عندما أوقعتنا قرعة كأس العالم في قطر 2022 مع ميسي ورفاقه، ظننت أني سأسمع «لَنْجَرْتين» كثيرًا في تحليلات محنّكي المجالس والديوانيات، إلا أني لم أسمع أحدًا يقولها، بل بدا لي أن تلك الكلمة اندثرت كليًّا.
ليس مفردة «لنجرتين» وحدها ما اندثر، بل معجم بأكمله تلاشى مع ابتعاد الأجيال السابقة عن المشهد وإحلال أخرى مكانها. وإن كنت لا تزال تتساءل، «لنجرتين» هي الأرجنتين كما ينطقها من هم اليوم في الأربعين وما فوق.
أنتمي إلى جيل كان يقضي بعض عصرياته في مطالعة فريق الحي على الملاعب الترابية، فتجد نفسك بجوار بعض من كبار السن وآخرين يكبرونك بأعوام وبعض الأطفال أيضًا. وفي هذه التظاهرة الاجتماعية، تتشابك المعاجم الكروية للأجيال التي أنتجها التعاطي المختلف مع اللعبة.
على سبيل المثال، يستحيل ألا تسمع التعليق الكلاسيكي على تسديدة متقنة: «لو في الشبك جول!» هذه العبارة ليست من اختراع قائلها، بل هي تعبير يرسم حدود ثقافية زمانية ومكانية ارتبطت بأبناء المنطقة وأحد أجيالها، تعبيرٌ لا يُسمع إلا في ملاعب الحواري.
تسمع في المقابل عبارات مختلفة من كبار السن في معرض تحليلاتهم للمباراة، إذ يقول أحدهم متذمرًا حين يتلقى فريقه هدفًا: «إذا ما تلبّس يلبسوا فيك..» قاصدًا القول أنَّ من يضيّع الفرص السهلة يستقبل الأهداف.
تبدلت هذه العبارات مع ظهور الاستديوهات التحليلية المتلفزة. فأصبحت هي المصدر المشترك والوحيد في تكوين المعاجم الكروية، وساهمت في طمس هذا الاختلاف الثقافي في التناول الرياضي، ليستخدم الجيل التالي لغة أكثر تشابهًا وأكثر بلاغة.
والجميع أصبح يصدر أحكامه الفنية على صورة: «العب 4-4-3 مشّي لعب!» حتى لو لم يعنِ ذلك شيئًا. فكانت هذه مرحلة الإغراق في «التحليل النوعي»، أي التحليل القائم على مراقبة اللعب وتقديم قراءات فنية ذاتية غير قابلة للقياس.
اليوم، ونحن نشهد ثورة الذكاء الاصطناعي في كأس العالم، أتساءل كيف سيصبح المعجم الكروي عند الأجيال القادمة. إذ يكاد لا يوجد نادٍ رياضي غير متعاقد مع شركة مختصة لجمع البيانات التفصيلية لكل مباراة، ولا يخلُ من فريق مختص في تحليل هذه الأرقام واستنطاقها.
فعصر التحليل النوعي في طريقه للاندثار، ليحل محله «التحليل الكمي»، حيث كل لاعب وكل مباراة سلسلةٌ لا منتهية من الأرقام والرسوم البيانية. فهل سيشمل المعجم الكروي في المستقبل عبارات من قبيل: «أشرك اللاعب الفلاني، فنسبة تسجيله للرأسيات من الزاوية اليمنى 72%»؟ ربما.
قد لا يجد المحنكون مكانًا لهم في المستقبل ليثروا المجلس بتحليلاتهم وتصريحاتهم، فالأمر أصبح حكرًا على المختصين، وبغيابهم سنخسر جزءًا من المتعة. ولكن أيضًا، قد لا يكون جيل المحنكين حينها موجودًا أساسًا.
مقالات أخرى من نشرة أها!
هل علاقتنا بالطعام تُقاس بالسّعرات؟
مئة سعرة حرارية من تفاحتين تحتوي على ألياف وفيتامينات، بينما المئة نفسها من مشروب غازٍ لا تحتوي على أية قيمة سوى الماء والسكّر.
رويحة عبدالربما شكل المكتب الذي تعمل عليه؟
سواء كنتَ متخفّفًا في تنظيم مكتبك، أو شغوفًا بتطوير مكتبك بأحدث الأدوات، فالعبرة أن تؤدي عملك بإحسان كما يفعل البطل دوق فليد!
أنس الرتوعيهل ستكون من القلّة في 2023؟
أؤمن أنَّ قارئ هذه السطور سيكون ممن يقولون «لا»، لأن لولاها لكنتَ مستغرقًا اللحظة في تصفح التواصل الاجتماعي دون هدف.
أحمد مشرفالجديّون هم الخاسرون في كأس العالم
أدعوكم أيها الجديّون إلى متابعة مباريات كأس العالم، ولا تقلقوا، فأنتم لستم بحاجة لفعل أي شيء سوى الجلوس والاستمتاع بالمشاهدة.
أنس الرتوعيالكاش السيء ومستقبل البتكوين
قد تظن خيار التعامل بالكاش أمرًا اعتياديًّا. لكن في الواقع، اعتماد سكان دولة على الكاش في الدفع يعكس ملمحًا سلبيًّا عن اقتصادها.
تركي القحطانيجرّبت “التقديم الغاضب” على وظيفة جديدة؟
مهما تعددت الأسباب، يشترك الجميع بالوصول إلى نقطة انهيار، يقررون فيها التقدم إلى عشرات أو مئات الوظائف لتخليص أنفسهم من شركاتهم.
سحر الهاشمي