ستصوّر الجريمة ولن تنقذ الضحيّة

إن كنت تستنكر تصوير الناس جريمة في الشارع بجوالاتهم بدلًا من إنقاذهم الضحية، فثمة أسباب ستدفعك للتصرف تمامًا مثلهم.

متفرّج عاجز عن المساعدة / ImranCreative

أهلًا بك صديقًا لنا،

وصلتك الآن رسالتنا الأولى على بريدك الإلكتروني.

إذا لم تجدها ابحث في رسائل السبام وتأكد من اتباع الخطوات التالية في حسابك على خدمة بريد «Gmail» حتى تُحررها من التراكم في فيض الرسائل المزعجة.

* تعبّر النشرات البريدية عن آراء كتّابها، ولا تمثل رأي ثمانية.
2 أغسطس، 2022

مثلك أنت، ظهر لي فيديو جريمة قتل نيّرة، أولًا في تويتر، ثم في تك توك. لا أذكر كم مرة ظهر، لكن بما يكفي حتى تتنمّل مشاعري تجاهه بعد هول المرة الأولى. على الأرجح تنمّلت مشاعرك أنت أيضًا، والسؤال ذاته الذي خطر لي خطر لك: لماذا لم يفعل الناس الكثر في الشارع شيئًا لإنقاذ الضحيّة، لماذا اكتفوا بتصوير جريمة قتلها بجوالاتهم؟ 

إن بحثت في الإنترنت عن الإجابة، كما فعلت أنا، ستلخّص الجواب في ثلاثة أسباب؛ أولها ظاهرة نفسيّة تسبق بكثير وجود الجوّالات: «تأثير لامبالاة المتفرج» (Bystander Apathy). إن وقعت جريمة في الشارع أمام عينيك، ووجدت نفسك ضمن جمع من الناس، فستتوقع، على الأغلب، من فرد آخر التدخل، مما سيبطئ ردة فعلك. 

وسيتضاعف تأثير اللامبالاة، إن كنت تحمل تصوّرًا منحازًا في لاوعيك بأنَّ الضحية، التي لا تعرفها، لا بد ارتكبت ما يستحق العنف الموجّه لها، حتى وهي تُنحر أمامك. والآن تخيّل لو كل شخص في الحشد راوده التوقّع والتصوّر نفسهما.

هنا عرفنا لماذا على الأرجح لن نفعل أنا وأنت شيئًا لإنقاذ الضحية، لكن لماذا نصوّر؟ 

هناك سببان، أولهما ورغم وحشيّته، فإنك تعرفه في صميمك: «إثارة التوثيق» (the thrill of documenting). فوفقًا للبروفيسورة في علم النفس، د. دورا قرينوود، فقد تشكّل لدينا في عصر التواصل الاجتماعي احتياجٌ غريزيّ إلى مشاركة مقاطع مثيرة في حساباتنا، بصرف النظر عن فظاعتها، ليس لغرض إلا نيل الاهتمام.  

ماذا لو لم يغلب الاحتياج الغريزيّ لنيل الاهتمام بوصلتك الأخلاقية؟ كنت ستصوّر أيضًا. 

خوفك الغريزيّ من تلقّي الأذى، سيدفعك إلى مساعدة الضحيّة بتحقيق العدالة والقصاص من قاتلها، حتى قبل أن تُقتَل؛ وخير ضمان لذلك توثيق تفاصيل القتل بالفيديو. 

هنا من الضروري أن أشير إلى ظاهرة عقلية تسبّب بها اعتمادنا على جوالاتنا في توثيق يومياتنا، ظاهرة «النسيان الرقميّ» (Digital Amnesia). فنحن عوَّدنا «أسلاكنا العصبية» على تخزين الذاكرة خارج أدمغتنا، لهذا ردة فعل جهازك العصبيّ، أمام حدث جلل، رفعُ يدك حاملًا جوّالك. دماغك ببساطة يحاول أن يتذكّر. 

مثلك أنت، لم أستطع منع نفسي من التفكّر بفضل الفيديو، أيًّا كانت أسباب تصويره، في تحقيق العدالة والاقتصاص سريعًا من قاتل نيّرة. ربما ستخفف هذه الفكرة شعورنا بالذنب إن شهدنا يومًا جريمة ضمن حشدٍ من الناس، واكتفينا أنا وأنت برفع جوّالاتنا.

كاتبة ومترجمة


مقالات أخرى من نشرة أها!
8 أغسطس، 2023

لماذا تستفز مقاطع رقص الأعراس الجماهير؟

آخر ما تحتاج إليه حفلات الزفاف استثارة الجماهير العريضة، وأشد ما تحتاج إليه أن تظل الفرحة محدودة بمن حضر ورقص.

سحر الهاشمي
31 يناير، 2023

كيف تثري ألعاب الفيديو حصيلتي اللغوية

نظرًا إلى جهلي بأي لغة عدا العربية، لم تكن اللغة التي ألعب بها مهمة جدًا، وكانت الأولوية للاستمتاع وليس لمعرفة تفاصيل قصة اللعبة وخياراتها.

حسين الإسماعيل
26 يناير، 2023

تمثيل القطيفي في سطار

عند تناول موضوعاتنا الثقافية، علينا النظر فيها برويّة أكبر وفهمها بشكل أوسع، عوض استخدام ذائقتنا المحضة لقياس ما يليق وما لا يليق.

حسين الضو
20 سبتمبر، 2023

لا تنخدع بفوبو الذكاء الاصطناعي

هكذا هو الذكاء الاصطناعي، اختراع جديد مثل الكمبيوتر الذي توغل فجأة في حياتنا، ثم أصبح شرطًا للقبول الوظيفي بوصفه «لغة العصر».

ياسمين عبدالله
10 يوليو، 2023

عش رحلتك بعيدًا عن الاكتظاظ السياحي!

إذا وجدتَ معلمًا جميلًا لم تصله رؤوس السيّاح بعد فإياك تشاركه في مقاطع الترشيحات، حتى يتسنى لك الاستمتاع به مرة أخرى بعيدًا عن الزحمة! 

محمود عصام
8 مايو، 2023

الذكاء الاصطناعي مثالي، لكن هل هو مبدع؟

النجاح الإبداعي لا يتطلب أن يكون كاملًا، بل من الممكن أن يكون جزئيًا في بعض الأحيان. وهذا أفضل من الاستسلام الذي سيقبل به الذكاء الاصطناعي.

أنس الرتوعي