لم لا تحكم المرأة العالم؟
التمييز ضد المرأة ليست ميزة تختص بها مجتمعات معينة. النظرة الدونية للمرأة موجودة في كل المجتمعات التي ظهرت على مر التاريخ.
توجد لدى جميع المجتمعات البشرية بلا استثناء نظرة دونية نحو المرأة، فهي في نظر الكثير ضعيفة ولا تصلح لأن تقود الأمم أو حتى الشركات، ولا يصلحن كجنود لأنهن ضعيفات البنية ولا يصلحن للتخطيط لأن عقولهم ناقصه ومكانهم الطبيعي هو في البيت لتربية الأطفال والطبخ، وهو شيء تتسم به المجتمعات الزراعية والصناعية التي دائمًا ما تكون مجتمعات أبوية، يكون فيها الأب والرجل ذو مكانة أعلى من المرأة.
التمييز ضد المرأة ليست ميزة تختص بها مجتمعات معينة. النظرة الدونية للمرأة موجودة في كل المجتمعات التي ظهرت على مر التاريخ. حتى المجتمعات التي تفتخر بأنها جعلت المرأة على رأس السلطة منذ آلاف السنين، مثل الفراعنة في حالة كليوباترا، والعرب مع بلقيس، مازالت تنظر للمرأة باعتبارها كائن مهمش تابع للرجل، والأمثلة التي يضربونها هي حالات فريدة من نوعها و لم نرها مرة أخرى.
لنعد إلى الوراء قليلاً. ياترى ما هي أسباب النظرة الدونية للمرأة؟ ولم رأينا على مدار التاريخ أن المرأة توضع دومًا في مرتبة أقل من الرجل؟ في السطور التالية سوف أذكر لكم بعض النظريات التي طرحت والتي أنقلها لكم من كتاب Sapiens.
1 نظرية القوة
إحدى النظريات المطروحة والتي تفسر هذه النظرة، هي قوة الرجل الجسمانية. فمنذ آلاف السنين سمحت بنية الرجال القوية بأن يقوموا بالأمور التي تتطلب قوة جسمانية، من الزراعة والصيد وغيرها. وهذا جعل الرجل هو المتحكم في الطعام الذي كان أهم شيء وقتها وبالتالي سمحت له بأن يكون المتحكم في بقية الأمور.
تتعارض هذه الفكرة مع الواقع الحالي، فلو كان القياس في كل شيء القوة فهذا يعني أنه مع مرور الوقت ستتغير موازين القوى بسرعة ويصبح الشباب هم من يحكمون كبار السن بحكم قوتهم الجسمانية، ولكن هذا الشيء لم يحدث، بل نجد الرجال الكبار يتمتعون بمكانة أقوى من الصغار وحتى الكبار لا يجرؤون على التقليل من مكانة آبائهم والكبار في السن ممن كانت لهم الكلمة العليا.
ليس هذا فحسب بل ستجد في الكثير من المجتمعات أن الطبقة الدنيا من الرجال هم من يقوموا ببعض المهام التي يترفع عنها علية القوم ممن هم بصحة وقوة أفضل.
التمييز ضد المرأة: نظرية العنف
قد لا تكون القوة الجسدية هي ما يميز الرجل عن المرأة، ولذلك تعتقد النظرية الثانية بأن “العنف” هو مايميز الرجال عن النساء. فقد أظهرت الأبحاث أن الرجال يميلون للعنف بنسبة أكبر من النساء لذلك فهم سريعوا الغضب ويحبون الحرب، وهذا الشيء يجعل الرجال يصلحون كجنود.
‘ذا كان العنف هو ما جعل الرجال يتحكمون في الجيوش، إذن لمَ لم تعطَ النساء مناصب أخرى مثل التخطيط، خصوصًا أن النظرة السائدة عن النساء هي أنهن مخططات بارعات.
هذا الشيء فيه نوع من التعارض، فلو افترضنا أن كل لاعبي فريق كرة السلة هم من أصول أفريقية، فهل يعني ذلك أن مدرب الفريق هو أيضًا من أصول أفريقية؟ إذا كان هذا الشيء غير صحيح، فلم لم نرَ مثل هذا الشيء في التاريخ؟ فالجنود رجال ومن يقودهم أيضًا من الرجال، ولن تجد أي مشاركة ولم نشهد مشاركة ولو جزئية في إدارة الجنود من قبل النساء.
نلاحظ أيضًا خلال التاريخ، بأن الكثير من قادة الجيوش في الأوربية كانوا من رجال الفئة الارستقراطية دون نسائها، وكانوا يصلون إلى هذه المناصب عن طريق التعيين المباشر دون الحاجة إلى إظهار القوة والحنكة، أما الجنود فهم دائمًااً من الفئات المسحوقة والفقيرة،
نظرية الوراثة
نأتي الآن إلى النظرية الثالثة والتي تعتقد أن الوراثة هي السبب في كل شيء.
يرتبط عنف الرجال بالتنافس على المكانة الاجتماعية والنساء، فالرجل الأقوى يفوز بحب النساء واعجابهم وتزيد فرصه في الحصول في الارتباط بهم. هذا الشيء أدى لتكون نزعة العنف لدى الرجال الذين نقلوا هذه الصفات لأولادهم عبر الجينات والتربية.
ستجد على الجهة المقابلة أن النساء لم يعنانو من مشكلة العثور على رجل، ولكن مدة الحمل والولادة وما يتبعها من انتباه للأطفال جعلت المرأة تعتمد بشكل كبير على الرجل في حماية أطفالها وتوفير الغذاء والمساعدة في بعض الأمور، وللاستفادة من هذه المميزات، كان على المرأة أن توافق على شروط الرجل. ومع مرور الوقت تكونت لها هذه النزعة التي نقلتها الأمهات إلى بناتهن عبر الجينات.
هذه النظرية تتعارض مع أفكار أخرى، فما الذي يجعل المرأة تحتاج إلى الرجل من أجل الحماية والمساعدة في التربية؟ فنحن نلاحظ في الكثير من المجتمعات أن تربية الأطفال قد تكون جماعية تتعاون فيها نساء القبيلة الواحدة.
في نفس الوقت نظرية الرجل القوي والذي يحصل على كل النساء ليست مقنعة هي الأخرى، فالقوة هي أحد العوامل التي تجعل الرجل جذابًا، ولكن مهاراته الاجتماعية وعلاقته بالآخرين مهمة هي الأخرى، وهو أمر لوحظ حتى في بعض المجتمعات الحيوانية مثل الفيلة و قرود البونوبو. في حالة البونوبو تتعاون الإناث في التربية والعمل وفي بعض الأحيان يقومون بتأديب الذكور الذين يحاولون فرض أنفسهم بقوة.
لماذا تم استضعاف المرأة منذ آلاف السنين؟
الحقيقة التي لا يستطيع أحد أن يعرفها هي لماذا تم استضعاف المرأة منذ آلاف السنين؟ لكن الشيء الذي نعرفه هو أن هذا الشيء بدأ بالتغير وبسرعة رهيبة. ففي بدايات القرن العشرين لم تكن تمتلك النساء في الولايات المتحدة حق التصويت، وعمل المرأة كان مستهجنًا إلى حد ما، ولكن خلال أقل من 100 عام، تغيرت الكثير من الأمور فيما يتعلق بحقوق المرأة. ولم يقتصر الأمر على الولايات المتحدة فقط، بل انتقل جزء من هذا الشيء إلى المنطقة العربية وبدأنا نرى تمكينًا حقيقيًا للمرأة وحصولها على الكثير من الحقوق التي هضمت، ولعل العقود المقبلة ستقوم بمحي كل تراكمات آلاف السنين. ومن يدري لعل الآية تنعكس ويصبح هناك من ينادي بحقوق الرجل (مع أن حقوقنا مهضومة منذ فترة طويلة).