لم يكن ميسي وحده من جلب المجد للأرجنتين
لكل لاعب في قائمة الأرجنتين قصة، ولولا تلك القصص ما كانت القصة الكبرى التي انتهت بتتويج الأرجنتين بالكأس الأغلى.
انتهت كأس العالم قطر 2022 بتتويج الأرجنتين في مشهد عاطفي تمامًا. رفع ميسي الكأس مرتديًا «البشت»، ثم حُمل على الأعناق احتفالًا رفقة الجماهير، وسهرت بوينس آيرس حتى الصباح. وكأن تلك الكأس امتنعت عن ميسي طوال تلك السنوات حتى يكون مشهد التتويج الأخير بكل هذا الكمال.
ستروي الحكايات عن البطل ميسي الذي انتصر في النهاية وجلب المجد للأرجنتين، لكن الأمر لم يتعلق بميسي وحده. كان هناك لاعبون آخرون يبكون غير مصدقين أنفسهم أنهم جلبوا المجد لوطنهم وعائلاتهم، كانت هناك أساطير أخرى فوق أرض الملعب بخلاف ميسي يستحقون ألّا يغفل التاريخ أسماءهم.
سيتحدث الجميع سنواتٍ عن ميسي، لكننا سنتحدث اليوم عن ثلاثة فقط من هؤلاء الآخرين.
إيمليانو مارتينيز.. «عائلةٌ فخورٌ»
ماذا لو قلت لك إن الأرجنتين فازت بكأس العالم بفضل لاعب فرنسي؟ ماذا لو أضفت أنه لم ينضم لمنتخب فرنسا الأول من قبل أبدًا. يُدعى هذا اللاعب نيال موباي، كل ما فعله أنه تسبب في إصابة بيرند لينو حارس أرسنال الأساسي عام 2020.
اضطر فريق أرسنال أن يلجأ إلى الحارس البديل، هذا المجهول الأرجنتيني الذي يُدعى إيمليانو مارتينيز، هو ذاته الرجل الذي سيصبح أفضل حارس في كأس العالم بعد أقل من سنتين، إذ لعب دور البطولة في أكثر الأوقات صعوبة؛ أمام هولندا في ثمن النهائي ثم أمام فرنسا في مباراة التتويج.
يتذكر مارتينيز جيدًا أنه كان يأكل رفقة أخيه، في حين أن والديه يحرمان نفسهما الطعام. يتذكر بكاء أمه كي لا يذهب بعيدًا فور علمها بحصوله على عقد احتراف في إنقلترا، لكنه في الليل سمع بكاء أبيه، لأنه لا يستطيع أن يدفع الفواتير، قرر حينئذٍ أنه سيذهب ويجعلهم فخورين به للأبد.
ظل مارتينيز أعوامًا ينتظر الفرصة في نادي أرسنال، وعندما حصل عليها أقسم ألا تضيع منه أبدًا. غادر أرسنال حتى لا يعود لدكة الاحتياط، فهناك وعدٌ قطعه على نفسه ومجد ينتظره. حضر كأس العالم 2018 من المدرجات وأخبر أخاه أنه سيكون ضمن صفوف الأرجنتين في الكأس القادمة. فعلها إيمليانو وعاد من قطر بقفاز ذهبي وكأس عالم وعائلةٍ فخورٍ.
إنزو فرنانديز.. «اِلعب من أجل المتعة»
قبل ست سنوات، قرر ميسي الاعتزال دوليًّا بعد أن فشلت الأرجنتين في تحقيق لقب أمريكا الجنوبية، وضاقت الجماهير ذرعًا بميسي الذي لم يحقق لهم أي لقب بالقميص السماوي. لكن هناك طفلًا كان أكثر حكمة من البقية يُدعى إنزو فرنانديز.
اِلعب من أجل المتعة، لأنه عندما تستمتع، ليس لديك أي فكرة عن مقدار المتعة التي نحظى بها. شكرًا لك.
هذا نص الرسالة التي كتبها إنزو لميسي عبر موقع فيسبوك لكي يثنيه عن قرار الاعتزال. علم إنزو أن حديثه هذا لن يصل إلى ميسي بالطبع، فكر إنزو يومئذٍ أنه إذا عدل ميسي عن قرار الاعتزال هذا فلن يدخر جهدًا حتى يتمكن من مساعدة ميسي بنفسه في تحقيق ألقاب تضعه في قلوب الأرجنتينيين. حلم يليق بطفل لكنه تحقق.
استطاع إنزو الصغير أن يجذب انتباه المدرب سكالوني، وشارك في فوز الأرجنتين وميسي بلقب قاري أخيرًا؛ وهو الكوبا عام 2021، ثم وقف بجوار ميسي في آخر لقطات كأس العالم بعد فوزه بلقب أفضل لاعب صاعد في قطر 2022.
قبل شهور من الآن لم يكن اسم إنزو معروفًا خارج الأرجنتين، لكنه تألق رفقة نادي «ريفر بليت» الأرجنتيني، ثم ارتدى قميص «بنفيكا» البرتغالي هذا العام، ومرشح أن يكون صفقة مدريد القادمة. لديه ابنة صغيرة من حبيبة طفولته، ويشتهر بمستوى نضج يتعارض مع صغر سنه. قرر إنزو أن يوجه رسالته الخاصة لميسي وجهًا لوجه، فصنعوا المجد معًا للأرجنتين بأكملها.
ماك أليستر.. «الأيرلندي»
بدأت القصة في أوائل القرن التاسع عشر، عندما قرر اثنان من الكهنة نقل العديد من السكان الأيرلنديين المفلسين إلى الأرجنتين، حيث كانت الأرض الثمينة متاحة والكثير من العمل ينتظر المزارعين الأيرلنديين.
هكذا يمكنك تفسير وجود رجل أيرلندي أحمر الشعر في وسط ملعب الأرجنتين يُدعى أليكسيس ماك أليستر. المثير هنا أنه لولا قرار فيفا برفع الحد الأقصى لعدد لاعبي المنتخبات في قطر من ثلاثة وعشرين لاعبًا إلى ستة وعشرين لم نكن لنرى أليكسيس بقميص الأرجنتين، بل يمكننا القول ببساطة أن الأرجنتين لم تكن لتتوج بالكأس أبدًا. كان دور ماك أليستر محوريًّا للغاية، والأهم أن زملاءه في الفريق سيتوقفون عن مضايقته بسبب أصوله وشعره الأحمر، وخصوصًا بعد أن أثبت للجميع أنه أرجنتيني أكثر من الجميع.
اكتفينا هنا بثلاث قصص، لكن لكل لاعب في قائمة الأرجنتين قصة، ولولا تلك القصص ما كانت القصة الكبرى التي انتهت بتتويج الأرجنتين بالكأس الأغلى. إذا كنت قد قررت الاحتفاظ بصورة ميسي رافعًا كأس العالم لتخليد قصته للأبد، فمن المؤكد أن صورة الفريق كله محتفلًا بالبطولة تخليدٌ لعشرات القصص التي لا تقل أهميةً عن قصة ميسي أبدًا.