- «ها.. وش رايك بالشاورما؟»
- «ممتازة! ويقول الرافعي: “سعار الجوع هو الذي يجعل في الطعام من المادة طعامًا آخر من الروح.”»
يُخيّل إليَّ أن هناك من لا يستطيع إبداء رأي أو عرض فكرة أو طرح حجة دون أن يجد لها أصلًا في التاريخ، أو مجرد ذكر لها في أي مدونة سابقة، وكأنَّ للأسبقية الزمنية أسبقية معرفية أيضًا.
قد يكون للأمر علاقة بالعقلية السلفية المتجذرة فينا نحن المسلمين، ويبدو أن البعض «مطَّ» الخط حتى بات كل حاضر بلا قيمة ما دام لا يدعمه أي قول من السلف إجمالًا، وليس فقط السلف الصالح. ولذلك من المحظور معرفيًّا أن يعلل صديقنا إعجابه بالشاورما لوجود الصوص المفضل له فيه، فالصوص لا وجود له في التاريخ.. لحظة، ربما له وجود في كتاب «الطبيخ لابن سيار الوراق»!
الأمر ذاته عندما يريد أن يحاجج أحدنا على أهمية الرياضة. إذ بوسعه أن يلجأ إلى تجاربه الخاصة وأثرها في صحته البدنية والنفسية، ويدلل على ذلك بانخفاض وزنه أو معدلات السكر والكوليسترول، ولعله يدعم حجته بالأبحاث العلمية. ولكن، أليس غريبًا أن يدعم حجته -مثلًا- بحديث الرسول صلى الله عليه وسلَّم ومسابقته للسيدة عائشة؟
قد يرى البعض في ذلك حجة داعمة لأفرادٍ مسلمين، يرون في الرسول الكريم صورة الفرد الكامل والقدوة لهم، لكن ماذا عن الاستدلال بأقوال الجاحظ والرافعي وغيرهما؟ لماذا يكون رأيهم، في حد ذاته، حجة؟ هل الأسبقية الزمنية كافية لجعل الكاتب رمزًا، وقوله حجة؟
ومثل ذلك من يحاجج بصحة رأي ما فقط لأن الفراعنة -مثلًا- قالوا به دون ذكر أي سياق تاريخي لذلك. لعل ذلك يفسر الكم الهائل من المقالات التي لا تناقش فكرة حاضرة إلا عبر استرجاع تاريخها الكامل!
هنا يظهر إشكالان، أولهما: ربط الحدث الحاضر بالماضي كما لو كان امتدادًا أو نتيجة له. ومثاله: أن يعود أحدهم، بهدف دراسة سلوكيات ممارسي الرياضة اليوم، إلى الرياضة عند قدامى اليونانيين، ومحاولة إيجاد ترابط يمكّنه من استنباط النتائج، دون الأخذ بالحسبان كل التفاصيل الجوهرية الأخرى بين الحالتين. إنما يختزل الفكرتين بما يكفي لربطهما، والوصول إلى النتيجة المرغوبة سلفًا.
الإشكال الآخر: عبثية هذه العملية إجمالًا، والسبب وجودُ معظم الآراء في مختلف المدونات السابقة. إذ يستطيع كل صاحب رأي التنقيب في تراثنا الضخم جدًّا، والاستدلال بقول أحدهم، ثم يُتبعه بأسطر بلاغية تفيد موافقتَه رأيَه. الأمر أشبه بما يقوم به ممارسو العلوم الزائفة من التوكيد عوض التخطئة في مناقشة الآراء. أي ما دام ثمة تلازمٌ بين فكرتين دون وجود سببيّة، سنجد المحاجج يرد إحداها إلى الأخرى دون محاولة لتخطئة الفكرة ومناقشتها، بل فقط توكيدها.
والأمثلة كثيرة على من يمارس هذه العملية العقيمة معرفيًّا. فهناك من يعلل ظواهر يومية تفصيلية كطريقة ارتداء الناس الملابسَ اليوم، أو من يحاول الحط من قدر المرأة وغيرها، استنادًا لرأي بلاغيين من هنا أو هناك.
مثل هؤلاء لا ينتجون معرفة، وأقصى ما يستطيعون تقديمه تدوير الأفكار بشكل مضلل، والأسوأ لَيُّ معاني هذه النصوص لخصومات شخصية.
مقالات أخرى من نشرة أها!
لا تكتب بلغة «بطتنا بطّت بطتكم»
كلما زاد مستوى تعليم الشخص، زاد الحشو الذي يستخدمه في الكتابة، ولعل ذلك يفسّر كثرة الزوائد بالأبحاث العلمية.
رويحة عبدالربحرية الاختيار لا تسهّل اتخاذ القرار
كثرة الخيارات على الإنترنت في ظل تلاشي القيود قد تؤدي إلى حيرة في اتخاذ قرارات كانت أسهل مع وجود خيارات أقل.
رويحة عبدالربهل يجب أن يفيدك التعليم في وظيفتك؟
من شأن تعليمٍ في الآداب أن يكون «استثمارًا» ذاتيًا. فمهارات التفكير النقدي والاطلاع الواسع التي سأكتسبها تعود إيجابيًّا على أدائي الوظيفي.
حسين الإسماعيلتك توك رجل المبيعات الخارق
قوة التسويق الاجتماعي في تك توك تتجلّى مع الأغراض الحاضرة في ركن عادي من مشاهداتنا الواقعية، لتتحوّل فجأة إلى المنتج الذي يود الجميع شراءه.
ياسمين عبداللهأشتهي طبق فول بالبستاشيو
غيَّر الإنترنت، وإنستقرام بالذات، من علاقتنا مع الطعام. فمع هوسنا بالتصوير، تحوَّل الطعام إلى نوع من الفنون البصرية التي تمتِّع الناظرين.
ثمود بن محفوظشهادتك الجامعية لا تنفعك
تروِّج الكثير من منصات التعليم التقنية إلى قيمة شهادتها العالية في التوظيف مقارنةً بالشهادة الجامعية، والمشكلة أنَّ ترويجها قد يكون صحيحًا.
ثمود بن محفوظ