الملكة شارلوت تحذرنا من كليوباترا

نعيش اليوم في زمن تُشكِّل فيه منصات المحتوى الصورة الذهنية لملايين المشاهدين حول العالم، فتشوّش بتحريفها التاريخ ذاكرتنا الجمعيّة وهويتنا.

صورة الملكة كليوباترا \ عمران

أهلًا بك صديقًا لنا،

وصلتك الآن رسالتنا الأولى على بريدك الإلكتروني.

إذا لم تجدها ابحث في رسائل السبام وتأكد من اتباع الخطوات التالية في حسابك على خدمة بريد «Gmail» حتى تُحررها من التراكم في فيض الرسائل المزعجة.

* تعبّر النشرات البريدية عن آراء كتّابها، ولا تمثل رأي ثمانية.
14 مايو، 2023

قبل قراري قطع اشتراكي في نتفلكس العام الماضي استمتعت بمشاهدة مسلسل «بريدجرتون» (Bridgerton) في جزئه الأول الذي جاء في قالب درامي لا يخلو من الفانتازيا، إذ جعل الأفارقة السود طبقة مخملية في بريطانيا، وزعم أنَّ امرأة إفريقية كانت ملكتها في زمن يوثّق التاريخ عنه أنَّ السود لم يُسمح لهم فيه بالاختلاط بطبقة النبلاء والانتماء إليها.

وشجَّع النجاح الجماهيري الذي لاقاه الجزآن الأول والثاني على إنتاج مسلسل منفصل (spin off) عن شخصية الملكة بعنوان «كوين شارلوت: أ بريدجرتون ستوري» (Queen Charlotte: A Bridgerton Story)، الذي سرعان ما احتلَّ المرتبة الأولى وتصدّر قائمة «الترند» في تويتر. وشعرتُ لوهلة أني قد أفكّر في إعادة اشتراكي في نتفلكس، لولا استفزاز المنصة بعرضها مسلسلها الوثائقي «كليوباترا».

لمّا ظهر إعلان مسلسل كليوباترا «الوثائقي» ضجّت منصات التواصل الاجتماعي في مصر بالغضب من رؤية الملكة كليوباترا بملامح إفريقية وبشرة سوداء، إذ إنَّ كليوباترا السابعة بطلمية ذات أصول يونانية. وقد يبدو للوهلة الأولى أنَّ ردة الفعل عنصرية، لكن المسألة أعمق من ذلك بكثير. إذ بدا المسلسل امتدادًا لثقافة «الأفروسنتريزم» (Afrocentrism) التي تنادي بصبغ حضارة مصر القديمة بالهوية الإفريقية السوداء، في الوقت الذي تؤكد فيه كل الشواهد أن تلك الحضارة قامت على التنوع العرقي.

يزعم الكتّاب الغربيون المدافعون عن المسلسل أنه لا يمكن القطع بلون بشرة كليوباترا؛ لأنها من الجيل البطلمي الذي يُحتمل أنَّ الدماء التي تجري في عروقه مختلطة. وتتجلى ازدواجية أولئك الكتّاب في غضهم الطرف عن كون تلك «الفرضية الضعيفة» أساسًا تستند إليه نتفلكس في تصنيفها العمل ضمن الدراما الوثائقية، ومِن ثمّ ترسيخها هذه الفرضية الضعيفة كأنها حقيقة تاريخية لا تقبل الجدل.

من الواضح وجود رغبة متعمّدة في تصوير كليوباترا ملكة سوداء في الوعي الجمعي العالمي . ففي حديث المنتجة جايدا سميث عن المسلسل، أكدت أنَّ كليوباترا سوداء، قائلةً: «لا تتسنى لنا معرفة قصص الملكات السود، ومن المهم لمجتمعنا معرفتهن وتداول قصصهن».

يعني حديث سميث أنَّ نتفلكس تمرر بقصد من خلال محتواها أدبيات «الأفروسينتريزم» الحالية التي تؤمن بأن أصل الحضارة المصرية القديمة أسوَد. ويستند رواج النظرية ثقافيًّا وارتفاع شعبيتها اليوم إلى دعم مشاهير «الأفروسنتريك» الأمريكيين لها، من أمثال بيونسي، وكيفن هارت (الذي أُلغي عرضه بالقاهرة في مطلع هذا العام بعد اعتراض جمهور كبير من المصريين على وجوده بسبب ترويجه هذه الأفكار).

أمّا الممثلة أديل جيمس – التي تؤدي دور كليوباترا – فبعد تلقّيها عددًا كبيرًا من التعليقات المسيئة والعنصرية في حساباتها، علّقت بأن «من لم يعجبه اختيار الممثلين فلا يشاهد المسلسل». ليت هذا كان الحل الأمثل، لكن المسألة أبعد من الانحصار في مشاهدة هذا المسلسل أو عدمها.

نعود هنا إلى مسلسل «كوين شارلوت»، الذي يعتمد على فرضية تاريخية ضعيفة جدًا بأنَّ الملكة شارلوت الحقيقية كانت تجري فيها دماء «مورية» أي: من أصول إفريقية. فعلى رغم اعتراف المسلسل بكونه «عملًا متخيّلًا»، فقد بدأت تترسّخ صورة الملكة شارلوت بوصفها أول ملكة سوداء في إنجلترا لدى ملايين المشاهدين. 

وهنا تكمن المسألة برمتها، إننا نعيش اليوم في زمن تُشكِّل فيه منصات المحتوى الصورة الذهنية والذاكرة البصرية لملايين المشاهدين حول العالم، فتشوّش بتحريفها التاريخ ذاكرتنا الجمعيّة وهويتنا. فألا ترى أنَّ غضبنا مبرَّر؟ 


مقالات أخرى من نشرة أها!
2 يونيو، 2022

تك توك يُنعش الدودة الراقصة

أصبح تك توك الصانع الحقيقي لشهرة أي أغنية ووصولها قائمة بِلبورد وقوائم التحميل على المنصات، طبعًا بعد وصول «دودتها الراقصة» إلى أدمغتنا.

إيمان أسعد
22 ديسمبر، 2021

تحيا الإقطاعيّة الإلكترونية

تطوَّرت الرأسمالية إلى وحشٍ مجهول متعدد الرؤوس يصعب التوقع به حتى في أعين أعتى الرأسماليين. رؤوسه المنصات الرقمية الكبرى، وأشرسها ميتا.

إيمان أسعد
10 أغسطس، 2023

ماذا يقول بوربوينت في عيد ميلاده

كل تقنية جديدة وسيلة لا غاية. فلا أرى أن الرفض التام هو الحل، بل ينبغي لنا التعامل معها كأداة تساعدنا على تحقيق أهدافنا.

حسن علي
21 ديسمبر، 2022

سبوتيفاي لا تحفظ سيرتك الموسيقية

كثيرة هي الأسئلة، وكثيرة هي التجارب الإنسانية التي لا يمكن لقوائم سبوتيفاي وأنغامي أن تختزلها نهاية كل عام.

حسين الضو
27 ديسمبر، 2021

لا تسلبوني مشترياتي الرقميَّة

وفَّرت المنصات مثل آيتونز وكندل وبلاي ستيشن سهولة شراء المنتجات الرقمية عبر خدماتها. لكن ما يغيب عنَّا أنَّ الشراء منها شراءٌ وهميّ.

ثمود بن محفوظ
23 أغسطس، 2023

هل صديقك الذي حظرك إنسانٌ سيئ؟

أن يحظرك صديق افتراضي لا يعني نهاية المطاف؛ بل علامة على ضرورة تقوية مناعتك النفسية وتوطيد علاقات صداقاتك الواقعية.

ياسمين عبدالله