قبل عدة أسابيع اشتريت سجادة مصنوعة يدويًا لصالة المنزل، وكانت مليئة بالروح التي يظهرها الاقتراب الحثيث نحو الكمال دون الوصول إلى الكمال المطلق الذي تظهره لنا الآلات. فالجمال في نظري يأتي مع الأخطاء «البسيطة»، من عدم بلوغ الكمال، ومن عدم التناظر والتشابه في كل شيء. اليوم، ونحن نشهد ثورة الذكاء الاصطناعي المتسارعة نحو «التصنيع» المثالي في المجالات الإبداعية، أتساءل إن سيظل هذا الجمال موجودًا.
يقول الدكتور مازن مليباري -الخبير والمتخصص في تقنيات الذكاء الاصطناعي- إنَّ نموذج عمل تطبيق «دالي» الذي طوَّرته شركة «أوبن إيه آي» قد هدم فكرة أساسية لدينا نحن البشر؛ ففي السابق كنا نزعم أنَّ الآلة مهما بلغت ذروة تطورها لن تستطيع أن تقدم حلولًا تتّصف بالإبداع في شكلها.
يُعرَف معنى «الإبداع» بأنه الإتيان بجديد في أي أمر من الأمور. وبحكم عملي في مجال الاستشارات الإدارية الذي يتطلب مني تقديم حلول جديدة ومبتكرة للعملاء، فإن إحدى أهم الطرائق والوسائل التي ألجأ إليها هي إعداد الدراسات المعيارية، أي باختصار محاولة محاكاة مشكلات شبيهة بالتي بين يديّ، وتطوير حلول جديدة مبنية على حلول مشابهة سبق تجربتها وتطبيقها في مكان آخر من العالم.
ترتكز مهامي على تحديد محددات الدراسة المعيارية، وطريقة البحث، واختيار المشكلات المشابهة التي تجري المقارنة معها، ولكن الدور الأهم المناط بي، والذي يتطلب درجة إبداع عالية، هو كيفية تطبيق الحلول في بيئة مختلفة تمامًا عن البيئة الأصلية التي طُبِّقت فيها. وهذا فخ معروف تقع فيه معظم الشركات الاستشارية العالمية التي لا تكون ملمّةً عادةً بالبيئة المحلية التي تعمل فيها.
فإذا عدنا إلى تطبيق «دالي» على سبيل المثال، سنجد أنه «يخلق» رسومًا جديدة من وحي خياله، وهنا يكمن التحدي. فالخيال الذي يبدعه «دالي» خيالٌ عالمي وليس خيالًا ينتمي إلى بيئة معينة أو محددة. وأثبت «دالي» مع تطبيقات الذكاء الاصطناعي الأخرى قدرتها العالية على تقمص دور الخبير المحلي، إذ بإمكانك أن تطلب منها الرسم أو تقديم نصيحة بعقل شخص خبير أو هاوٍ أو ينتمي إلى بيئة أو خلفية ثقافية معينة.
لذا، ومع تطوّر الذكاء الاصطناعي، قد تكون جدوى الشركات الاستشارية العالمية والمحلية على المحكّ ومعها وظيفتي بطبيعة الحال. لكنني مؤمن أنَّ الفيصل ليس في تقديم حلول إبداعية، بل في القدرة على اختيار الحل الأنسب من بينها وتقديم الرأي الأصيل الذي لا يكون في أحيان كثيرة مبنيًا بالضرورة على دراسة أو حقيقة علمية، بل على طموح ورغبة هي بطبيعتها دوافع بشرية قد لا تمتلكها الآلة.
فنحن البشر نحب التحدي الإبداعي بطبيعتنا، ونملك القدرة على تجاوز قدراتنا دومًا، ومستعدون لارتكاب الأخطاء -حتى الجسيمة منها- في سبيل تحقيق ما نريد. فعندما يُطلب منّا على سبيل المثال القيام بأمر مستحيل سنقبل التحدي على رغم معرفتنا باستحالة التنفيذ أمام المعطيات الواقعية ومنطق الأمور، لكننا بذلك نكون قد تقدمنا خطوات نحو الأمام على رغم الخسائر.
فالإبداع ليس «القدرة على الإتيان بجديد» فحسب، بل تحدّي الواقع وتحمّل ارتكاب الأخطاء وتكرار المحاولات للإتيان بما هو أصيل. والنجاح الإبداعي لا يتطلب بالضرورة أن يكون كاملًا في كل مرة، بل من الممكن أن يكون جزئيًا في بعض الأحيان. وهذا لا شك أفضل من الاستسلام الذي سيقبل به الذكاء الاصطناعي إنْ لم يضمن النجاح الكامل بناءً على المعطيات المتوفرة لديه!
مقالات أخرى من نشرة أها!
أتقن الأمور الصغيرة أولًا
هكذا الحال مع الجميع، فمهما كانت أحلامك وطموحاتك كبيرة، لن تتحرك ما لم تعتد قبلها فعل أبسط الأمور بأقصى درجات الصحة والإتقان.
أحمد مشرفبثوث تِك توك نافذة على الانحطاط البشري
السر الذي كشفته الخوارزميَّات أنَّ لدى بعض البشر استعدادًا للحط من قيمة نفسه والتجرُّد من أخلاقه أو كرامته لزيادة التفاعل مقابل المال.
حسن علييوتيوب يُشبع حاجتك العاطفية
على أي شيء يدل الطلب العالي لمنتج الـ«ASMR»؟ أهو انعكاس لحاجة الإنسان الأساسية إلى الاهتمام؟ أم أنه أسلوب الحياة العصرية؟
معاذ العميرينلا تندم على هَوَس شراء الكتب
تختلف الأسباب لكل شخص مصاب بهوس الكتب، ولكن الأغلب يلجأُ إلى جَمْع الكتب وشرائها في محاولة يائسة لتعويض ما فسد من علاقاته الاجتماعية.
حسن عليعلِّمني لغة في ثلاثين يومًا
تعدنا تطبيقات تعليم اللغات بتعلُّم لغة ثانية في فترة قصيرة، بسهولة وسعرٍ رخيص. لكن ثمة عنصر أساسي تفتقد إليه تلك التطبيقات.
رويحة عبدالربستصوّر الجريمة ولن تنقذ الضحيّة
إن كنت تستنكر تصوير الناس جريمة في الشارع بجوالاتهم بدلًا من إنقاذهم الضحية، فثمة أسباب ستدفعك للتصرف تمامًا مثلهم.
إيمان أسعد