نزلت من سيارتي صباحًا متجهًا إلى مدخل الشركة التي أعمل بها، ولفتت نظري قطة غير طبيعية، فجسمها به عدة جروح ويبدو عليها الوهن والضعف، لكن الغريب عليّ كان أنها قطة لا تشبه قطط الشوارع؛ فهي من سلالة فاخرة (بنت ناس). على أي حال تجنبت النظر إليها وصعدت إلى مكتبي. فأنا أخاف من الحيوانات عمومًا، لا أحب الاقتراب منها ولا أحب لمسها أو إطعامها أو الاقتراب منها، لا أعلم السبب لكن أنا هكذا مذ عرفت نفسي.
هذا المشهد بدأ يتكرَّر في الشوارع، إذ انتشرت مؤخرًا تربية الحيوانات الأليفة في السعودية بشكل كبير. وجولة سريعة في شوارع الرياض كافية لتشعرك بزيادة طلب الحيوانات الأليفة ومستلزمات رعايتها. ففي 2020 بلغ حجم سوق مستلزمات الحيوانات الأليفة في السعودية 230 مليون ريال، ومن المتوقَّع بلوغه 335 مليون ريال في عام 2026.
بصرف النظر عن رأيي الشخصي، كثير من الأبحاث تشير إلى فوائد تربية الحيوانات الأليفة من الناحية النفسية. فمثلًا: تربية قطة أو كلب قد تفتح المجال أمام إقامتك صداقات جديدة، وتساعدك أيضًا على اكتساب أنماط حياة صحية كالمشي أو الخروج في نزهات طويلة. كذلك تناقش دراسات عديدة الأثر الصحي لتربيتها في المنازل.
لكن أرى أن كل هذه الدارسات لن تغير من الواقع شيئًا؛ فهناك نسبة هائلة من الناس تحب الحيوانات وتربيتها، لكني أرى أن التحدي الحقيقي: ماذا إذا قرر شخص التخلي عن حيوانه الأليف فجأة؟
فالقطط مثَلها كمثَل البشر، تتعرض لصدمات نفسية نتيجة التخلي أو الفقد. تصور أنك استيقظت يومًا ولم تجد نفسك في منزلك مع أسرتك، بل في وسط شارع مليء بالشاحنات في مدينة لا تعرفها وليست لديك أي مهارات للحياة فيها، كيف سيكون شعورك؟ هل ستتمكن من البقاء على قيد الحياة؟ أم تعيش بقية حياتك على حافة الهاوية؟
عدت في نهاية ذاك اليوم إلى السيارة، ووجدت القطة في مكانها. أعترف أنني بقيت عدة دقائق داخل السيارة لا أعرف ما أفعل، هل أحملها وأبحث لها عن عيادة؟ هل أتجاهل الموقف؟ بعد تفكير طويل، ولأنني فعلًا غير قادر على لمسها، تواصلت مع ملجأ الرياض للحيوانات وقدمت بلاغًا وعدت إلى المنزل، ولكن عقلي ظل معلقًا بالقطة المسكينة. وبعد عدة ساعات لم أحتمل التفكير فعدت من المنزل إلى مكان القطة، ولكني لم أجدها، وأحسب أن بطلًا استقبل بلاغي و«قام باللازم»!
يقول المشرف العام على جمعية الرفق بالحيوان في السعودية: «لا توجد لدينا ظاهرة الإساءة إلى الحيوانات في السعودية، ولكن توجد ظاهرة سوء التبني».
لن أناقش أحدًا في حق تربية حيوان أليف في المنزل، لكنه اختيارٌ يصعب التراجع عنه. فلو مللت من حيوانك الأليف أو ثقلت عليك كلفة رعايته أو صحا ضميرك فجأة وشعرت أن حيوانك الأليف محبوس في منزلك فلا تنس أنك أنت من جعلت من منزلك منزله. فلا تخرجه إلى العالم المفتوح معتقدًا أنك تحرره من الحبس، فأنت حرمته من التكيُّف مع العالم عندما تبنيته!
واعلم أن التراجع عن قرار التبني يصبح أصعب على الحيوان مع مرور الوقت. فإذا عزمت على التخلي عنه يومًا فتواصل مع أحد الملاجئ أو اعرضه للتبني، ولا ترمه في الشارع فترميه بذلك إلى الموت عامدًا متعمدًا.
مقالات أخرى من نشرة أها!
أن تكون نادرًا أمرٌ في غاية الصعوبة
حتى تكون «نادرًا» فاعلم أنَّ النُدرة لا تتطلب فقط مهارات استثنائية، بل جهودًا استثنائية تفوق ما يستطيع معظم الناس تحقيقه.
أحمد مشرفمعنى الانتماء الطبقي للأبطال الخارقين
أتذكر التعقيب الساخر الذي قرأته في ورقة بحثية حول هيمنة أفلام الأبطال الخارقين على الإيرادات؛ بأنها تعكس رغبة الشعب الأمريكي بإنقاذه.
حسين الإسماعيلتك توك تغزو ذائقتنا الشخصية في الطعام
اختيار الأكل يُعد من أكثر الملذات حميمية لدى الإنسان، وتتحول هذه العلاقة إلى علاقة مفتوحة يمكن لأي مؤثر في تك توك أن يقتحمها ويغيِّرها.
سحر الهاشميالعواقب الحقيقية للزائفات
في حين ينادي البعض بضرورة تحرّي الدقة في نقل الأخبار والمرئيات، فإنهم يتناسون أنَّ الحقيقة ليست هي المُنى هنا، بل المنى إحداث أثرٍ ما.
حسين الإسماعيلكيف تميز القارئ المبتدئ من بين ألف قارئ؟
مثلما أن القراءة عن تاريخ رياضة السباحة لن يجعلك سباحًا ماهرًا، فإن القراءة عن الفلسفة والفكر لن تجعلك فيلسوفًا.
حسين الإسماعيل«الدحيح» كبسولة معرفية أم حبة تخسيس؟
تَعِد الكبسولات بتقديم طرح غير ذاتي عبر الاطلاع على مصادر معرفية مختلفة ثم تقديمها للمتلقي، وهذه العملية غير ممكنة في كثير من الحالات.
حسين الضو