صورة بابا الفاتيكان بألف كذبة

دعنا لا نصدق كل ما نراه ونسمعه من أول لحظة وننجرف مع المنجرفين، ولنتعلّم الاحتكام إلى الذكاء البشري ومهارة التشكيك في كشف الألف كذبة.

مثلي مثل كل الملايين على معمورة تويتر، مرّت عليّ صورة بابا الفاتيكان في معطف أبيض منتفخ أشبه بمعاطف الراقصين المصاحبين لريهانا في عرضها الموسيقيّ في نصف نهائي بطولة السوبر بول الأمريكية. ومثلي مثل الأغلبية الساحقة من تلك الملايين، لم يخطر لي ولو للحظة أنَّ الصورة كاذبة ومن توليد برنامج الذكاء الاصطناعي «مدجورني» (Midjourney).

ما إن انكشفت الخدعة، تعالت صيحات الفزع من عصر «الزيف المعلوماتي» الجديد الذي ستدخله البشرية من بابه العريض بكامل سرعتها ودونما كوابح. وبالتوازي ظهرت الرسالة المفتوحة التي وقّعها إيلون مسك مع شخصيات من كبار الباحثين تطالب بكبح تطوير منتجات الذكاء الاصطناعي الأقوى من (GPT4) لستة أشهر على الأقل، إلى أن نضمن الوصول إلى مرحلة الثقة في إيجابية مخرجاتها، وأنَّ مخاطرها تحت السيطرة. 

بل وأخذت الرسالة خطوة أكثر تطرفًا مطالبةً الحكومات «بالتدخل» في حال عدم انصياع كل المختبرات للإيقاف المؤقت. وعلى ما يبدو، فالحكومات لديها استعداد لخطوة كهذه، إذ قررت حكومة إيطاليا -ممثلة في هيئة حماية البيانات- حجب خدمة (GPT) للتحقيق في مدى قانونية جمع تلك النماذج اللغوية للبيانات في مراحل تدرّبها.

أعود هنا خطوة إلى الوراء، في محاولة لمعرفة لماذا انطلت عليّ وعلى الجميع صورة بابا الفاتيكان. الصورة لم يعرضها حسابٌ أتابعه، بل في التايم لاين الفوضوي الذي فرضه إيلون مسك علينا في تويتر (For You). وقبل أن تُظهر حنقك على جهلي، أعرف أنَّ بإمكاني تغيير التايم لاين إلى (Following)، لكني بكل بساطة لا أتذكر إجراء هذا التبديل كل مرة (وهذا ما يعتمد عليه مسك 😡).

وعلى خلاف أغلب الصور التي ينتجها البرنامج وتتداولها منصات تويتر وريدت وإنستقرام، لم تحمل صورة بابا الفاتيكان عنصرًا مخالفًا للمنطق. فهي ليست سلفي لنابليون بونابرت وجيشه، ولا هي لأوباما وميركل يتناولان الأيس كريم سويًّا في أجواء مراهقة رومانسية على شاطئ البحر. أما ما يخص عنصر «المعطف المنتفخ» فليس بهذه الغرابة المطلقة، أنا شخصيًّا لديّ معطف شبيه به باللون العنّابي، فما المانع الذوقيّ أو حتى الدينيّ من ارتداء بابا الفاتيكان مثيلًا له؟ 

العنصر الوحيد غير المنطقيّ في صورة بابا الفاتيكان، أن هذا التهويل منها يوحي وكأنما البشرية لم تعهد الزيف المعلوماتي من قبل. أليست منصات التواصل الاجتماعي بؤرة متقرّحة إلى يومنا هذا من الإشاعات وأنصاف الحقائق والفلاتر؟ ألم نعش حقبًا طويلة من الإعلام الموجّه في التلفاز والإذاعة والصحافة؟ ألم نؤمن لقرون أنَّ الأرض مسطحة (ولا يزال بيننا من يؤمن بهذا!) 

في كل تلك الحقب، تطلبت الحقيقة منّا التمهّل قبل التصديق؛ أي كما قالها ديكارت من قبل، حتى تصل اليقين، عليك أولًا أن تبدي الشك. فمثلًا، لو تمهّلنا لدقيقة ونظرنا إلى يد بابا الفاتيكان لعرفنا أنَّ الصورة زائفة (لسبب ما لا يتقن برنامج «مدجورني» حتى الآن رسمة يد الإنسان 🤷🏻‍♀️) وإذا تمهلنا واطلعنا على خلفيّة توقيع مسك على الرسالة المفتوحة، سنجد أنَّ وراء الرسالة مآرب أخرى تتعلق بمصلحته قبل مصلحة البشرية. 

ببساطة، دعنا لا نصدق كل ما نراه ونسمعه من أول لحظة وننجرف مع المنجرفين، ولنتعلّم الاحتكام إلى الذكاء البشري ومهارة التشكيك في كشف الألف كذبة.

التقنيةالذكاء الاصطناعيالمستقبلالرأي
نشرة أها!
نشرة أها!
منثمانيةثمانية

نشرة يومية تصاحب كوب قهوتك الصباحي. تغنيك عن التصفّح العشوائي لشبكات التواصل، وتختار لك من عوالم الإنترنت؛ لتبقيك قريبًا من المستجدات، بعيدًا عن جوالك بقية اليوم.

+460 متابع في آخر 7 أيام