أُمارس التصوير الفوتوغرافي كهواية منذ إحدى عشرة سنة. ما سحرني فيها هو قدرة الكاميرا البديعة على تجميد لحظة ما لتحتفظ بأثرٍ لماض قد ولَّى. فأنا كنتُ ولا أزال أرى في التصوير عزاءً لقصوري في استيعاب مفهوم الزمن بتعقيداته؛ فلا الماضي موجود ولا الحاضر مقبوض ولا المستقبل مولود. وعندما أرى صورةً صوّرتُها لا أتذكر المشهد فحسب، بل أتذكر معه ما أحسست به وما فكّرت به لحظتها؛ لتصبح كاميرتي امتدادًا لذاكرتي.
هذه السنة بدأت تعلّم التصوير بكاميرا الفِلم عوضًا عن الكاميرا الرقميَّة (الديجيتال)، ويا لها من تجربة! بغض النظر عن أن جميع إعداداتها يدوية، بما فيها سرعة الغالِق وفتحة العدسة وحساسية مستشعر الكاميرا (ISO) -فكل هذه الإعدادات نتحكم بها أيضًا في الكاميرا الرقميَّة- فما اختلف هو محدودية الصور الممكن التقاطها بالكاميرا.
فعندك على الفِلم الواحد، على الأكثر، 36 لقطة فقط. وما يصعِّب الموضوع أنك لن تستطيع أن ترى الصور التي صورتها إلا بعد معالجة الفلم. ولذا من الممكن جدًا أن تصوّر فِلمًا كاملًا وتتفاجأ من بعدها بأن الصور قد خَرِبت لأي سببٍ (وأسباب خرابها كثيرة). ومع رواج التصوير بالفلم ليصبح «ترندًا» في السنوات الأخيرة، ارتفعت بطبيعة الحال أسعار شرائها ومعالجتها، وهذا يجبرك كمصوّر على أن تفكِّر مليًا قبل أن تأخذ اللقطة الغالية هذه.
مع كاميرا الفلم بدأتُ أرجع إلى أساسيات بناء القصة من طريق الصور، وأسأل نفسي كل مرة قبل التقاط الصورة: ما القصة التي تخبرني بها هذه اللقطة؟ وما أنسب زاوية وإعدادات لالتقاطها؟ لو كنتُ أستخدم كاميرتي الرقميَّة، لالتقطتُ على الأقل خمسين صورة بإعدادات وزوايا مختلفة قبل أن أصل إلى النتيجة التي تعجبني، لكن ليست لدينا على الفِلم رفاهية التجربة.
هذه المحدودية غيّرت تجربتي كمصوِّر، وجعلتني أدرك قيمة أن تبطئ قليلًا كي تحاول استيعاب كل شيء من حولك، وتفكر مليًّا في موضوعك وفي أنسب طريقة تحقق بها أعلى كفاءة ممكنة من هذه اللقطة.
ومع الممارسة، وجدتني أنقل تجربتي هذه مع كاميرا الفلم إلى تطبيقها على مجال أوسع في حياتي. أعني أن أعيش التأنِّي والقَصْدَ كمبدأين قبل اتخاذ خطوة معينة أو قول كلمة لأحد. فعوضًا عن الاستعجال وترك الأمر إلى الاحتمالات والحظ، أتراجع قليلًا لأتفكَّر مليًا في تداعيات قراري أو كلامي قبل إطلاقهما، وأن أكون متأكدًا من أنني فعلًا كنتُ قاصدًا وراغبًا في قول تلك الكلمة أو فعل ذلك الشيء.
فكما أنَّ للصورة إعدادات خاصة على الكاميرا وأغراضًا معيّنة لطرح قصتها، فحيواتنا وعلاقاتنا أجدر بالحصول على قدر أكبر من التفكُّر والاهتمام. لم تعلمني كاميرتي الفلم كيف أكون مصوّرًا أفضل فحسب، بل كيف أكون إنسانًا أفضل، بعد أن وجدتُ أنَّ العيش بقَصْد أهدأُ إلى قلبي وأهدى.
مقالات أخرى من نشرة أها!
أين العقول المبتكرة؟
تخيل فقط لأنّك في روسيا، حُرمت البلاي ستيشن وتعطّلت تطبيقات دفعك بأبل باي! لهذا نحتاج إلى مستثمرين كإيلون ماسك يجد لنا العقول المبتكرة.
تركي القحطانيلماذا يجب أن نستثمر في السياحة الثقافية؟
السياح الثقافيون يبحثون عنّا نحن السُكان المحليين، ويبحثون عن تاريخنا وأماكننا التي نزورها في يومنا العادي دون أن نشعر بأنها مميزة.
أنس الرتوعيهل وصلك الإيميل وأنت بصحة جيدة؟
لأنَّ من الصعب نقل مشاعرنا عبر نصوص صماء، نضطر لإدراج بعض العبارات الشكلية، لا لشيءٍ سوى إيحائها بأننا لسنا مشدودي الأعصاب.
حسين الإسماعيلأن تكون نادرًا أمرٌ في غاية الصعوبة
حتى تكون «نادرًا» فاعلم أنَّ النُدرة لا تتطلب فقط مهارات استثنائية، بل جهودًا استثنائية تفوق ما يستطيع معظم الناس تحقيقه.
أحمد مشرفمقاطع «الريلز» لا تغيّر شيئًا
ما تدعونا إليه مقاطع «الریلز» من اعتزال ما یؤذینا، والسعي نحو الثراء السريع، هي نصائح مثيرة؛ إلا إنها، على أرض الواقع، لا تغير شیئًا.
أحمد مشرفترصّد أصدقائك في إنستقرام لا ينفعك
تشير دراسات إلى أن الاستخدام السلبي لمنصات التواصل الاجتماعي قد يؤدّي إلى ارتفاع خطر الاكتئاب، إضافةً إلى «الخوف من التفويت» (FOMO).
رويحة عبدالرب