هل الفنون السعودية تستحق الاهتمام؟

الفن لا يلغي أهمية السرد التاريخي وإنما يكمِّله ويشرحه. ومن هنا يأتي قصور الفن الذي لا يمكن سده إلا بالسرد التاريخي والطرح العلمي.

في نشرة أها! من ثمانية

في يوم 30 يونيو من عام 2021 حدث ما قد يكون أهم تغيير في حياتي، ألا وهو قبولي في «برنامج الابتعاث الثقافي» الذي أطلقته وزارة الثقافة بداية 2020، وكنتُ قد تأثرت قبل ذلك بالمشهد الفني والثقافي في السعودية بشكل كبير. ولا يخفى على أي سعودي الوفرة الكبيرة للمظاهر الفنية في السعودية في سنواتها الأخيرة، فهل يستحق الفن كل هذا الاستثمار والاهتمام؟

لنأخذ مثلًا موسم رمضان الأخير والذي أطلقته وزارة الثقافة مصحوبًا باثنين وثلاثين برنامجًا، تنوّعت بين الطرح الفني البحت كالأمسيات الشعرية والسينما والمعارض وبين الأنشطة الرياضية كالبادل والطائرة وكذلك الأنشطة التراثية كالقرقيعان وإعداد وجبات الإفطار والسحور قديمًا. انتشرت هذه البرامج على مُدنٍ ثلاثة هي الرياض وجدة ومكة المكرمة. مع هذا التنوُّع الذي شهدناه، لا يسعني إلا أن أرجع للتأصيل الفكري للفن ودوره في المجتمع.

ذكر البروفيسور سانجاي جانجيد أن الفن يعمل عملَ الذاكرة الجمعية للمجتمع. لماذا؟ لأن الفن يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالشعور بالنفس؛ إذ إن الأعمال الفنية تعبيرٌ عن كيفية شعور الإنسان في وقتٍ ما لتجربة معينة. وهنا الكلمة المفتاحية «الشعور». أتذكر نصائح أُمي في استذكار مواد دراستي، فكانت تحثني على تلحين الأبيات الشعرية التي كنت أحاول حِفظها أو أن أربطها بشعورٍ معيَّن أعرفه مُسبقًا فيسهل عليَّ استذكارها. لأنك عندما تشعر بشيء فإنك تفتح قلبَك وعقلَك عليه، فتتأثَّر به تأثُّرًا عميقًا ويرتكز في ذاكرتك ارتكازًا أقوى.

وهنا نلحَظ البَوْن الكبير بين السرد التاريخي والتناول الفني للأشياء. من جهة، نرى أن الفن يحفظ المشاعر والأحاسيس في قوالب فنية باختلافها، ومن جهة أخرى نرى أن السرد التاريخي خالٍ من الروح. فلا يؤثِّر الأخير بشيء إلا ما رحمَ ربي؛ لأنه بالطبع لا يناسب الكل. هل لاحظتَ يا صديقي أنك تستطيع أن تُركِّز في فلم تفوقُ مدته الساعتين في حين تجاهد نفسك على أن تُركِّز في محاضرة لنصف ساعة متواصلة؟ نعم، هذه من ميزات الطرح الفني، أنه يُفعِّل الحواس كلها وينوِّع بينها، فلا تشعر بضجر التركيز على حاسة الاستماع فقط أو النظر فقط.

الفن لا يلغي أهمية السرد التاريخي أبدًا وإنما يكمِّله ويشرحه بطرائق مختلفة. ومن هنا أيضًا يأتي قصور الفن الذي لا يمكن سده إلا بالسرد التاريخي والطرح العلمي للمواضيع؛ لأنك مهما أطلت وتفرَّعت وتنوَّعت في فنِّك لن تستطيع حصر جميع الأشياء بتفاصيلها الدقيقة. ومن الممكن أن تقع في فخ الاختزال المجحِف بحق الموضوع الذي تناولته. فينبغي أن يدعم كل منهما الآخر. لنأخذ من السرد التاريخي الدقة ومن الفن الروح. إذ إن الفن وأدواته أفضل ما نملك لحفظ مشاعرنا وتجاربنا السابقة سواء أكانت على مستوى فردي أم جمعي، وبهذا يمكننا ربط ماضينا بحاضرنا ومستقبلنا.

وهذا ما أعيشهُ في تجربتي من تغيير حقيقي في حياتي للدراسة الفنية في الابتعاث الثقافي، هذه التجربة التي سأتذكر دومًا من خلالها مشاعري تجاه التغيير الذي تشهده السعودية في رؤيتها لأهمية الفن.

الثقافةالسعوديةالفن السعوديالرأي
نشرة أها!نشرة أها!نشرة يومية تصاحب كوب قهوتك الصباحي. تغنيك عن التصفّح العشوائي لشبكات التواصل، وتختار لك من عوالم الإنترنت؛ لتبقيك قريبًا من المستجدات، بعيدًا عن جوالك بقية اليوم.