استسلمت لابتزاز إيلون مسك قبل شهر، ودفعت قيمة الاشتراك الشهري مقابل «الصح الأزرق» -أدري الصح الأزرق ما عاد له هيبة بس خاطري فيه من زمان- إضافة إلى مزايا التغريدة الماموثيّة وتحرير الخطأ اللغوي الغبي في خلال نصف ساعة. توقعت أني سأدفع الاشتراك شهريًّا، لكن فوجئت بأنَّ الخيار الوحيد الذي ظهر لي هو الاشتراك السنوي، فدفعت مجموع اشتراكات السنة «حتة واحدة» 🫠.
كذلك، ولأني نوعًا ما نصبت على تويتر بادعائي أني مقيمة في الولايات المتحدة عن طريق الـ«في بي أن»، اكتشفت أنَّ استخدام ميزة التحرير ستعرّض حسابي للتعليق إذا اكتشفوا أني لست فعلًا في الولايات المتحدة. (طبعًا هم من الأول عارفين الغمندة!)
شعرت بدايةً أني دفعت فلوسي على الفاضي، لكن تغيّر موقفي بعد التطوّر المفصلي الذي حدث مع تويتر، حين قرر مسك تحويل عناصر ثابتة مجانيّة من تجربة المستخدم في تويتر، مثل التصويت على الاستفتاء والظهور في توصيات (For You)، إلى مزايا مدفوعة.
قد يبدو ابتزاز مسك في الظاهر «لعانة» ومحاولة يائسة منه لتعويض خسارته في قرار شرائه تويتر بمبلغ 44 مليار دولار، لتهبط قيمة المنصة السوقية اليوم إلى 22 مليار (حسب كلامه). لكن ما يحدث فعلًا هو تحوّل جوهري في نموذج عمل منصات التواصل الاجتماعي من مجانيّ إلى مدفوع.
أهم أسباب هذا التحوّل صعوبة حفاظ منصات التواصل الاجتماعي على نموذج اعتمادها الكليّ على إيرادات الإعلانات. وجاءت بداية تزعزع هذا النموذج مع تحديثات أبل على نظام (IOS 15) نهاية عام 2021، حين منحت القرار لمستخدم متجر التطبيقات «أبل ستور» إذا ما أراد تلقّي إعلانات موجهة من أي تطبيق، أي منحته سيطرة أكبر على مشاركة بياناته. تلك كانت ضربة من تحت الحزام، إذ من منّا سيوافق على تلقّي الإعلانات إذا أتيح له الخيار؟
بعدها جاء التضخّم، وانكمش سوق الإعلانات ما أدّى إلى انخفاض الإيرادات في منصات التواصل الاجتماعي، وبدأت المنصات تبحث عن سبل أخرى أهمها الاشتراك لمزايا إضافية، مثل «سناب بلس»، أو التوجّه في التركيز إلى نماذج عمل جديدة مثل محاولة فيسبوك التركيز على الميتافيرس (حد تحويل اسمها إلى متا!). لكن إيلون مسك هو من فتح الباب على مصراعيه على فرض «الدفع» مقابل الخدمة المتاحة المجانيّة في الأساس وليس مقابل المزايا الإضافية فقط.
وأشارك هنا رأيًا وجدته مثيرًا للاهتمام لديفيد هانسون حول ما يحصل في تويتر، والذي يرى أنَّ ابتزاز مسك للدفع هو في الواقع خدمة للمستهلك.
فأولًا، كونك تدفع الاشتراك الشهري سيحولك هذا من مجرد سلعة إلى الزبون، فيتحول الإرضاء من إرضاء شركات الإعلانات بالمطلق إلى إرضاء الزبائن الذين أصبحوا مصدر دخل بدفعهم الاشتراك. ثانيًا، سيفتح الباب على ظهور منصات جديدة كبدائل منافسة بقوة بعد عقود من الاحتكار، وأكبر دليل ما تشهده منصة «ماستودون» من ارتفاع غير مسبوق في عدد مستخدميها الناقمين على تويتر.
بعد تدوينة ديفيد هانسون بنحو أسبوعين، أعلنت منصة النشرات البريدية «سبستاك» الأربعاء الماضي إطلاق منصة تواصل «سبستاك نوتس» شبيهة بتويتر لكن تعتمد فقط على نظام الاشتراك المدفوع، ليأتي وصفها بأنها «منصة تواصل اجتماعي خضعت لزراعة قلب جديد». وفي هذا النموذج، لا تعتمد المنصة على خفق دماء «تسليع» المستخدم مقابل الإعلانات، بل تعتمد على جريان المال الذي يدفعه المستخدم لصنّاع المحتوى من الكتّاب. وحتى يبقى هذا المال جاريًا، لا بد لصنّاع المحتوى من تقديم مادة تستحق الدفع، بعيدًا عن الغثاء الموجود حاليًا.
(تفصيل على الجانب: إعلان سبستاك لم يمر مرور الكرام على إيلون مسك، وفي رد عدائي على «المنافس الجديد» قرر منع الإعجاب وإعادة التغريد والتعليق على أي تغريدة تتضمن رابطًا إلى سبستاك متهمًا المنصة بمحاولة تفريغ تويتر من محتواه، ليتراجع بعد أيام عن عدائيته.)
عن نفسي، مثلما استسلمتُ لابتزاز إيلون مسك قبل شهر، سأستسلم لابتزاز المنصات الأخرى التي أحب استخدامها؛ فأنا مستعدة للدفع مقابل إنستقرام وسبستاك نوتس، لكني لن أدفع فلسًا مقابل فيسبوك وسناب شات لأني لا أجد نفسي فيهما. وأتوقّع أنَّ دفعنا الاشتراك الشهري مقابل المنصات التي نحب سيقلل من استهلاكنا العشوائي الشره لكل المنصات والقفز بينها. بل سيجعلنا أكثر حرصًا على الاستفادة من محتواها، وسيزيد من حرصنا على مشاركة محتوى قيّم. فنحن قد نقبل بضياع وقتنا ببلاش، لكن لا أحد منّا سيقبل بضياع فلوسه على الفاضي.
مقالات أخرى من نشرة أها!
لسنا مسؤولين عن الشركات اللاأخلاقيّة
علينا معاينة الأمور عن كثب بغية التحقق ما إذا كنا بالفعل مسؤولين أفرادًا، أم أنَّ أنظارنا تُصرف عن الآليات المؤسساتية المبطنة اللاأخلاقية.
حسين الإسماعيلبين ميزاني ودوائر أبل
منذ اقتنيت ساعة أبل وأنا سعيد بإقفالي دوائرها الحركيَّة بنجاح. لكن ما لم تخبرني به ساعتي أنَّ الرقم الأهم على ميزاني لا يعتمد عليها.
ثمود بن محفوظلا تنظروا جهة الموت
إن الكارثة -الموت- آت لا محالة بفعل نيزك أو أزمة قلبية أو قشرة موز. فلماذا نجح فلم «لا تنظروا للأعلى» في تعليقنا بأحداثه؟
أشرف فقيهالذكاء الاصطناعي شريكك الإبداعي
نحن نتعامل بتشاؤم مع كل خبر عن برامج الذكاء الاصطناعي، وننسى أنَّ الذكاء الاصطناعي في النهاية امتدادٌ لذكائنا البشريّ.
إيمان أسعدمستقبل الجنس البشري
مع تطور تقنيات الذكاء الاصطناعي وتصنيع روبوتات تحاكي طبيعة الإنسان، تصبح ممارسة الجنس مع الآلة والوقوع في حبها احتمالاً لا يمكن تجاهله.
أشرف فقيهالأغنياء أكثر الأشخاص سعادة
لا ضير أن نحاول أحيانًا تقليد نمط حياة الأغنياء. ولا مانع أن نعيش تجارب سفر فاخرة مثلهم بين فترة وأخرى لأنها مصدر سعادة حقيقية!
أنس الرتوعي