مثلك أنت، ظهر لي فيديو جريمة قتل نيّرة، أولًا في تويتر، ثم في تك توك. لا أذكر كم مرة ظهر، لكن بما يكفي حتى تتنمّل مشاعري تجاهه بعد هول المرة الأولى. على الأرجح تنمّلت مشاعرك أنت أيضًا، والسؤال ذاته الذي خطر لي خطر لك: لماذا لم يفعل الناس الكثر في الشارع شيئًا لإنقاذ الضحيّة، لماذا اكتفوا بتصوير جريمة قتلها بجوالاتهم؟
إن بحثت في الإنترنت عن الإجابة، كما فعلت أنا، ستلخّص الجواب في ثلاثة أسباب؛ أولها ظاهرة نفسيّة تسبق بكثير وجود الجوّالات: «تأثير لامبالاة المتفرج» (Bystander Apathy). إن وقعت جريمة في الشارع أمام عينيك، ووجدت نفسك ضمن جمع من الناس، فستتوقع، على الأغلب، من فرد آخر التدخل، مما سيبطئ ردة فعلك.
وسيتضاعف تأثير اللامبالاة، إن كنت تحمل تصوّرًا منحازًا في لاوعيك بأنَّ الضحية، التي لا تعرفها، لا بد ارتكبت ما يستحق العنف الموجّه لها، حتى وهي تُنحر أمامك. والآن تخيّل لو كل شخص في الحشد راوده التوقّع والتصوّر نفسهما.
هنا عرفنا لماذا على الأرجح لن نفعل أنا وأنت شيئًا لإنقاذ الضحية، لكن لماذا نصوّر؟
هناك سببان، أولهما ورغم وحشيّته، فإنك تعرفه في صميمك: «إثارة التوثيق» (the thrill of documenting). فوفقًا للبروفيسورة في علم النفس، د. دورا قرينوود، فقد تشكّل لدينا في عصر التواصل الاجتماعي احتياجٌ غريزيّ إلى مشاركة مقاطع مثيرة في حساباتنا، بصرف النظر عن فظاعتها، ليس لغرض إلا نيل الاهتمام.
ماذا لو لم يغلب الاحتياج الغريزيّ لنيل الاهتمام بوصلتك الأخلاقية؟ كنت ستصوّر أيضًا.
خوفك الغريزيّ من تلقّي الأذى، سيدفعك إلى مساعدة الضحيّة بتحقيق العدالة والقصاص من قاتلها، حتى قبل أن تُقتَل؛ وخير ضمان لذلك توثيق تفاصيل القتل بالفيديو.
هنا من الضروري أن أشير إلى ظاهرة عقلية تسبّب بها اعتمادنا على جوالاتنا في توثيق يومياتنا، ظاهرة «النسيان الرقميّ» (Digital Amnesia). فنحن عوَّدنا «أسلاكنا العصبية» على تخزين الذاكرة خارج أدمغتنا، لهذا ردة فعل جهازك العصبيّ، أمام حدث جلل، رفعُ يدك حاملًا جوّالك. دماغك ببساطة يحاول أن يتذكّر.
مثلك أنت، لم أستطع منع نفسي من التفكّر بفضل الفيديو، أيًّا كانت أسباب تصويره، في تحقيق العدالة والاقتصاص سريعًا من قاتل نيّرة. ربما ستخفف هذه الفكرة شعورنا بالذنب إن شهدنا يومًا جريمة ضمن حشدٍ من الناس، واكتفينا أنا وأنت برفع جوّالاتنا.
مقالات أخرى من نشرة أها!
من عدنان ولينا إلى ماشا والدب
بضغطة زر، يستطيع ابني مشاهدة كل ما يشاء تقريبًا في أي وقت دون الحاجة لانتظار الحلقة القادمة، بل دونما خوف من فوات أي حلقة كذلك.
حسين الإسماعيلهل تتذكّر شعور الدهشة؟
استحضار الدهشة سيغدو أصعب وأصعب. فماذا لو أصبح بمقدور التقنية أن تشاركك رائحة عطرٍ ما في إعلاناتها؟ أو مذاق طبق في صفحة المطعم؟
فيصل الغامديما شكل المكتب الذي تعمل عليه؟
سواء كنتَ متخفّفًا في تنظيم مكتبك، أو شغوفًا بتطوير مكتبك بأحدث الأدوات، فالعبرة أن تؤدي عملك بإحسان كما يفعل البطل دوق فليد!
أنس الرتوعينتفلكس لن تختار لك جلباب أبي
تستخدم منصات البث العديد من الخوارزميات التي تحلل حركتنا داخل التطبيق، ومع الوقت تبني لنا أذواقنا عبر اقتراحها ما يجب أن نشاهده.
أنس الرتوعيكم دقيقة تضيعها على جوالك؟
نعتقد أن الصباح سيكون طويلًا بما يكفي للقيام بكل ما نريد، فنستسهل الدقائق العشر المصروفة على الجوال والتي في الواقع تمتد إلى ساعات متفرقة.
أحمد مشرفإلى متى ستواصل الدراما تقبيح الحجاب واللحية؟
أن يتحول الالتزام على الشاشة إلى سمات خنوع وفقر وشر مؤكدة، هذا يوجب أن تراجع الدراما العربية نفسها، وأن تقدم نماذج واقعية.
ياسمين عبدالله