تاريخ دور الأوبرا في الوطن العربي
لثقافة الفنية ليست أمرًا مستحدثًا في المنطقةِ العربية. فمن سوقِ عكاظ ظهر ملتقى شعراء العرب، إلى اسحاق الموصلي وتلميذه زرياب، وهنا نبحث دور الأوبرا في...
الثقافة الفنية ليست أمرًا مستحدثًا في المنطقةِ العربية. فمن سوقِ عكاظ ظهر ملتقى شعراء العرب، إلى اسحاق الموصلي وتلميذه زرياب، وصولًا لربابة القبائل البدوية، ومجسات أهل الحجاز، والغناء البحري على متن رحلات الغوص في الخليج. نرى تنوعًا فنيًا جميلًا لم نكتفِ بجماله بل قادنا نحو الاستزادة من الفنون الغربية حتى أصبحنا أصحاب ذائقة أوبراليه فريدة.
تُعرف الأوبرا بأنها إحدى الفنون الغربية العريقة. القائمة على الغناء والموسيقا والرقصات المسرحية. كما تُؤدى العروض الأوبراليه في مسرحٍ مصمم بمواصفات خاصة يسمى (دار الأوبرا)، يقوم بتوزيع الصوت بطريقةٍ متساوية تسمح للجالس في نهاية القاعة بسماع الصوت بوضوح كما لو كان في أولها. دون استخدام مكبراتٍ للصوت.
ولد الفن الأوبرالي في إيطاليا عام 1600 ميلادي، ولكنه لم يدخل العالم العربي حتى عام 1869، عبر دار الأوبرا المصرية (الخديوية). والتي كانت تعد أول دارٍ للأوبرا في أفريقيا والشرق الأوسط. وقد بُنيت بأمرٍ من الخديوي إسماعيل احتفالًا بإفتتاح قناة السويس. وأُديت فيها أوبرا عايدة الشهيرة التي كتبها الموسيقار فريدي.
بقيت دار الأوبرا المصرية وحيدة في العالم العربي حتى عام 2011. حيث تم افتتاح دار الأوبرا السلطانية في سلطنة عُمان على يد السلطان قابوس. لتصبح ثاني دار للأوبرا عربيًا والأولى خليجيًا. هذا الاهتمام المتزايد بالفن الأوبرالي في المنطقة العربية عامة والخليجية خاصة، جعلنا نشهد هذا العام افتتاح دارين للأوبرا في كلٍ من الكويت ودبي. اجتياح أوبرالي جعلني أتساءل عن حقيقة اهتمامنا بهذا الفن واستهواء أنفسنا به.
فمن الطبيعي أن تميل الشعوب لحب موسيقاها الخاصة لأنها تعبر عن واقعها. في حين أن الموسيقا السيمفونية والفن الأوبرالي لا يحاكينا. فهو عبارة عن دراما موسيقية تحوي مساحات غنائية حوارية تحكي قصصًا من واقع حياة الشعوب الغربية. وفي تصريح للموسيقار سليم سحاب رئيس دار أوبرا في جامعة مصر للعلوم والتقنية حول هذا الأمر، صرّح قائلًا:
“مشكلة الغناء الأوبرالي أنه مرتبط بالكلمة، وبالتالي لا يفهم الجمهور العربي ما يسمع. لذلك يفضّل فنوناً غير مرتبطة بالغناء والكلمة على غرار الباليه. الذي يستطيع عبره الاستمتاع بالحركات الراقصة والديكور”.
تصريحُ السيد سليم قد لا يوافق رأي الأغلبية. فبناءً لما تناقلته القنوات الإخبارية، فإنّه قد نفدَت تذاكرُ الحفلات الأوبرالية في دار أوبرا دبي منذ أيام الافتتاح الأولى. لتبرهن أن الشعب العربي قد يميل بطريقة ما إلى الفن الأوبرالي. فهناك من يُطرب لسماع الموسيقا الأوبرالية التي تعزفها الجوقات الموسيقية التابعة لهذه العروض دون الحاجة لفهم الكلمات.
فالموسيقا لغة عالمية لم يُعرف سر حبنا لها بعد. وهناك من هو معجب ببعض الفرق الاستعراضية الشهيرة والتي اعتاد على مشاهدة عروضها في دور الأوبرا العالمية حول العالم. فجاءته الفرصة للاستمتاع بها داخل وطنه.
وفي رد جاء من الدكتور عاطف إمام وهو عميد المعهد العالي للموسيقا العربية في القاهرة على سؤال وُجه إليه، حول الحاجة لوجود دورٍ للأوبرا أجاب: “إنّ وجود دار لفن الأوبرا يعد مسألة حتمية؛ لأنّ الأوبرا جنس من أجناس الفنون وعبقرية الشعوب تقاس بقوة الفنون فيها، اعتمادًا على أن كلمة « فن» تعني المقدرة العقلية والشعورية على الإبداع. عبر إعادة الصياغة والتشكيل لفكرة أو لموضوع أو لشيء ما، وحين نقول إعادة الصياغة معنى ذلك أن الطرح الجديد لابد أن يكون مضيفًا لما هو موجود في الواقع الموضوعي، مع الوضع في الحسبان ليس كل أو أية إضافة تعد فنًا. أي لابد أن تكون تلك الإضافة التي باستطاعتها تحريك الآخر ( الجمهور).”
لا شك في أن وجود دورٍ للأوبرا في المنطقة سيحدث اختلافًا واضحًا في الذائقة الموسيقية الخليجية. وأنا أقول اختلافًا وليس تطورًا، لإيماني المُطلق بنسبية الذائقة الموسيقية واختلافها من شخص لآخر. فما تُطرب لسماعه قد يكون ضوضاء مزعجة لغيرك. وحتى لو اتفقنا على رقي الفن الأوبرالي فهذا لا يمنع بقية الفنون الموسيقية العربية أن تكون بنفس الرقي. من وجهة نظر أصحابها على الأقل.
وفي السعودية ما زالت ثقافتنا الفنية محدودة ، فبلا دورٍ للسينما ولا مسارح مدعومة ولا مدارس موسيقية سوى تلك القابعة في المؤسسات العسكرية ،نرى أنفسنا متخلفين عن غيرنا في هذا المجال. مما يجعلنا نستقطب كل فن غربي مناسب كان أم لا، في محاولةٍ لسد هذا الفراغ الفني الذي نعيشه ، يقول الدكتور عاطف إمام: “لا خلاف على أن الأذن والعين بوصفهما حواس باستطاعتنا تشكيل ذائقتهما الفنية عبر التعود والمراس. فالأذن إذا ألفت نغمًا أو لحنًا رفيعًا لن تقبل الهابط من الموسيقا والعين كذلك. وعليه فإن ارتقاء الذائقة الفنية في أي شعب يرتبط بارتقاء الفنون فيه”.
ولعلنا نُعلق بعض الآمال على مبادرات وزارة الترفيه الجديدة والتي مازالت تخطو خطواتها ببطيءٍ واضح. وكأن لسان حالها يقول: لسنا على عُجالة.
اهتمام الدول العربية بالثقافة مؤخرًا وخصوصًا الفنية منها، يثبت إيماننا العرب أخيرًا بتأثير الفن على المجتمعات. فالتحول الذي عشناه من تاريخي عربي حافل بالفنون الجميلة المتنوعة إلى حاضر مليء بالنزاعات والحروب جعلنا في حاجة ماسة للفن الذي يُغذي أرواحنا، ويُهذب أنفسنا، ويُبعدنا عن مشاكلنا الاجتماعية والسياسة.