في المشاعر خطر، وفي الخطر متعة

المشاعر لا تنشأ بسبب المواقف التي نتعرض لها، بل بسبب أنّنا لم نتوقّعها، وحين لا نتوقّع شعورًا، يتمكّن منّا، فنتّخذ قرارات خاطئةً تحت تأثير مشاعر كالغضب و...

اشترك في نشراتنا البريدية

يمكنك أن تختار ما يناسبك من النشرات، لتصلك مباشرة على بريدك.

أهلًا بك صديقًا لنا،

وصلتك الآن رسالتنا الأولى على بريدك الإلكتروني.

إذا لم تجدها ابحث في رسائل السبام وتأكد من اتباع الخطوات التالية في حسابك على خدمة بريد «Gmail» حتى تُحررها من التراكم في فيض الرسائل المزعجة.

* تعبّر النشرات البريدية عن آراء كتّابها، ولا تمثل رأي ثمانية.
9 يناير، 2018

عاد توماس أديسون ذات يوم إلى منزله من العمل، وبعد العشاء دقّ بابه رجل على عجلة من أمره، لينبئ أديسون بالخبر الشنيع، فقد نشب حريق في مركز صناعته وبحثه، بعد وصول أديسون إلى مكان الحادثة توجّه إلى ابنه بهدوء وقال له: “اذهب إلى أمك واطلب منها ومن جميع صديقاتها المجيء إلى هنا، لن تتسنّى لهنّ رؤية حريق كهذا مجدّدًا!”، حين صدم ابنه بطلبه هدّأه أديسون قائلًا: “لا تقلق، لقد تخلّصنا للتوّ من نفايات كثيرة”.

لقد خسر أديسون في ذلك اليوم ما هو أكثر بكثير من مجرد نفايات، كلّفه الحريق سنوات من العمل والجهد المتواصل، لكنّ أديسون لم يبد متأثّرًا بما حصل، ذلك أنّ أديسون ببساطة يتّبع مذهبًا فلسفيًّا في الحياة يدعى بالفلسفة الرواقية.

المشاعر الرواقية

المذاهب الفلسفية تعنى بجمع اراء عديدة في مجالات متنوّعة ذات رؤية موحّدة، والمذهب الرواقي يثير الاهتمام في جانب تعامله مع المشاعر، ببساطة يرى الرواقيون أنّ المشاعر لا تنشأ بسبب المواقف التي نتعرض لها، بل بسبب أنّنا لم نتوقّعها، وحين لا نتوقّع شعورًا، يتمكّن منّا، فنتّخذ قرارات خاطئةً تحت تأثير مشاعر كالغضب والحزن والحب.

تخيل أنّك حادثت مالك بيت طالبًا إيجاره مقابل 1000 دولار شهريًّا، فوافق بشرط أنّ من المحتمل وغير المؤكّد أن يزيد الإيجار بعد سنة 100 دولار ووافقت على شرطه، وبالفعل، هاتفك بعد سنة قائلًا بأنّه سيرفع الإيجار كما اتّفقتما، فلن تشعر غالبًا بالامتعاض مما حدث.

تخيل إذًا أنّك استأجرت نفس البيت بنفس الإيجار، ولكنّ المالك لم يخبرك بأي شرط مشابه، وبعد سنة اتّصل وأخبرك بأنّه سيرفع الإيجار، لا شكّ هنا في أنّك ستشعر بغضب شديد مما حدث، والغريب هنا هو أنّ أحوالك المالية لم تختلف في المثالين، ولكنّ مشاعرك انقلبت تمامًا.

السبب حسب الفلسفة الرواقية يكمن في أنّك لم تتوقّع أنّ مالك البيت سيزيد الإيجار فغضبت، بينما ستتقن التّعامل مع الموقف لو أنّك علمت بأنّ صاحب المنزل بشري يصيبه الطّمع أحيانا مما يوجب عليك الحرص على مالك والاستعداد لهكذا موقف.

أأنتِ غبية لدرجة الوقوع في الحب؟

إنّ مثال المنزل المستأجر يساعدنا على فهم ما نحتاج إلى توقّعه، حين تضع حياتك المالية رهنًا عند بشري كصاحب المنزل فعليك أن تتوقّع -حسب الرواقية- أسوأ ما فيه (كالطّمع) لتفلح، وحتّى لو لم تستطع الاستعداد ماليًّا للأسوأ، فإنّ الاستعداد النّفسي أكثر من كاف في هذه الحالة لتجاوز المشكلة.

قال فرانك أندروود (Frank Underwood) ذات مرة: “أأنتِ غبية لدرجة الوقوع في الحب؟”، يمكن أن نقول هنا بأنّ فرانك كان رواقيًّا. فالكثير من الرواقيين يرون الحب شعورًا سلبيًّا كالغضب أو الحسد يسجن الإنسان في عقله ويمنعه من التّفكير بحرية. فرانك يرى الحب سلبيًّا من جوانب أخرى عمومًا، فالحب عنده نقطة ضعف مكشوفة تعرضك للاستغلال، إنّ فرانك أندروود وأمثاله يرون الحب شعورًا مدمرًا للعلاقات، فهو ذروة العلاقة، وبعدها يكون الهبوط حتميًّا. يرى فرانك العلاقات على أنّها ألعاب من الجذب والدفع، ألعاب مشوّقة بتفاصيلها، ولهذا قال لزوجته كلير أندروود (Claire Underwood) بأنّ كلّ ما يعده إياها حيال زواجهما هو أنّها لن تعيش يومًا مملًّا واحدًا خلاله.

الحب، والغضب، والحقد، واليأس، والغرور، كلّ هذه المشاعر تتفاعل مع واقعنا كما تتفاعل فلاتر الهواتف مع صورنا، تعمينا هذه المشاعر عن نقاط الضعف في أعمالنا وأهدافنا، وتقوّي في نظرنا نقاط قوّة وهمية، القانون واضح في اللعبة: من يلعب وفق المشاعر، يخسر.

إنّ الرواقيين لا يلغون المشاعر من الحياة، عابث من يحاول مجابهة أساس ضخم في تكوينه، ولكنّ الهدف هو أن لا تستعملها في غير مواضعها. الموازنة صعبة، لكنّ من يحقّقها يصل إلى نجاح مطلق، كما يقول نسيم طالب (Nassim Taleb)، تكمن القوّة الحقيقية في ترويض المشاعر، وليس التظاهر بعدم وجودها.

شخصية استراتيجية

هذا هو الأساس لبناء شخصية استراتيجية، القدرة على رؤية واقع الحياة كما هو، دون الفلاتر التي نضيفها تخفيفًا لحدّة مصائب الحياة، إليك المعادلة: يمكنك أن تترك نفسك للمشاعر، سامحًا لكلّ شعور بأن يأخذ يدك كما يبتغي إلى حيثما يشاء ليتركك هناك ضائعًا وحيدًا تنتظر الشعور القادم، وفي هذا الاستسلام ذرات متفرقة من السعادة، أو بإمكانك أن تضبط كلّ المشاعر، وتأخذ على نفسك عاتق مجابهة الحياة في حرب كما هو واقعها فعلًا، وفي نهاية هذا الطّريق الشائك وعد بالسعادة المطلقة، ولك القرار.

ما يحتاجه المرء ليس الشّجاعة، بل التّحكّم، والهدوء

ثيودور روزفلت

لا أعلم ما اخترت، ولكن لعلّك اتخذت قرارًا اليوم، أن تتمالك نفسك، وتتحكّم بمصيرك، أن تواجه العالم بواقعه، دون أن تهتم برأيك به أو رأيه بك، وإن كان هذا قرارك، فلا أملك لك قولًا إلّا: تماسك، فأمامك جبل من العوائق، أثناء تسلّقك إياه لن ترى أصدقاءك، بل جثث من ساروا هنا قبلك، ولعلّ هذا يحفّزك لأنك تعرف بأنّك تملك ما لا يملكونه، مشاعر تسمو عن المشاعر، وقرارات مجازفة، لكنّها الحياة، تقضي لنا بأن نسير في طريق الواقع، وواقع الأمر هو أنّ في المشاعر خطرًا، وكما قال نابليون: “إن في الخطر لمتعة!”.

الوسوم: الأفلام . الإنسان .

اقرأ المزيد في الثقافة
فلم . الثقافة

السعودي الذي ولد في لبنان

ولد في لبنان لأمٍ لبنانية ولأبٍ سعودي، وعاش كل حياته هناك. ولكل سنين طفولته لم يكُن يعرف عن السعودية سوى اسمها. ثم بدأ يتعرّف على عادات وطنه الأب وتقاليده، وحنّ إلى البلد الذي لم يره من قبل، فشد رحاله دون أن يحمل معه أي رحال، وسافر ليبحث عن هويته. يعيش اليوم أحمد في الرياض، بين اخوانه وأعمامه، ليستكشف ماذا يعني أن تكون سعوديًا.
يوسف المسعود
بودكاست أرباع . الثقافة

فلسفة الجاحظ: “سبحان من جعل بعض الاختلاف، سببًا للائتلاف”

الحلقة “78” من بودكاست أرباع مع د. هيفاء الفريح، عن فلسفة الجاحظ وقراءة مختلفة لكتاب البخلاء.
الوليد العيسى
مقال . الثقافة

الجماعات الإرهابية وتطبيقات التراسل الفوري

أثار استخدام بعض الجماعات الإرهابية - مثل داعش - تطبيقات التراسل الاجتماعية ذات التشفير القوي مثل تطبيق تيليجرام، ويبدو أن الأمر لا يتوقف هنا.
تهاني عبدالرحمن
فلم . الثقافة

ثمانية أسئلة مع مضيف جوي

في هذه الحلقة من برنامج ثمانية أسئلة، نسأل المضيف الجوّي، عبدالله عوض عن المهنة التي نجهل الكثير عنها. ونحاول تغيير الصورة النمطية عن أي مضيف جوي.
رهام الزعيبي
مقال . السلطة

ماكرون وإيميلي على ضفاف الحلم الباريسي

في ظل قضايا عصيبة تفتك في فرنسا، يأتي مسلسل إيميلي في باريس ليعزز صورة نمطية حالمة من جهة ويقصي وجهًا آخر لمدينة الأنوار من جهة أخرى.
فريق تحرير ثمانية
فلم . الثقافة

القياس

لم يتمَ تصميمُ هذا العالمِ من أجلك، فكل شيءٍ من حولِكَ قد تم تصميمهُ بناءً على متوسط الأشخاص. نعم، يأخذون مجموعةً ويقيسون عليهم ما يريدون، ويلبسونك أو يقيمونك بناء على حاصل قسمة المجموع على عدد أشخاص تلك المجموعة! ففي مسيرتكَ الدراسيةِ خضت اختباراتٍ تم تصميمها وفقًا لمتوسطِ الطلبة، وتم تقييمكُ بناءً على المعدّلِ. وملابسك مصممةٌ بناء على المتوسط. كل هذه المعايير صممت بناء على مفهومٍ واحد: المعدّل!
دعاء الريحان