الحرب على التبغ
لا يخفى على أكثر المدخّنين شراهةً خطر التدخين بجميع أشكاله على صحّتهم. لكنّ الأمر لم يكن كذلك سابقًا، ففي بداية القرن الماضي، وتحديدًا في الولايات المتحدة، لم يكن من المعروف أن التدخين قد يضر بصحّة الإنسان، بل إنّ تدخين السجائر كان يعدّ رمزًا للثقافة والتطوّر، وهذه هي الفكرة التي استطاعت شركات صناعة التبغ ترسيخها في أذهان المواطنين الأميركان، كان الهدف تحسين صورة هذه العادة السيئة في أعينهم.
لا يخفى على أكثر المدخّنين شراهةً خطر التدخين بجميع أشكاله على صحّتهم. لكنّ الأمر لم يكن كذلك سابقًا، ففي بداية القرن الماضي، وتحديدًا في الولايات المتحدة، لم يكن من المعروف أن التدخين قد يضر بصحّة الإنسان، بل إنّ تدخين السجائر كان يعدّ رمزًا للثقافة والتطوّر، وهذه هي الفكرة التي استطاعت شركات صناعة التبغ ترسيخها في أذهان المواطنين الأميركان، كان الهدف تحسين صورة هذه العادة السيئة في أعينهم.
وقد اعتادت شركات التبغ استخدام هذا الأسلوب في التسويق لمنتجاتها، فلم يكن الهدف من إعلاناتها يقتصر على الترويج لمنتجٍ أو التغلّب على المنافسين فقط، بل كانت تهدف أوّلًا لتضليل الناس وإقناعهم بمفاهيم تصب في مصلحة تجارتهم.
مع بداية تناقل الناس لشائعات خطر التبغ على الإنسان، ظهر الأطباء في إعلانات جميع شركات التبغ. كانت هذه الإعلانات تظهر الأطباء في مشاهد تتجلّى فيها إنسانية هذه المهنة، ليكون تأثيرها أقوى على الإنسان. كطبيبٍ يساعد سيدةً عجوزًا، واخر يداوي طفلةً جميلةً. ثم يضاف على المشهد تفصيلٌ صغيرٌ، كسيجارةٍ في يده أو علبة سجائر على الطاولة. ومن ثم تأتي العبارة الضخمة: الأطباء يفضلون سجائر هذه الشركة. أو خيار الأطباء هو الخيار الأمثل للأميركيين.
نجحت هذه الإعلانات بتحقيق الهدف المراد منها، وأكمل النّاس تدخين سجائرهم باطمئنان، فكيف يعقل أن يكون التدخين مضرًّا وهم يرون الأطباء يدخّنون؟
في منتصف الخمسينات، انتقلت مخاطر التبغ من مجرد نظرياتٍ إلى حقائق، فلم يتمكّنوا من الاستمرار في إخفاء هذه المعلومات. وعندما كان الخبر الذي يؤكّد الخطورة الصحية للتدخين سينشر في أي لحظةٍ. وهم على وشك فقدان كلّ شيء. بادرت إحدى شركات التبغ الكبرى، بإنتاج أغنيةٍ لنجمةٍ شهيرةٍ في ذلك الوقت، تتحدّث عن السعادة والّلذة الناتجة عن الاسترخاء والتّدخين. فبدلًا من أن تكذّب الخبر أو تتصدّى له، ذكّرت الناس بكلّ ثقةٍ بالأسباب التي جعلتهم يعشقون التدخين. وأصبح هذا الأسلوب المتّبع من كلّ الشركات بعدها.
عملت كلّ شركةٍ على ربط منتجها بالصور والمشاعر التي تعتقد أنّ الناس سيفضلونها من أجلها. فوصفت بعض الشركات مدخّني منتجها بالشجاعة والرجولة والقوّة. وقامت شركاتٌ أخرى بربط منتجاتها بصورة المرأة العصرية الأنيقة المستقلّة. وكانت الرسالة: كلّ ما تحتاجه لتكون جزءًا من هذه الصور، هو تدخين المزيد من السجائر.
كانت دائمًا تجد طرقًا للاحتيال على الناس والتلاعب بهم
وحتّى بعد تغير تعامل الحكومات مع شركات التبغ وازدياد القيود عليها، ومنعها حتّى من صناعة الإعلانات. كانت دائمًا تجد طرقًا للاحتيال على الناس والتلاعب بهم. اليوم لازالت هذه الشركات تستخدم حيلةً قديمةً، يبدو أنّها تنطلي على الجميع. وهي إنتاج نوعٍ اخر من السجائر يفترض أن يكون ذا تأثيرٍ أخفّ، وبالتالي أقلّ ضررًا.
إلّا أنّ الإحصائيات تشير إلى أنّ نسبة إصابة مدخّني هذه السجائر بسرطان الرئة تعادل نسبة إصابة الذين يدخّنون السجائر العادية. بل إنّ كثيرًا من المدخّنين عندما يبدّلون سجائرهم لهذه الأنواع، ينتابهم التأثير الذي تروّج له الشركات، ويشعرون أنّهم بحاجةٍ للمزيد وبالتّالي يزيد استهلاكهم.
وهذا أحد أهم الأسباب التي دعت الحكومة الأسترالية لتطبيق قانونٍ رقابيٍّ جديد، ينصّ على إلزام جميع الشركات باستخدام عبوّةٍ موحّدة الشكل للسجائر، تكتب عليها التحذيرات الصحّية واسم الشركة فقط، بخطٍّ ولونٍ محدّدين من قبل الحكومة، لإلغاء استخدام المصطلحات التي تجعل نوعًا من السجائر يبدو أكثر أمانًا من الآخر.
صور عالية الجودة للأورام داخل الحنجرة
ولا مزيد من الألوان ولا الشعارات ولا حتّى إظهار العلامات التجارية. واستبدلوها بصورٍ توضح الضرر الذي يمكن أن يحدثه التدخين، وهنا لا أتكلّم عن صورةٍ تخيليةٍ لرئةٍ سوداء، بل عن صورٍ عالية الجودة للأورام داخل الحنجرة، أو لأعضاء جسمٍ متلفةٍ بسبب التدخين. فأصبحت جميع العبوّات قبيحة الشكل، لا يودّ الإنسان أن ينظر إليها فضلًا عن شرائها. وذلك بهدف الحدّ من جاذبية السجائر، بعد أن يضطر المدخّن للنظر إلى الصورة البشعة في كلّ مرةٍ يريد التدخين فيها.
وبالتزامن مع صدور هذا القانون، أطلقت الحكومة الأسترالية مجموعةً من المبادرات الحكومية لمكافحة التدخين. فأنتجت إعلاناتٍ مرئيةً ومسموعةً، تهدف إلى رفع الوعي، وتوفير الدّعم المعنوي لمساعدة المدخّنين على الإقلاع. وعلى الرغم من عدم وجود إحصائياتٍ رسميةٍ توضح التأثير الحقيقي لهذه المبادرات، إلّا أنّ ازدياد المشاعر السلبية تجاه التدخين يبدو واضحًا في المجتمع الأسترالي، كما أنّ نظرة المراهقين للسجائر قد بدأت بالتغير. وهذا يبشّر بإمكانية تحقّق مزاعم المسؤولين بأنّ نتائج هذه المبادرات ستتضح على المدى البعيد، وسيتغير مستقبل أستراليا عندما يصبح التدخين من الماضي.
أدركت أستراليا أنّ مكافحة التدخين برفع الضرائب على السجائر فقط، ليس حلًا كافيًا. وأنّ عليها إذا كانت تريد فعلًا أن يتخلّص مواطنوها منه، أن تبدأ من جذور المشكلة فتضع حدًّا للتلاعب، وتحارب الأفكار التي لطالما زرعت في عقول النّاس.