» في العلاقات الذي سيبطئ من وتيرة التدهور المحتوم.
وشاركه في هذا الرأي بعض الخبراء الآخرين من قبيل شن تشيانق، نائب مدير مركز الدراسات الأميركية في جامعة فودان بشنغهاي، الذي توقع أن الإدارة الجديدة قد تتعاون مع الصين في مكافحة الجائحة والتغير المناخي، وتعيد بناء بعض «الثقة الاستراتيجية» بين البلدين. مع ذلك، شدّد الخبيران معًا على حتمية استمرار إرث سياسة ترمب؛ وأن فك الارتباط في المجالات التكنولوجية أمر مفروغٌ منه. وحذّر كلاهما النخب الصينية من التوهم في تناول طبيعة الإدارة الديمقراطية القادمة، وضرورة التركيز على بناء قدرة الصين في الاعتماد الذاتي اقتصاديًا وتكنولوجيًا.
قد تبدو هذه القراءة عن مستقبل العلاقات الصينية الأميركية تشاؤمية إلى حد كبير، ولكنها لا تخلو من الواقعية. إذ أن تنوع التوترات وفقدان الثقة بين الطرفين نابعٌ عن عوامل هيكلية وديناميكيات خاصة بكلا البلدين. ولذلك لا يمكن فهم التدهور الحاصل كظاهرة مؤقتة ومقرونة بترمب.
بل لو أن هيلاري انتصرت في 2016، لرأينا مشاحنات بين بكين وواشنطن، وكان الصراع بينهما ليتجلّى بشكلٍ مغايرٍ عما رأيناه في الأربع سنوات الأخيرة. وقد تختلف بعض التفاصيل مع بايدن عن نظيره ترمب، ولكن الصراع الصيني الأميركي سيبقى معنا لعقود، وهو أمرٌ يستوعبه الحزب الشيوعي الحاكم في الصين، ويقرّه.