الطاعة المعارضة للضمير

أيمكن أن تؤذي إنسانًا آخر مدفوعًا نحو الطاعة المعارضة للضمير؟ إن عدم إيذاء الاخرين مبدأ متّفق عليه بين المجتمعات الإنسانية، ويمكن أن يؤكّد لك أي شخصٍ سوي..

اشترك في نشراتنا البريدية

يمكنك أن تختار ما يناسبك من النشرات، لتصلك مباشرة على بريدك.

أهلًا بك صديقًا لنا،

وصلتك الآن رسالتنا الأولى على بريدك الإلكتروني.

إذا لم تجدها ابحث في رسائل السبام وتأكد من اتباع الخطوات التالية في حسابك على خدمة بريد «Gmail» حتى تُحررها من التراكم في فيض الرسائل المزعجة.

* تعبّر النشرات البريدية عن آراء كتّابها، ولا تمثل رأي ثمانية.
10 أبريل، 2017

أيمكن أن تؤذي إنسانًا آخر؟ إن عدم إيذاء الاخرين مبدأ متّفق عليه بين المجتمعات الإنسانية، ويمكن أن يؤكّد لك أي شخصٍ سويّ أنّه لن يرضى أبدًا بإيذاء إنسان اخر. ستانلي ملغرام، عالم النفس الاجتماعي الأميركي أراد اختبار هذا للتأكّد. تحديدًا، كان يودّ أن يعرف إن كان البشر المسؤولون عن محرقة الهولوكوست قد نفّذوها لأنّهم أمروا بها أم أنّهم فعلوا ذلك بإرادتهم؟

تجربة الطاعة

ليعرف الإجابة، أجرى تجربةً أثارت الجدل في الأوساط العلمية وما زالت تفعل حتّى يومنا هذا. ففي ستينيات القرن الماضي جمع ملغرام أربعين رجلًا من أعمار بين العشرين والخمسين. مقابل أجرٍ مادّيٍّ على تنفيذ التجربة. دعي المشاركون وقد أخبروا بأنّهم سيقومون بتجربةٍ لقياس تأثير الضرب على المتعلّمين في تحسين الحفظ رغم أنّ هذا غير صحيحٍ طبعًا. وعند وصولهم تعرفوا على من قيل لهم بأنّهم مشاركون اخرون، في حين أنّهم في الواقع ممثّلين موظّفين لدى ملغرام، وأخبرهم الممثّلون قبل بدء التجربة بأنّهم يعانون من أمراضٍ قلبيةٍ خفيفة.

قام المشاركون بقرعةٍ لتحديد من سيكون منهم أستاذًا ومن منهم طالبًا. لكنّ القائمين على التجربة تلاعبوا بالنتائج لكي يكون ممثّلوهم دائمًا طلّابًا. أدخل المشاركون إلى غرفةٍ مع مشرف التجربة وجلسوا أمام جهاز صعقٍ كهربائي عليه أزرار صعقٍ من 15 فولت إلى 450 فولت. وأدخل الممثّلون إلى غرفةٍ منفصلة بحيث لا يمكن رؤيتهم ولكن يمكن سماعهم.

تبدأ التجربة بأن يملي المشارك على الممثّل أشياءً ليحفظها ثم يختبره في حفظها، إذا أخطأ الممثّل في الحفظ فإنّ المشارك سيقول له درجة الصعق ويضغط زر الصعق. تبدأ التجربة ويبدأ المشاركون بسماع صرخات الممثّل المستغيثة التي كانت تتزايد شيئًا فشيئًا.

لا أحد توقّف

السؤال هنا، متى سيتوقّف المشاركون؟ متى سيشعرون بالذنب من إيذائهم لإنسانٍ اخر؟ لا أحد توقّف حتّى وصل إلى 300 فولت. وعندما يطلب المشارك التوقّف فإنّ المشرف سيقول له عبارةً مجهّزة من أربع عبارات، كانت العبارة الأولى هي “تابع رجاءً”، والثانية “تتطلّب التجربة أن تتابع”، والثالثة “من الضروري أن تتابع”، والرابعة “لا تملك خيارًا اخر سوى المتابعة”. إن طلب المشارك التوقّف لأربع مراتٍ وسمع جميع العبارات ثم أعاد الطلب فإنّ التجربة ستتوقّف مباشرةً. ظهرت النتائج، ثلثا المشاركين (65%) وصلوا إلى الحدّ الأقصى من الصعق -450 فولت- دلّ هذا على أنّ من الممكن للبشري أن يقتل بشريًّا اخر دون تفكيرٍ بالعواقب إن كان ذلك الأمر صادرًا عن رمزٍ من رموز السلطة بأي أنواعها.

ملغرام لم يقم بتجربةٍ واحدة، قام بثمانية عشرة تجربةٍ بنفس الطريقة مع تغيير بعض التفاصيل. في أحدها مثّل المشرف الذ ي كان يلبس زيًّا رماديًّا موحّدًا أنّه تلقّى اتّصالًا مهما وأدخل مشتركٌ حقيقي بملابس مدنية ليكون مشرفًا، هبطت نسبة من وصل لـ 450 فولت إلى 20%. وفي تجربةٍ أخرى أين وجد ثلاثة أساتذة، اثنان من الممثّلين وواحدٌ من المشاركين. مثّل الممثّل الأوّل أنّه رفض الإكمال عند 150 فولت والممثّل الثاني عند 210 فولت فهبطت نسبة من وصل لـ 450 فولت من المشاركين إلى 10%.

البشر لا يشككون عادةً بادعاء السلطة

تجربة ملغرام Milgram Experiment ليست التجربة الوحيدة التي قاست الطاعة المعارضة للضمير. فتجربة مستشفى هوفلنج Hofling Hospital Experiment قاست نفس الفكرة بطريقةٍ مختلفة. حيث قامت التجربة على إرسال اتّصالٍ إلى المناوبات في الوردية المسائية من الممرضات يقول فيها المتّصل بأنّه طبيبٌ وفي مهمةٍ عاجلة. يطلب الطبيب من الممرضات أن يتوجّهوا إلى خزانة الأدوية ليأخذوا منها دواءً باسمٍ خيالي، مع أنّهم يعلمون بأنّه غير مصرح، وأنّ من الممنوع تلقّي أوامر طبية عبر الهاتف.

أمر الطبيب الوهمي أيضًا بأن يأخذ المريض جرعةً زائدةً عن الحدّ المسموح وقال بأنّه سيكتب التصريح الطبي لذلك حين يصل إلى المستشفى لاحقًا. واحدٌ وعشرين من إثنين وعشرين ممرضةً (95%) قبلوا الأوامر. استنتج هوفلنج من ذلك أنّ البشر لا يشكّكون عادةً بادّعاء السلطة.

الطاعة تكشف النفس البشرية

التجارب التي أجريت على الطاعة البشرية تكشف حقيقةً مرعبةً عن النفس البشرية، ففي أي وضعٍ يمكن للبشر أن يلقوا اللوم على أحدٍ دون أن يحاسبوا، يتحوّل البشر إلى غير البشر الذين نعرفهم، هل تطيع سلطة المدير أم الضمير؟ هذا هو السؤال.


اقرأ المزيد في الثقافة
مقال . الثقافة

كيف أصبح كل شيء قصة

يعجز إنسان اليوم عن تشكيل تصور متماسك ومتسق عن ذاته بفعل التشظي الذي طال الفرديّ والجماعيّ، فتنشأ «السرديات الذريَّة»....
علي المجنوني
مقال . الثقافة

رسالة أبراهام لينكون إلى جوشوا سبيد

تتجذر العنصرية ضد السود في أعماق الهوية الأميركية وصراعاتها. ورسالة أبراهام لينكون إلى صديقه ومالك العبيد جوشوا سبيد تجسيدٌ لهذا الصراع.
محمد حسيّان
مقال . الثقافة

سنتي الأولى مع مدربة الحياة

خلال مكالمة الفيديو الدورية مع مرشدتي، «مدربة الحياة» (Life Coach)، علقت على المدة التي قضيناها معًا، وأننا أتممنا عامنا الأول وبضعة أشهر
هيفاء القحطاني
مقال . الثقافة

كيف نتحدث عن الموت بصوت عال؟

كان العام 2003 حين رأيت الموت ممثلًا في جسدين هامدين. مذ ذاك ما فتأت أحاول فكَّ الغموض حول صورة الموت الخفي والحاضر دومًا.
صالحة عبيد
مقال . الثقافة

سطوة الاحتياج إلى القبول في الشبكات الاجتماعية

لست أحاول هنا الوصول إلى حياة خالية من سلطة «رأيكم يهمني»، لأن هذا مستحيل. ولأننا كائنات اجتماعية مجبولة على طلب القبول الاجتماعي.
حاتم النجار
فلم . الثقافة

إذا أردت أن تكون سعيدًا، كن كالماء

نعيش حياتنا كالسراب، نقفز من هدفٍ لآخر، ونلاحق حلمًا جديدًا، ونرجو نجاحًا مختلفًا، بين كل خطوةٍ وأخرى نتوقع أن هذه الخطوة ستكون القاضية، سنصبح سعداء إن حصلنا على تلك الترقية، سنصبح سعداء إن وصلنا إلى ذلك الوزن والجسم المثاليين، سنصبح سعداء إن ارتبطنا بعلاقة مع من نحب، لكننا يومًا بعد يوم نصر على تجاهل هذه الحقيقة: السعادة المرتبطة بالخطوات سراب.
زيد إدريس