دفعني الفضول إلى البحث عن أكثر مقاطع الفيديو مشاهدةً على منصة يوتيوب، وجاءت النتيجة مفاجئة لي: فيديو الأطفال الشهير «بيبي شارك دانس» (baby shark dance). فقد حقق أكثر من 13 مليار مشاهدة، رقم لا يزال متقدمًا بأميال على أي فيديو آخر.
تذكرت على الفور مئات المرات التي شاهدت فيها «بيبي شارك» مع أطفالي قبل سنوات وسط طقوس يعرفها جيدًا الآباء والأمهات. تبدأ هذه الطقوس بغناء حماسي مثل كورال مدرسي ثم تنتهي بأداء راقص من أفراد البيت كافة أملًا في تناول الطفل وجبته كاملة أو قضاء وقت لطيف معه دون صراخ. لذا يبدو منطقيًا أن تحتل أغاني الأطفال ستة مراكز من العشر الأوَل لأكثر المقاطع مشاهدةً.
لكن لا ينحصر الأمر في حاجة الآباء إلى تسلية أطفالهم فحسب، بل لا بد من خلطة سحرية تتسم بها تلك الأغاني لغزو منازل العالم أجمع والاستحواذ على انتباه الأطفال والكبار معًا.
يوضح لنا بِن قيونق الرئيس التنفيذي لشركة «بينك فونق» (PinkFong) الكورية التي أنتجت «بيبي شارك» قبل سبع سنوات عنصر الخلطة الأوَّل، وهو أن الكثير من منشئي المحتوى في الشركة آباء وأمهات في الأساس، لذا يعرفون جيدًا ألم مشاهدة أغاني الأطفال مرارًا وتكرارًا. وعندما يشرعون في صناعة أغنية جديدة يكون في حسبانهم دومًا أن تكون مناسبة للعائلة بأكملها.
العنصر الثاني في الخلطة بساطة اللحن، وهو ما تشير إليه بياتريس إيلاري أستاذة موسيقا الأطفال في جامعة جنوب كاليفورنيا، حيث تؤكد أن اللحن البسيط المكرر مهم للغاية كعامل جذب عند سماع الأغنية للمرة الأولى، كما أنه يسهل غناؤه وحفظه، لذا يناسب الأطفال الذين لديهم مفردات محدودة ويتغذون على التكرار. وهو السر نفسه الذي يجعل الكبار يرنمون الأغنية بلا تفكير في أوقات كثيرة خلال اليوم.
هنا سأضيف إلى الخلطة عنصرًا ثالثًا من واقع تجربتي الشخصية: أنَّ أغاني الأطفال لها سحر خاص يتعلق بالحنين إلى الماضي الذي يشعر به الوالدان في أثناء ترديدهم الأغاني لأطفالهم، بخاصة التراثية. فأنا أشعر بسعادة غامرة في كل مرة أغني فيها «واحد اتنين سرجي مرجي.. إنتَ حكيم ولا تمرجي»، ويغمرني العرفان لأمي التي غنتها لي وأنا صغير، وتذكرني بمسؤوليتي كأب وأنا أغنيها الآن لأطفالي.
يتبقى لنا العنصر الأخير في الخلطة وهو الانتشار الجنوني الذي يقدمه الإنترنت أحيانًا دون حسابات منطقية. ففي البداية انتشرت أغنية «بيبي شارك» بشكل معقول، لكن ما جعلها تقفز في المشاهدات بجنون هو انتشار وسم (BabySharkChallenge#) في إندونيسيا أول الأمر ثم آسيا ليحتل العالم أجمع بعد ذلك. وتكرر الأمر لاحقًا عبر تك توك حيث رقص الجميع على الأغنية من خلال الوسم نفسه.
بفضل تك توك أيضًا عرفت أن «واحد اتنين سرجي مرجي» من أغاني الأطفال التراثية في الخليج أيضًا. نقول في مصر «نفسي أزورك يا نبي.. ياللي بلادك بعيدة.. فيها أحمد وحميدة.. حميدة جابت ولد.. سمته عبدالصمد…»، ويقولون في الخليج «يا مطرة حطي حطي.. على قريعة بنت أختي.. بنت أختي جابت ولد ..سمته عبدالصمد…».
تتوافر في أغنية «سرجي مرجي» عناصر الخلطة من دفء عائلي ولحن بسيط مكرر والقدرة على عبور حدود المكان والزمان. لا يتبقى إلا أن تفطن لها شركة «بنك فونق» وتصمم رقصة خاصة بالطفل عبدالصمد، وأتحدى الجميع بأن مشاهداتها ستتخطى 13 مليارًا.
مقالات أخرى من نشرة أها!
حتى تواصل أدمغتنا الجري
عادت أدمغتنا للتعلُّم المستمر، لا التعلُّم فقط عن البتكوين وتسلا، بل حتى التعلُّم الاجتماعي، والتعلُّم المهاريّ لاستخدام التطبيقات. كأننا عدنا إلى المدرسة!
إيمان أسعدفي تصوير الطبيعة كما أشعر بها
بعد التقاط بضع مئاتٍ من الصور، وجدت أن الصورة عبارة عن مشهد مطبوع لا يحتوي على أصوات ولا روائح ولا ملامس ولا أي شيء آخر من سياق ذلك المشهد.
حسن عليمن دفء الصحيفة إلى دفء النشرة البريدية
يتجاوز عدد مستخدمي البريد الإلكتروني أربعة مليار مستخدم، ومتوقّع ارتفاع العدد في عام 2025؛ ما يجعلنا في عصر ذهبي للنشرات البريدية.
رويحة عبدالربكيف رفعت لنكدإن رغبتنا في الإنجاز رغم إرادتنا
عندما أشاهد إعلانًا لدورة تدريبية أو اختبارًا يؤهلني للحصول على شهادة احترافية، أبدأ مباشرة بالتفكير بكيفية استعراض هذا الإنجاز على لنكدإن.
أنس الرتوعيالشغف لا ينتهي عند التخصص الجامعي
لا شيء يدعونا لاكتشاف الذات سوى كثرة التجارب والخبرات المتراكمة، التي لا تأتي إلا من خلال الانخراط في مهام عملية يومية مع فريقٍ داعم.
أحمد مشرفالفضفضة للذكاء الاصطناعي خيرٌ وأبقى
نحن في أمس الحاجة إلى الفضفضة، لكن يستهين الكثير منا بتأثير هذه الفضفضة على الآخر، وننسى أننا ننقل إلى المستمع شحنات عاطفية سلبية.
إيمان أسعد