جوّالك الغبي صديقك المستقبليّ؟

الحنين للهواتف الغبية ولزمن كان فيه الجوال للتواصل المحدد، قد يكون محاولة لاشعورية منّا للتعافي من إدمان مواقع التواصل الاجتماعي.

أشعر بين فينة وأخرى بحاجة إلى اعتزال مواقع التواصل الاجتماعي للأبد، والعودة لزمن ما قبل الآيفون؛ حين كان التواصل يعتمد على الهواتف النقالة العادية. في الواقع ما زلت أمتلك جوالًا قديمًا أبقيت عليه للونه الوردي الدافئ، وربما لأنني تخيلتني قد أحتاج في يوم إلى مخرَج مستقبليّ من الضوضاءَ التقنية. 

لستُ وحدي؛ إذ يشاركني هذا الشعور الكثيرون ممن فكروا بالعودة لاستخدام الجوالات الغبية. فهناك إحصائية تقول بأن شخصًا من عشرة في بريطانيا يستخدم هاتفًا غبيًّا، كما يذكر تقرير أن مقدار شراء الهواتف الغبية ارتفع من 400 مليون في 2019 إلى مليار هاتف نقال في 2022. 

وبينما وجد البعض استحالةً في التكيف بعد أسبوعين، وعادوا بسرعة البرق وبامتنان واشتياق كبيرين لهاتفهم الذكي، ارتاح آخرون لهاتفهم الغبي، وقرروا أن يستمر تواصلهم مع العالم من خلال الرسائل النصية والمكالمات الصوتية. إذ اكتشفوا أنهم أصبحوا أكثر إنتاجية وحضورًا في حياتهم، بلا تشتيت إشعارات مواقع التواصل الاجتماعي.

أتصفح جوالي مرات لانهائية وبحركات تلقائية تمامًا طوال اليوم. في البداية كنت أتخيل أن السبب إشعارات التطبيقات، ثم اكتشفت أني أتصفحه أغلب الوقت بدافع الملل والعادة، أو لتعلقي مشاعريًّا بالعالم الذي يدور في جوالي. لكن هذا الانتباه الذي يعيرني إياه المتابعون والأصدقاء في تويتر، والتفاعل الذي أمنحه لهم أيضًا، تلك المحبة الرقمية -وإن كانت صافية وحقيقية- تضعنا تحت سطوتها دون أن نشعر.

الحنين للهواتف الغبية ولزمن كان فيه الجوال للتواصل المحدد، قد يكون محاولة لاشعورية منّا للتعافي من إدمان مواقع التواصل الاجتماعي التي عززت من شعورنا بالوحدة، بل وحتى النبذ إن فوجئنا عند تصفحنا انستقرام وسناب شات بأننا لم نُدعَ لجَمعَة الأصدقاء الأخيرة.

ربما هذا ما دفع جو هوليير وكاي وي تانق لاختراع وتصميم «ذَ لايت فون» (The Light Phone)، هاتف نقال بمميزات مثل البودكاست وبتطبيق خرائط بدائي مقارنة بخرائط قوقل، وبلا تطبيقات تواصل اجتماعي تسلب انتباه الإنسان من حياته. هذا الهاتف يبدو وكأنه جاء تنفيذًا لفلسفة «البساطة الإلكترونية» (Digital Minimalism)، لكن التجربة أثبتت أنه ليس حلًّا مناسبًا يتماشى مع هذا العصر.

ربما هناك منطقة وسطى بين الاستمتاع بمزايا التقنية وتفادي التشتيت الناتج عن وجود جوالي بالقرب مني. أتخيل أن المشي أو الذهاب للنادي الرياضي ساعة يوميًّا بلا جوال قد يساعد، كما أن التقليل من التطبيقات التي يمكن تصفحها في أي وقت من الحاسوب قد يحقق ذلك. أو ربما عليَّ ببساطة تقبّل أن البقاء متصلة باستمرار هو سمة هذا العصر، وأن أستمتع بسهولة الوصول المتاحة لي، لكن مع الحرص على ترشيد استهلاكه.

الإنسانجوالاتوسائل التواصل الاجتماعيالرأي
نشرة أها!
نشرة أها!
يومية، من الأحد إلى الخميس منثمانيةثمانية

نشرة يومية تصاحب كوب قهوتك الصباحي. تغنيك عن التصفّح العشوائي لشبكات التواصل، وتختار لك من عوالم الإنترنت؛ لتبقيك قريبًا من المستجدات، بعيدًا عن جوالك بقية اليوم.

+80 متابع في آخر 7 أيام