مساهمة بطليموس في خرائط Google
وضع بطليموس نظام الخطوط بنوعيه الطول والعرض أثناء عمله في مكتبة الإسكندرية، ما ساهم بشكل كبير في ظهور خرائط Google بشكلها الحالي الذي نعرفه.
تعرّضت امرأة بعد اعتمادها على نظام خرائط GPS في سيارتها لعدم معرفتها للمنطقة التي تزورها لحادث كاد أن يودي بحياتها بعد أن تسببت توجيهات نظام GPS بسقوطها في الخليج الجورجي.
حوادث مثل هذه تحدث بكثرة، والشواهد عليها عديدة، قد تبدو أخبارًا ملفتة في البداية وجاذبة لقراء كُثر، لكن إن أطلت التمعن فيها لوجدتها دليلًا على التحول الكبير في الملاحة، وفي طرق الوصول للوجهة المرادة. لم نعد نعطي الطرق من حولنا تركيزًا وانتباهًا. أصبح جل اهتمامنا منصبًّا على الإنصات بشكل كامل لتوجيهات الجهاز.
قبل 3000 عام بدأ أسلافنا بالتّساؤل عن مكان وجودهم في هذا العالم، وحتى يتمكنوا من الإجابة اخترعوا أداةً جديدة تساعدهم في إيجاد الحل، كانت تلك الأداة هي الخريطة. أقدم خريطة عرفها البشر كانت تنتمي للحضارة البابلية، قطعة طينية صنعت تقريبًا بين عامي 700-500 قبل الميلاد، لا تحتوي على تفاصيل كثيرة، ولم يكن يعتمد عليها في الترحال. لعلّ أول محاولة فعلية في علم الخرائط قُدِّمت في القرن الثاني على يد كلاوديوس بطليموس.
لو سألت أي جغرافي عن الشخص الذي يستحق أن يسمى المؤسس لهذا العلم سيجيب بلا تردد بأنّه بطليموس، فقد بين العالم الروماني في كتبه كيف يمكن رسم خريطة للعالم، وقام بعرض قاموس جغرافي لأكثر من 8000 مكان، كما بين الأساليب الأساسية لطريقة عمل الخرائط، حيث ظلت الطرق التي اعتمدها بطليموس باقية إلى يومنا هذا، لدرجة أن تطبيق جوجل إيرث يعتمد الطريقة التي اخترعها.
عمل بطليموس في مكتبة الإسكندرية ساعده كثيرًا، ففي وقته عانت محتويات المكتبة من الدمار الشديد نتيجة السلب والإهمال بسبب الحروب والنزاعات الكثيرة في تلك الفترة.
قدّم هذا الدمار فرصة عظيمة لبطليموس لتلخيص مايقارب الألف عام لعلم الجغرافيا اليوناني عن طريق رسم ما تبقى من مصادره في المكتبة. وضع بطليموس نظام الخطوط بنوعيه الطول والعرض، وقام باختراع طريقة لرسم الأرض مسطحة (هو والكثير ممّن سبقه من علماء اليونان والرومان يؤمنون بكروية الأرض) بخريطة ثنائية الأبعاد.
خريطة للعالم اعتمادًا على قصص الرواة
بعد سقوط الإمبراطورية الرومانية فُقدت جغرافية بطليموس لنحو ألف عام، في الأعوام التالية وتحديدًا في القرن الثاني عشر قام الشريف الإدريسي برسم خريطة للعالم اعتمادًا على قصص الرواة، وبأمر من الملك روجر الثاني ملك صقلية.
مع قدوم عصر النهضة بدأت الخرائط في التقدم أكثر فأكثر، والتجارة كانت السبب الرئيسي وراء ذلك التقدم. مع انتعاش حركة التجارة البحرية ظهرت الحاجة إلى خرائط دقيقة يمكن الاعتماد عليها للوصول إلى الوجهات المقصودة، صُنعت خرائط دقيقة عرفت باسم بورتولان (Portolan) تحتوي على خطوط عديدة تصل الموانئ بعضها ببعض لمعاونة البحارة على الإبحار. في هذه الأثناء أُعيد اكتشاف أعمال بطليموس وتم رسم الخرائط بناءً على قياساته التي أخذت قبل ألف عام.
بعد العام 1569 أصبحت الرحلات البحرية أسهل عندما تمكن العالم جراردوس مركاتور (Gerardus Mercator) من اكتشاف طريقة جديدة في رسم الخرائط عُرفت فيما بعد باسم “إسقاط مركاتور”، تُظهر العالم مسطحًا وتبدأ مساحة اليابسة والمحيطات بالتمدد شيئًا فشيئًا كلما اقتربنا من القطبين شمالاً أو جنوبًا. تعتبر هذه الطريقة في رسم الخرائط عظيمة فيما يتعلق بالأغراض الملاحية، لأن هذا النوع من الخرائط يمكن الملاحين من رسم خط مستقيم بين نقطتين معينتين مما يساعد في تحديد اتجاة البوصلة، لكنها اعطتنا اعتقادًا خاطئًا بشأن رؤيتنا للعالم، فأصبحت البلدان القريبة من القطبين مثل كندا وروسيا أكبر مما هي عليه في الواقع.
في القرن التاسع عشر أدى التقدم السريع في علمي الرياضيات والقياس لظهور خرائط أكثر دقة مما كانت عليه في السابق. في فرنسا، قامت عائلة كاسيني cassini بقطع البلاد ذهابًا وإيابًا لحساب أبعاد الدولة، درجة الإتقان التي أظهرتها النتائج لم يسبق لها مثيل والفضل يعود لاستعمالهم قاعدة التثليث، حيث يتم تقسيم المنطقة إلى مثلثات تعتمد على خط معلوم الطول.
في أيامنا هذه تبدو الخرائط وكأنها حية
باستطاعتها التحدث لتخبرنا عن الطريق المناسب للوصول لوجهتنا مع ارشادنا المستمر عن أماكن الالتفاف يمينًا ويسارًا. هذه التقنية تعمل بواسطة الأقمار الصناعية والشركات المتخصصة في الخرائط مثل Waze و Google و Bing وغيرهم الكثير.
هناك قلق متزايد من أن يضعف نظام GPS مهارات مكتسبة لدينا، مثل القدرة على تحديد موقعنا في أي جهة يكون ومعرفة الطريق للتوجه للمكان المطلوب. قد يبرز رأي آخر مناقض لهذا الرأي ويجزم بأن الإنسان في عصرنا الحالي يطلع على خرائط مختلفة في اليوم الواحد أكثر من أي وقت مضى. فحين تبحث عن مطعم معين أو معلم سياحي عبر هاتفك الذكي فسوف تصلك النتيجة مع خريطة توضح لك كيفية الوصول إلى هذا المكان وكلما اطلعت على الخرائط بشكل أكبر كلما زادت سرعة البديهة لديك في تحديد المواقع والوصول إليها بنفسك دون مساعدة.
أسأل نفسك هل بإمكانك وصف المنطقة المحيطة بمنزلك من دون الرجوع لهاتف الجوال الخاص بك، والقدرة على الانتقال منها إلى وجهة تحددها بنفسك؟