قبل أعوام قليلة كانت معظم الأسر تتمنى أن يصبح أبناؤها مهندسين أو أطباء؛ لأن هذه الوظائف سوف تضمن لهم دخلًا ماديًا جيدًا جدًا، ومِن ثَمّ حياة كريمة. وأذكر جيدًا أنني عندما كنت طفلًا لم يكن في مخيلتي أي تصوّر عن وظيفة أحلم بها سوى أن أصبح مهندسًا يعمل في حقول النفط!
لو عدنا بالزمن إلى أيام الثورة الصناعية فسوف نجد أنها أثّرت في سوق العمل مباشرةً. إذ تشير الإحصائيات إلى أن نحو 70% من الأمريكيين كانوا يعملون في الزراعة عام 1840، إلا أن هذه النسبة انخفضت إلى 30% فقط في عام 1900 بعد أن أخذت الآلات محل أعداد هائلة من المزارعين. لكن المزارعين بدورهم انتقلوا إلى وظائف جديدة وفّرتها لهم مصانع النسيج والسيارات وغيرها، والتي تعتمد على خطوط الإنتاج وكانت بحاجة إلى كثير من العمال في ذلك الوقت، وتوفر بيئة عمل ودخلًا أفضل مقارنةً بالمزارع.
في بدايات القرن العشرين زاد اهتمام البشرية بالطب والهندسة، وبدأت الجامعات تنتشر في معظم دول العالم. وفي السعودية تحديدًا أنشئت جامعة الملك فهد للبترول والمعادن في العام 1963 باسم «كلية البترول والمعادن»، والتي كانت تهدف من الأساس إلى تخريج مهندسين يعملون في قطاعات النفط المختلفة. وكان خريجو الجامعة، وبخاصة المهندسين منهم، يحظون بفرص وظيفة مباشرة في شركات النفط، حتى إن بعضهم استُقطِبوا للوظيفة وهم على مقاعد الدراسة.
مع غزو الإنترنت العالم في بداية الألفية زاد الإقبال على تخصصات البرمجة والتخصصات المرتبطة بها، مثل: تصميم تجربة المستخدم، وكتابة المحتوى المخصص لمواقع التواصل وغيرها. وأصبحنا نشاهد النمو المتسارع للشركات التقنية، وكيف أصبحت هذه الشركات تعطي موظفيها الرواتب الأعلى وتتنافس على جودة بيئة العمل ومرونتها .
اليوم، مع ظهور القدرات الهائلة لـ«تشات جي بي تي»، يبدو أن الوظائف المرتبطة بالبرمجة أصبحت في خطر حقيقي؛ فالذكاء الاصطناعي يستطيع كتابة النصوص البرمجية (Code) بكل سهولة، ومِن ثمّ قد نستغني عن المبرمجين قريبًا!
ونُشرت مؤخرًا ورقة علمية حول تأثير تقنيات الذكاء الاصطناعي على سوق العمل، ووضع الباحثون قائمة من الوظائف التي لن تتأثر مطلقًا بتقنيات الذكاء الاصطناعي الحديثة، مثل: مشغلي المعدّات الزراعية، والمهن المرتبطة بالأداء الرياضي مثل لاعبي كرة القدم، إضافة إلى مهن عمّالية كثيرة، مثل: مشغلي محطات الوقود، أو مقدمي الطعام، والعاملين في جوانب الصيانة.
بناءً على التسلسل التاريخي الذي ذكرتُه في هذه التدوينة، يبدو أن الوظائف الأعلى دخلًا هي التي تكون سهلة الاستبدال عادة. لذلك إما أن تواكب العصر وتتعلم كيفية استخدام التقنيات الجديدة وتنتقل إلى الوظائف التي سوف توجِدها هذه التقنيات، وإما أن تعود إلى الوراء وتمارس أعمال الصف الثاني التي لا تتأثر عادة بالتطوّر!
مقالات أخرى من نشرة أها!
الموظف السحّيب على لينكدإن
ثقافة لينكدإن التي تقدّس كل ما يمكن إضافته للسيرة الذاتية، جعلت الحياة الوظيفية وتفرعاتها أولوية «طبيعية» عند الموظف يرتب حياته وفقها.
حسين الإسماعيلاِلعب لأجل عالم أفضل
تقنيات الواقع المعزَّز ستضاعف قدرة الإنسان على التعلُّم أربع مرات مع الاحتفاظ بالتركيز. هذه نسبة أعلى مما تتيحه الحواسيب والهواتف الذكية.
أشرف فقيهكيف سنقضي رمضان في المريخ؟
مع وصولك إلى المريخ كأول عربي مسلم، ستصادفك بعض التساؤلات التي ستستدعي تطور مبحث شرعي جديد هو «فقه الفضاء».
أشرف فقيهالعواقب الحقيقية للزائفات
في حين ينادي البعض بضرورة تحرّي الدقة في نقل الأخبار والمرئيات، فإنهم يتناسون أنَّ الحقيقة ليست هي المُنى هنا، بل المنى إحداث أثرٍ ما.
حسين الإسماعيللا تدع البريجيب يؤثر في علاقات عملك الإلكترونية
جميعنا وقعنا في فخ «البريجيب»، إذ كم من مرة كتبتَ تعليقًا ثم مسحته كله بعد قراءته ثانية لأنك تخاف ألّا يفهمه الآخرون جيدًا؟
محمود عصامأجهزتك تعطي حياتك معنى
لا يعني اقتناؤنا المزيد من الأغراض أنَّها طغت بماديّتها على الحياة، بل لربما أصبحت تلك الأغراض ذاتها ما يسبغ على حياتنا مزيدًا من المعنى.
حسين الإسماعيل