ناطحات تحت الأرض

هل من الممكن أن نبني ناطحة تحت الأرض؟ كيف ذلك ولماذا؟ وهل من الممكن أن تكون الناطحات الأرضية توجه المستقبل؟

اشترك في نشراتنا البريدية

يمكنك أن تختار ما يناسبك من النشرات، لتصلك مباشرة على بريدك.

أهلًا بك صديقًا لنا،

وصلتك الآن رسالتنا الأولى على بريدك الإلكتروني.

إذا لم تجدها ابحث في رسائل السبام وتأكد من اتباع الخطوات التالية في حسابك على خدمة بريد «Gmail» حتى تُحررها من التراكم في فيض الرسائل المزعجة.

* تعبّر النشرات البريدية عن آراء كتّابها، ولا تمثل رأي ثمانية.
28 ديسمبر، 2017

منذ القدم والإنسان في بحث دائم عن مسكن يلائمه، ويقيه من الظروف المحيطة به، والتي قد تهدد حياته مثل طقس يشعر الإنسان معه بالاضطراب والخوف أو حيوانات تقلق سكينته أو حتى أخطار تأتيه من شقيقه الإنسان نفسه. إذ أن الغاية الأساسية من مسكن في الأرض المسمى منزل هو البحث عن الأمان.

الإنسان البدائي كما يحكى لنا اتخذ من الكهوف منزلًا له مع سد فتحاتها بقطع كبيرة من الأحجار طلبًا للدفء والأمان، واحتمى المزارعون بالأشجار التي ألهمتهم للتوصل لفكرة تقطيعها وتجميعها ليتم تحويلها إلى أكواخ ومساكن يلجؤون إليها، ورعاة الأغنام أقاموا الخيام من جلودها بعد شدها إلى قوائم خشبية واتخاذها مأوى لهم.

توالت الحضارات وأصبحت العمارة رمزًا يتباهى به بين الأمم، ومع التوسع السكاني الذي شهده تعاقب العصور الإنسانية لم يعد فن العمارة مقتصرًا على بناء المساكن، بل أصبح يشمل كافة المباني الأخرى، مثل: الأسواق، ودور العبادة، والقصور الفخمة لتعد العمارة فنًا من أحد أشهرِ الفنون الإنسانية، وذا علاقة وطيدة مع ثقافة الشعوب المنتمية لها. فازدادت وتنوعت الأدوات المستخدمة في البناء مثل الحجارة، والطين، والخشب ليدخل فيما بعد في العصور المتقدمة الحديد والأسمنت وغيره.

الإنسان أيضًا بدأ بخوض التحديات فيما يتعلق بالبناء فمع وجود مساحة ضيقة للبنيان أصبح نظره متجهًا للأعلى، فولدت ناطحات السحاب، وباتت ظاهرة منتشرة في أنحاء العالم كدليل مادي على فن العمارة الحديثة وبرهان للمدن بأنها قد أصبحت مواكبة للعصر.

عمران تحت الأرض

مع التحديق في الأعلى كل هذه المدة، لم ينس الإنسان أن يلقي نظرة لما تحت قدميه، لكن مفهوم البناء تحت الأرض كان مقتصرًا على الأحداث الطارئة. ففي بدايات ظهور الديانة المسيحية، بنى سكان مقاطعة كابادوكيا (kappadkia) في تركيا أنفاقًا تحت الأرض، لتقيهم من الجيوش الرومانية القادمة نحوهم. ثم تقدم الزمن و بدأ الإنسان في الاستفادة من باطن الأرض لسبب مختلف كليًا عن البحث عن الأمان، ففي أواخر القرن التاسع عشر أنشأت بريطانيا أوسع شبكة نقل للقطارات أو كما تعرف بقطار الأنفاق تحت الأرض.

في يومنا الحاضر لم يعد الاهتمام بالبناء تحت الأرض متعلقًا بالسلامة لسكان المدن خصوصًا عند اندلاع الحروب أو توفير سكك لمواصلات مختلفة، تساهم في عملية التنقل داخل المدينة أو خارجها، ففي السنوات الماضية بدأ الإنسان جديًا في الاهتمام ببناء مساكن ومباني تجارية تحت الأرض. أي بمعنى آخر حواضر مدنية مشابهة لما ماهو عليه الحال فوق الأرض. فمن المتوقع أن تضيق مساحة الأرض كلما تقدمنا في الزمن. فمع حلول العام 2050 سيعيش ثلثا سكان العالم في المدن، والكثير من المدن لاتستطيع أن تزيد مساحة البناء أفقيًا أو عموديًا فيها بسبب ضيق المساحة المتوفرة، أو بسبب عوامل أخرى، كالمحافظة على التراث. فمن هنا بدأ التفكير جديًا في البناء تحت الأرض.

سنغافورة، تجسيد للمشكلة

لدينا مثال حي لضيق المساحة مع تواجد الكثافة السكانية، فبلد كسنغافورة ذو مساحة 710 كيلومتر مربع وسكان يبلغ تعدادهم أكثر من خمسة ملايين نسمة، تعتبر فكرة البناء تحت الأرض كطوق نجاة له.

يقول زو ينغشين، من رابطة مراكز الأبحاث الخاصة بالعمران تحت الأرض:

السبب الرئيسي للاتجاه نحو البناء تحت الأرض في سنغافورة هو حل مشكلة شح الأرض اللازمة للبناء. لقد حاولنا استعادة الأرض بالحفر في البحر، وشراء التراب، لكن لا يمكن الاستمرار في ذلك; بسبب ارتفاع سعر الرمل المستخرج من البحر، واضطرارنا إلى الحفر لأعماق أكبر من السابق، وبسبب شكوى جيراننا من أعمال الحفر.

إذن، الخطة في سنغافورة هي كالآتي: إنشاء مدينة “العلوم تحت الأرض”، وهي مشروع مصمم لتوفير مساحة 300 ألف متر مربع لأغراض البحث وإجراء الاختبارات، وتقع على عمق 30 إلى 80 متر تحت سطح الأرض، وهي ستساهم في الصناعات الكيماوية والبيولوجية والطبية وغيرها. وإذا بنيت تلك المدينة، فمن المتوقع أن تؤوي 4200 نسمة، فبالتالي يقل الازدحام السكاني ولو بنسبة قليلة مما يعني توفير مساحات لبناء المسطحات الخضراء أو مما شأنه توفير بيئة نظيفة للمدينة.

في مكان آخر من العالم ولسبب مختلف كليًا عن سنغافورة، يجري اقتراح لبناء مبنى على شكل هرم مقلوب يصل عمقه إلى 300 متر ويقع هذا المبنى في قلب مكسيكو سيتي التاريخي، والتي تحرص على فرض قيود صارمة تجاه المساس بالتراث. وقد أطلق على المبنى اسم “إيرث سكريبر“، (أي ناطحة الأرض، على غرار ناطحات السحاب). إن من المتوقع أن يصل عدد قاطنيه إلى 5000 نسمة، مع وجود إنارة طبيعية من سقف زجاجي ضخم، إلا أن الطوابق السفلى ستستعين بالألياف الضوئية لتوفير إنارة إضافية.

الهرب من البرد

البرد القارس خصوصًا في مناطق تقع بالقرب من القطب الشمالي، توفر لها المباني تحت الأرض الكثير من الدفء اللازم لإكمال نمط حياتها بشكل طبيعي، دون أن تضطر للخلود إلى سبات شتوي تتقلص فيه مظاهر الحياة الروتينية. تعتبر فنلندا من البلدان التي سخرت الكثير والكثير من أجل توفير منشآت تقام بكاملها في باطن الأرض.

يقول ايجا كيفيلاكسو، المهندس الذي صمم تلك المنشآت في مدينة هلسنكي تحت الأرض:

إن الوضع المعيشي تحت الأرض أفضل من فوقها، خاصة في الشتاء حين تنخفض درجات الحرارة على سطح الأرض إلى ما دون 20 درجة مئوية تحت الصفر، وفي ظل الأحوال الجوية لهلسنكي، سيكون أمرا مبهجًا أن تعمل أو تحتسي القهوة تحت الأرض، حيث لا يتطلب ذلك أن تخرج إلى البرد أو المطر.

العيوب

هنالك خوف دائم يحيط بالإنسان من فكرة العيش تحت الأرض، نظرًا لارتباطها بالظلام وقلة التهوية والتي تشبه إلى حد ما الكهوف، فالعديد من الناس يصابون بالهلع من عدم وجود طريق واضح للخروج من المكان.

لا بد أيضًا من التأكيد على توفير هواء نقي ومساحات شاسعة قادرة على توفير إضاءة جيدة، فكما هو معلوم بأن نقص ضوء الشمس قد يصيب الإنسان بالأرق، وبالتالي يؤثر على عمل الهرمونات والمزاج، وكعلاج مؤقت ينصح بالخروج بشكل منتظم والتعرض لضوء الشمس.

فكرة مجنونة

لعل الحديث عن فكرة إنشاء منزل خاص بك تحت الأرض لا تزال تعد ضربًا من الجنون، والدليل على ذلك هو غياب التخطيط العمراني لبناء مساكن تحت الأرض عن أجندة عمل المسؤولين في غالبية المدن حول العالم، لكن بالإمكان استغلالها في بناء منشآت متعددة، كمراكز التسوق، والشوارع لتخفيف الضغط عن سطح الأرض، وتخصيص سطح الأرض لبناء المساكن والمساحات الخضراء. الفكرة ما زالت حديثة وستخطو خطواتها كما سبقتها من قبل أفكار اتهمت بالجنون ليصبح الزمن بعد ذلك كفيلًا بإثبات العكس إن أمكنها، فمن يعلم لعلك سوف تبني منزل العمر فيما بعد تحت باطن الأرض؟


اقرأ المزيد في السلطة
بودكاست أرباع . السلطة

70 مليون نازح أين هم مع كورونا؟

الحلقة “92” من بودكاست أرباع مع حسام شاهين رئيس شراكات القطاع الخاص في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئون، للحديث عن حياة اللاجئ اليوم.
الوليد العيسى
بودكاست أرباع . السلطة

إدارة جيش من المعلمين، بين الصلاحيات، وأزمة فكر

“إصلاح التعليم ملف مرّت به عشرات الدّول، بعضها فشل وبعضها نجح. وقامت المنظمّة تلو الأخرى والخبير تلو الآخر بمراجعة ودراسة هذا الأمر. وبناءً على ذلك استخلصوا الحلول والأولويات.
الوليد العيسى
مقال . السلطة

الصين في رحم الأيديولوجيا

يُناقش الكاتب محمد السديري الأيديولوجيا الصينية والأفكار السياسية التي يُغذيها النظام الحاكم ليفرض سيطرته على شعب يقترب من ملياريّ شخص.
محمد السديري
مقال . السلطة

مسوَّدة: في حال حدثت كارثة القمر

بعد وصول رواد الفضاء الأميركيين إلى القمر، تنفّس الناس الصعداء حول العالم، لكن المهمة لا تتوقف هنا وقابلة حدوث كارثة القمر لا تزال واردة.
مازن العتيبي
مقال . السلطة

تتعدَّد الجرائم وقتل النساء واحد

تتصاعد وتيرة جرائم القتل العنيف ضد النساء على يد الرجال. ومهما تتنوع الظروف وأساليب القتل فنمط عنف القاتل واحد، وعنف المجتمع واحد.
فريق تحرير ثمانية
مقال . السلطة

الحرية، إشكالات المعنى والمفهوم

كلمة «الحرية» في وقتنا الحالي كسبت معاني مناطة بأحداث سياسية واجتماعية، فأصبحت الكلمة علامة تجارية لمنظومة فكرية معينة.
أروى الداوود