لماذا تستفز مقاطع رقص الأعراس الجماهير؟

آخر ما تحتاج إليه حفلات الزفاف استثارة الجماهير العريضة، وأشد ما تحتاج إليه أن تظل الفرحة محدودة بمن حضر ورقص.

الرقص في الأعراس / عمران

أهلًا بك صديقًا لنا،

وصلتك الآن رسالتنا الأولى على بريدك الإلكتروني.

إذا لم تجدها ابحث في رسائل السبام وتأكد من اتباع الخطوات التالية في حسابك على خدمة بريد «Gmail» حتى تُحررها من التراكم في فيض الرسائل المزعجة.

* تعبّر النشرات البريدية عن آراء كتّابها، ولا تمثل رأي ثمانية.
8 أغسطس، 2023

يتحمس كثير من الشباب في موسم الصيف لحضور الأفراح وحفلات الزفاف ونشر مقاطع رقص المدعوين والمباركة للعروسين علنًا عبر مواقع التواصل الاجتماعي. لكنَّ ظاهرة جديدة رافقت موسم الأعراس هذا الصيف: تحميل مقاطع رقص الفتيات المدعوات أو العروس نفسها، وإعادة نشرها مع كيل من التعليقات المسيئة.

تطال التعليقات هوية الفتاة وأسلوب تربيتها وديانتها وتنتقد أخلاقياتها وتحلل نواياها من وراء هذه الرقصة. وتتكاثر الردود ليشترك الجمهور في تعنيفها ومعاقبتها على تلك اللحظات الخاصة، فيصبح الفيديو العفوي «ترندًا» يصل إلى التشهير. وتصبح الرقصة قضية رأي عام، كما حدث قبل فترة قريبة لإحدى الفتيات اللاتي انتشرت رقصة لهن في أحد الأعراس بمصر. 

كل مقطع يمر بالمراحل نفسها: يحمّله أحدهم على المنصات فيحدث انقسام واضح في الآراء بين معارض يجد أن الفتاة خرقت الأعراف والتقاليد المحافظة، ومؤيد يقف في صفها ويساند حريتها الشخصية في التعبير عن فرحتها بالرقص. وهكذا تتضخَّم موجة السباب الإلكتروني بين الفريقين ويلقى الفيديو رواجًا منقطع النظير. 

قد يبدو نقد رقص الفتيات في الأعراس ظاهرة تنمر إلكتروني جديدة، لكن للموضوع جذورًا أعمق في ثقافتنا التي ترى الرقص في ذاته عيبًا. ففي كتاب «عصر الفضيحة، حقيقة الرقص المسكوت عنها في مصر» تقول نورا أمين:

«إن تاريخ الرقص الشرقي (البلدي) في مصر هو تاريخ تحرير الراقصة من العار التقليدي المستمر للجسد الراقص، ولقد واجهت الراقصات البلديات المصريات صراعاتهن الخاصة طوال القرن العشرين،وحتى اليوم، من أجل إعادة تعريف الجنس الأنثوي المستقل ونزع الإنسانية عن جسد الراقصة.»

فإن كنَّ ممتهنات حرفة الرقص يواجهن جدارًا من الرفض المجتمعي، ففرص الفتيات الهاويات في ألا يتعرضن للتنمر في إثر رقصهن علنًا قليلة جدًا. 

والملاحظ أيضًا في مقاطع الفيديو هذه أنَّ تعليقات التنمر والاستنكار لا تقتصر على المعلقين من دول الخليج العربية، حيث لا تتضمن حفلات الزفاف الاختلاط بين الجنسين، ولا يُسمح فيها عادةً بدخول الجوال إلى قاعات النساء، ومن ثم يكون مفهومًا إلى حدٍّ ما موقفهم السلبي منها لاختلاف الثقافة. بل تنطلق موجة التعليقات المسيئة القاسية من الدول التي تميَّزت حفلات زفافها دومًا بالاختلاط ورقص المدعويين، مثل مصر. فما سبب ذلك؟

اعتقادي أن الأمر عائد إلى أمرين، أولهما: الفضول الفطري تجاه الآخرين. فالمراقبة والنميمة متأصلان في تفاعلاتنا الاجتماعية كبشر، وتطبيقات التواصل الاجتماعي تغذي في المتابع حب التطفل على الحياة الخاصة؛ وهذا يمنحه القوة. فالمتابع يتلصص على اللحظات الخاصة للآخر دون أن يعطيه شيئًا من خصوصيته في المقابل.

ثانيًا: المقارنة الاجتماعية بالآخر شكلٌ من تقدير الذات، حيث يستمد الإنسان إحساسه بتضخم «الأنا» عبر المقارنة المستمرة بالآخر. لذا يميل الناس إلى إجراء مقارنات مع من هم في اعتقادهم أسوأ حالًا أو أقل مهارة أو أخلاقيَّة منهم؛ ليرتفع تقديرهم لذاتهم وشعورهم بالتفوق عليهم عبر انتقاد تصرفهم و«الاستشراف» عليهم علنًا.

وإذا عدنا إلى أساس هذه الظاهرة فهي لا علاقة لها بالمعلقين، بل تكمن في تحميل مقاطع يُفتَرض أنَّها خاصة إلى الفضاء العام ليطَّلع عليها الجماهير. بعض تلك المقاطع جرى تحميلها على يد أحد الضيوف من باب «الكيدية»، كما حدث مع الفتاة ذات الفستان الأزرق، وبعضها من باب مشاركة الفرحة في وسائل التواصل الاجتماعي. ومهما يكن السبب فإن آخر ما تحتاج إليه حفلات الزفاف استثارة الجماهير العريضة، وأشد ما تحتاج إليه أن تظل الفرحة محدودة بمن حضر ورقص.


مقالات أخرى من نشرة أها!
5 يوليو، 2022

يوتيوب يعيد الروح للدوري الإيطالي

قد تكون رابطة الدوري الإيطالي عمومًا خسرت بعض الأموال بسبب إتاحتها للمباريات مجانًا، ولكنها سوف تربح جيلًا متعلقًا بالدوري الإيطالي.

أنس الرتوعي
3 يناير، 2022

شارك رأيك ولا تكشف اسمك

يصوّر واقعك أنَّ استخدام الأسماء المستعارة هروبٌ من إبداء رأيك ومواجهة رد الآخرين عليه، لكنها ببساطة تعني أنَّك قررت الاحتفاظ بخصوصيتك.

ثمود بن محفوظ
7 مايو، 2023

هل جربت المشي بالصوت؟

بعد عدّة مرات لخروجي على الفرّة بالصوت، شعرتُ بأنَّ للأماكن شخصيّاتها الصوتية الخاصة بها، تختلف اختلافَ بصمات الأصابع عند الإنسان.

حسن علي
6 أبريل، 2023

الذكاء الاصطناعي يحفظ مائدتك من الهدر

ربما لن يغيّر حرصي على عدم هدر الطعام الكثير، لكني أؤمن بأن أول خطوات حل بعض المشكلات الكونية تبدأ بالوعي الفردي والأخلاق.

ياسمين عبدالله
14 مايو، 2023

الملكة شارلوت تحذرنا من كليوباترا

نعيش اليوم في زمن تُشكِّل فيه منصات المحتوى الصورة الذهنية لملايين المشاهدين حول العالم، فتشوّش بتحريفها التاريخ ذاكرتنا الجمعيّة وهويتنا.

ياسمين عبدالله
2 مارس، 2022

ماذا لو تلاعبوا بوجودك الرقميّ؟

إن وجود أحدنا عبارة عن بيانات قابلة للتداول وللحفظ، وقابلة أيضًا للفقد والتلاعب. فماذا يحدث إذا تلخبطت السجلات الرقمية فجأة؟

أشرف فقيه