ما قبل الريال
نستعرض في أولى حلقات السلسلة المالية من «أشياء غيرتنا» تاريخ النظام المالي في السعودية، ومجهودات الملك عبدالعزيز لتأمين البلد اقتصاديًا.
نستعرض في أولى حلقات السلسلة المالية من «أشياء غيرتنا» تاريخ النظام المالي في السعودية، ومجهودات الملك عبدالعزيز لتأمين البلد اقتصاديًا.
جاري التحميل
اعتدنا على ربط ثراء السعودية وازدهار اقتصادها باكتشاف النفط في الثلاثينيات. لكن يختصر هذا الربط البسيط الكثير من المجهودات التنظيمية، ويهمّش حقيقة وجود نظام مالي سعودي قبل ذلك.
من هنا نستعرض في أولى حلقات السلسلة المالية من «أشياء غيرتنا» تاريخ النظام المالي في المملكة العربية السعودية ما قبل الريال، والمجهودات التي بذلها الملك عبدالعزيز لتأمين مستقبل البلد اقتصاديًا.
نتعرف على تاريخ المؤسسات المالية بدايةً بمديرية المالية في عشرينيات القرن الماضي، لتصبح وزارة رسمية بعد توحيد البلاد وتحت إدارة الوزير السعودي الأول عبدالله بن سليمان. كما نتعرف على دوره المفصلي في التفاوض على منح امتياز التنقيب عن البترول إلى شركة سوكال الأميركية، الشركة المالكة سابقًا لأرامكو.
بعدها ننتقل من حادثة اكتشاف النفط وقصة البئر رقم سبعة -أو بئر الخير- في الدمام، إلى المفاوضات حول حقوق التنقيب التي ظفرت بها شركة سوكال الأميركية بعد توقيع ممثلها لويد هاملتون الاتفاقية مع عبدالله بن سليمان. والأثر الهائل لكل ذلك على تعافي اقتصاد السعودية بعد تأثره بالركود الاقتصادي العالمي.
كما نستعرض الصعوبات الاقتصادية التي واجهتها السعودية، على رأسها الأزمة المالية عام 1956 بعد حرب العدوان الثلاثي على مصر. وكيف استدركتها الحكومة باستلام ولي العهد الملك فيصل ملف البلاد الاقتصادي بأمر من الملك سعود.
ثم نمر على سنوات «الطفرة في السبعينيات» وما تلاها من الأزمات كحرب إيران والعراق وأزمة الخليج، وكيف نجح الاقتصاد السعودي في تجاوز تلك الأزمات وصولًا إلى عهد الملك سلمان وانطلاق مشاريع رؤية 2030.
الحلقة الأولى من السلسلة المالية من أشياء غيرتنا، بوسعك الاستماع للحلقة من خلال منصات البودكاست على الهاتف المحمول. نرشّح الاستماع للبودكاست عبر تطبيق Apple Podcasts على الآيفون iPhone، وتطبيق Google Podcasts على الأندرويد.
ويهمنا معرفة رأيك عن الحلقات، وتقييمك للبودكاست على Apple Podcast. كما بوسعك مراسلتنا على: [email protected]
يمكنك أن تختار ما يناسبك من النشرات، لتصلك مباشرة على بريدك.
نشرات ثمانية البريدية
اختر نشرة واحدة على الأقل
الرجاء تدوين الاسم الأول
الرجاء تدوين بريدك الإلكتروني المفضّل
وصلتك الآن رسالتنا الأولى على بريدك الإلكتروني.
إذا لم تجدها ابحث في رسائل السبام وتأكد من اتباع الخطوات التالية في حسابك على خدمة بريد «Gmail» حتى تُحررها من التراكم في فيض الرسائل المزعجة.
مازن العتيبي خلال الأربعين حلقة الي نشرناها سابقًا كان فيه موضوع دايم نكرره، الطفرة.
وهي الفترة في السبعينات اللي ارتفع فيها دخل الدولة من النفط ومعها ارتفع دخل الأسر السعودية، وبكذا تغيرت كثير من مظاهر الحياة الاجتماعية عندنا، زي السيارات والبيوت والسياحة. بس تكرار طاري الطفرة خلانا نفكّر بالقصة المتعارف عليها يوم نتكلم عن السعوديين والفلوس، القصة الي تقول أن السعودية والجزيرة العربية بشكل عام كانت منطقة ما فيها موارد وما فيها فلوس، بعدين تم اكتشاف النفط، فصار فيها موارد وصار فيها فلوس.
وهذي القصة ما هي كذب، فعلًا جزء ضخم من السعوديين قبل تأسيس الدولة كانوا يعيشون حياة فيها خطر الفقر والجوع بسبب توقف الأمطار أو الآفات الزراعية والحيوانية، ولا يزال فيه أشخاص أحياء اليوم يذكرون نهاية ذيك الأيام. بس بنفس الوقت القصة تختصر شيء كثير، وفيها عدم إنصاف لمجهودات أشخاص كثر. كون المنطقة ما كانت غنيّة ما يعني أنه ما كان فيه نظام مالي، أو ما كان فيه علاقة مجتمعية مع المال. هذا هو موضوع سلسلتنا الجديدة…
يا هلا، أنا مازن العتيبي وهذي السلسلة المالية من بودكاست أشياء غيرتنا من إذاعة ثمانية. خلال الحلقات الجاية بنستعرض شيء بسيط من الجوانب المجتمعية للنظام المالي في السعودية. بنتكلم عن العملات اللي كانوا يستخدمونها السعوديين قبل الريال وكيف هالعملات تعكس تاريخ المنطقة، بنتكلم عن ليش الراتب يسمى مربوط في بعض الأماكن، وبنتكلم عن مفهوم الاستثمار، من المزارع للأراضي للأسهم. بس في هالحلقة الأولى التعريفية بنتجاهل الجانب الاجتماعي شوي وبنتكلم عن الأحداث التاريخية اللي كوّنت النظام المالي، وخل نبدأ من 1902، سنة دخول الملك عبدالعزيز الله يرحمه للرياض.
منصور العساف المالية كانت تقليدية جدًا، طيلة يعني من عام 1901 تقريبًا، إلى زيد عشرين سنة أو أكثر زيد ثلاث وعشرين سنة كانت إدارة الأموال إدارة تقليدية مثل أي أمارة قديمة. لكنه بعد دخول الملك عبدالعزيز إلى الحجاز ومكة المكرمة ومن ثم جدة بعدها بسنة، بدأ تشكل آخر. كانت الأمارات مستقلة، كل أمارة بميزانيتها وماليتها، ويديرها حاكم معين من الملك عبدالعزيز، وفيها جزء كبير يحال للإدارة المركزية، والحقيقة في تلك الفترة ما عندك المالية المنظمة والمقعدة بقواعد ثابتة. لكن مع دخول الحجاز والمنطقة الغربية كاملة، بدأ التنظيم الإداري أكثر فكان في مكة ثم في جدة، وأنشئت أول مديرية لإدارة الشؤون المالية. بدأت كمديرية.
مازن العتيبي وهذه المديرية كانت مسؤولة عن عدة مهام.
منصور العساف بيت المال، مصروفات الدولة، إيرادات الدولة، خزينات المال. بعدين تطورت وصارت تشرف على أعمال البلد والبنى التحتية والمشاريع وتشرف على العقود وتفاوض، كل هذه كانت من أعمالها. كذلك إعداد الميزانية والموازنة وإلى آخره.
مازن العتيبي كل هذه المهام كان متوقع من المديرية أنها تديرها باستخدام مصادر دخل الدولة، والي كانت محدودة وقتها.
منصور العساف أكثر موردين هو الحج والعمرة، والجمارك. هذي كانوا أكبر موردين للبلد، استمرت فترة إلى أن ظهر النفط.
مازن العتيبي ومهمة استخدام هالمصادر المحدودة كانت على عاتق الشخص الي كانوا يسمونه وزير قبل ما يكون فيه وزارات، وهو الوزير عبدالله بن سليمان الله يرحمه. التسمية هذي جات باعتباره الوزير الخاص للملك عبدالعزيز عبدالله بن سليمان كان مدير المديرية من تأسيسها، واستمر بإدارتها لما تحولت لوكالة، وكذلك لما تحوّلت لوزارة في سنة توحيد المملكة، وبكذا صار أول وزير سعودي رسميًا. بس خل نرجع ورا شوي، للسنوات الأولى، المديرية تأسست في نهاية سنة خمس وعشرين بداية سنة ست وعشرين ميلادي، قبل انهيار سوق الأسهم الأميركي بكم سنة، الانهيار الي تسبب بركود اقتصادي عالمي.
هذا الركود صعّب المهمة الصعبة من الأساس، خصوصًا أنه استمر إلى ولادة الدولة.
منصور العساف في الفترة هذه الملك عبدالعزيز حب ينوع في المشاريع، وبحث في كل مكان، بتقول الموانئ، النخيل في بعض المناطق مثل الأحساء. بدأ في مشروع الخرج الزراعي، وكان حقيقة مشروع ضخم جدًا، وصرفت عليه البلد، الملك عبدالعزيز جاب خبراء أميركان، واشتغلوا فيه، وحتى الأرض خصبة والمياه متوفرة، وبدأ المشروع واشتروا المكائن، المكائن لا زالت موجودة إلى الآن. وشقوا الساقي والمشتل لو تعرف، عمل جبار. وقام بإشراف تام من الوزير عبدالله بن سليمان. والحقيقة لا زالت صوره ووثائقه، عمل جدًا ضخم. لكن وش اللي نوعًا قزم الموضوع شوي، هو ظهور النفط.
مازن العتيبي ظهور النفط. وجود هالمشاريع والمجهودات المختلفة المبذولة دليل على أن ظهور النفط ما كان شيء مؤكد بالنسبة للدولة. من دخول الحجاز في بداية العشرينات الملك عبدالعزيز كان واعي بظهور النفط في إيران والعراق، بس محاولات التنقيب عنه في السعودية كانت غير ناجحة، وبالتالي شركات النفط ما كانت مهتمة كثير بالحصول على حقوق التنقيب في السعودية. هالشيء استمر إلى قبل توحيد المملكة بأربع شهور، لما تم اكتشاف النفط في البحرين، وصارت المنطقة الشرقية في السعودية الخيار المنطقي التالي، بعدها بست سنوات تم اكتشاف النفط في البير رقم سبعة في الدمام.
بس قصة هذا الاكتشاف، والأثر الضخم اللي تركه عالسعودية، أعمق من المتعارف عليه، لكن بعد الفاصل.
قبل الفاصل كنا نتكلم عن اكتشاف النفط في سنة 1938، وكيف أن هالحدث يجي طاريه دايم باعتباره سبب استقرار وازدهار الاقتصاد السعودي. ومثل ما ذكرت في البداية، النفط فعلًا رافد اقتصادي مهم ومفصلي بالنسبة لدول الخليج، بس فيه دول كثير في العالم تم اكتشاف النفط فيها قبل السعودية بعقود، مثل إيران وفنزويلا والعراق، وهذي الدول ما تعتبر دول غنيّة. السبب هو أنه بقدر أهميّة النفط وأهمية وجوده، الشركة الي راح تنقّب عنه كذلك مهمة، وشروط هذا التنقيب وعوائده مهمة.
في 1932، بعد اكتشاف النفط في البحرين، زاد الاهتمام بحقوق التنقيب في السعودية، هالاهتمام كان من الشركات اللي كان لها تاريخ طويل في المنطقة، واللي هي بريطانية في المقام الأول، وكذلك كان فيه اهتمام من شركة جديدة على المنطقة، الشركة اللي اكتشفت النفط في البحرين، سوكال الأميركية.
في فبراير 1933 نزل في ميناء جدة المحامي الممثل لسوكال، لويد هاملتون. بعد وصوله بأربعة أيام، جاء الوزير عبدالله بن سليمان من مكة. ومن أول يوم، بدأت المفاوضات حول حقوق التنقيب في السعودية. بعد شهر من المفاوضات بين الحكومة السعودية والشركة الأميركية، وصل ستيفن لونگريگ لجدة، كممثل لشركة البترول العراقية، واللي هي في الواقع شركة بريطانية، وانضم للمفاوضات.
الكاتب الأميركي والاس ستيگنر في سرده للأحداث وصف المفاوضين السعوديين بأنهم ”صارمين، أذكياء، صبورين، عنيدين، وحذرين“ هالوصف أثبت صحته لأنه بعد انضمام الشركة البريطانية، استمرت المفاوضات شهرين ونص زيادة، تحركت فيها العروض باتجاهات متعددة، واختلفوا المتفاوضين على مبالغ الدفعات وطرق تسليمها وتواريخها، وفازت بالحقوق أخيرًا شركة سوكال الأميركية، اللي بدورها أسست شركة جديدة تتولى التنقيب اسمها كاسوك، واللي بيتغير اسمها بعد كم سنة إلى أرامكو.
لو تبحث في صور قوقل عن عبدالله بن سليمان، من أوائل الصور الي راح تطلع لك هي صورة توقيع الاتفاقية. يساره بتشوف لويد هاملتون، راكد ومبتسم للكاميرا، بينما عبدالله بن سليمان يلتفت يمّ المصور بنص وجهه، وفي الصورة شوي تغبيش.. وكأنه كان يحرك راسه. هالصورة تم التقاطها في تسع وعشرين مايو 1933، وبعدها بشهر ونصف، في أربعة عشر يوليو، صدر المرسوم رقم 1135 اللي يعلن هذه الاتفاقية، ونشرت في جريدة الدولة الرسمية. وبعدها بخمس سنوات تدفق النفط من البير رقم سبعة في الدمام، البير اللي سموه بير الخير. سنوات الركود الاقتصادي، والشهور الي سبقت توقيع الاتفاقية، كانت فترة زمنية صعبة على الدولة. بس حتى بعد اكتشاف النفط وتصديره، كان النظام المالي للدولة دائمًا بحاجة صيانة وإدارة.
منصور العساف الملك سعود أنشأ أول مجلس وزراء، ولما أنشأه كان فيه مدخولات للنفط طبعًا وزادت. وتعرف برضه في عهد الملك عبدالعزيز اشتغل على خطوط التابلاين، إيصال النفط إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط. وزادت حصة المملكة مع زيادة اكتشافات آبار جديدة. وتعافت الدولة اقتصاديًا وبدأت تضخ على مؤسسات عديدة اللي هي الوزارات، أصبحت كل قطاع مسؤول عن مهام، وبدينا الحركة المدنية. إذا عهد الملك عبدالعزيز هو عهد توحيد البلاد، فآخر عهد الملك عبدالعزيز أول عهد الملك سعود هو عهد إنشاء التنظيم الإداري للبلد، والمجتمع المدني إن صحت العبارة. فبدأت تبنى المدن والاسكانات والمشاريع والمصانع والمدارس وتوسعت الدولة فيها، لكنها ما لبثت أن واجهت صعوبة أخرى في أزمة مالية في عام ست وخمسين، بعد حرب العدوان الثلاثي على مصر…
وتقريبًا أضرت بالاقتصاد السعودي، لكن بفضل الله استدركتها الحكومة وبدأت حملات تقشف نوعًا ما، واستلم الملف كامل الاقتصادي ولي العهد الملك فيصل بأمر من الملك سعود، فتعافى الوضع بعد سنتين تقريبًا وبشكل جيد وتجاوزنا الأزمة هذه. وبدأ الستينات اللي كان عهد استقرار، ولو أن الوضع السياسي حولنا كان شبه مضطرب، لكن اقتصاديًا كان فيه استقرار ولله الحمد. إلى أن جاء عصر الطفرة في السبعينات، أسبابها بدأت في بداية السبعينات، لكن هي بان أثرها من خمس وتسعين هجري خمس وسبعين ميلادي، إلى 1405 هجري 1985 ميلادي، تنعم المجتمع بأيام الطفرة.
هذه المراحل إلى أن جاء عهد الملك فهد في ست وثمانين وعاد الركود مرة أخرى إلى ما بعد الأزمة في 1412، ثم تعافت مبيعات النفط، مرت المملكة طبعًا بحرب إقليمية بين جيران إيران والعراق، وكانت مكلفة، كذلك كانت مكلفة أزمة حرب الخليج لاحقًا. لكن بفضل الله تخطيناها بالكامل، وجاء جيل التسعينات، اللي تحسن فيه الوضع، لكنه في آخر التسعينات حدثت الأزمة الاقتصادية في شرق آسيا، واللي أثرت على أشياء كثيرة منها أسعار نفط، لكن ولله الحمد تجاوزناها وما أثرت علينا كثير، ثم مر العقد الأول من الألفية، إلى نهاية العقد جات الطفرة الثانية في عهد الملك عبدالله، والطفرة الثانية ما طولت كثير، بعدها جاء عهد الملك سلمان وبدأنا بحزمة الرؤية ومشاريع الرؤية.
مازن العتيبي شكرًا لمصرف الراجحي على رعاية هذه الحلقة، الي كانت من بحث وإعداد الرائع منصور العساف. أنتجها وحررها أنا، مازن العتيبي. ساهم في بحثها وإعدادها غيداء جمعان، هندسها صوتيًا محمد الحسن، وأشرف على إنتاجها سحر سليمان، أيمن الحمّادي، والصارم، الذكي، الصبور، العنيد، والحذر، ثمود بن محفوظ.