أتذكّر سماعي لمصطلح «التجلّي» (manifesting) لأول مرة؛ كان في أثناء نقاشات زميلاتي في العمل عن «إطلاق النوايا» استعدادًا لاجتماع معقّد ومصيريّ. في البداية استغربت هذا المفهوم، إذ بدا من خارج مجتمعنا العربي.
بحثتُ في قوقل عن دلالات كلمة «التجلّي»، ووجدتها تختلف حسب الزمان والمكان. تبدأ مع تعريفها المعجمّي بمعنى الانكشاف والاتّضاح، مرورًا بالتجلّي في الصوفية عند ابن عربي، إلى أشهر كتب تطوير الذات وأعلاها مبيعًا، والمحرّك الأكبر وراء توجهات «التجلّي» ألا وهو كتاب «السر» (The Secret).
فمعنى «التجلّي» الذي رسّخه كتاب «السر» أنّك ستجذب أي شيء تريده من الكون إن التزمت فقط بطاقة التفكير الإيجابي. وسرعان ما وجد هذا المعنى مكانه في خطاب مشاهير العالم مثل أوبرا وينفري حيث تصف نفسها بـ«المتجليّة العظيمة» (I’m a powerful manifestor) وجعلت من التجلّي سببًا رئيسًا لنجاحها.
وبطبيعة الحال، وجد المفهوم طريقه إلى خطابنا الإنترنتيّ في منصات البودكاست واليوتيوب والتواصل الاجتماعي، آخرها مقاطع تك توك حيث اكتسب المفهوم دلالة جديدة. وتدّعي بعض تلك المقاطع بأن أمنياتك ستتجلى بمجرد تفاعلك مع المحتوى، في حين تسخر مقاطع أخرى من هذا التجلي الزائف؛ حيث أصبحت العبارة «أصمت، أنا أتجلَّى» (shut up, I’m manifesting) من أشهر ميمز لعام 2020.
لكن رغم السخرية، نجد موضة «التجلّي» رائجة لدينا، ومكسبًا لبعض المدربين في جذب المتابعين عبر منصاتهم، حيث تكلّف دورات قانون الجذب والطاقة مبالغ قد تصل للآلاف. قد تستهجن تصديق البعض تلك الدورات، لكنّها تقدم بصيص أمل لمن يعاني من تحديات في حياته، ويشعر بالعجز تجاه ما يحصل حوله.
فنحن حين نعجز عن إحداث أي تغيير حقيقي في محيطنا، تصبح المفاهيم مثل «التجلّي» وسيلة سهلة نملك فيها مطلق السيطرة على تحقيق ما نريد. فكل ما نحتاجه هو أمنياتنا، والتفكير في روعتها حتى تتحقق.
لا أُنكر أن بعض مفاهيم تطوير الذات فعّالة ومثبَتة علميًا، مثل تغيير عاداتنا للأفضل، أو ترتيب مهامنا لتجنّب التشتّت. لكن ذلك لا يعني أن مجرد تفكّري في سيارة سيجعلها تتجلَّى أمام منزلي، أو أنَّ إطلاق نواياي سيساعدني على تجاوز المصاعب دون استعداد حقيقي. فشتّان بين التجلّي الذي عرّفه المعجم بأنه انكشافٌ واتضاح، والوهم الذي يجعلنا في فقاعة الخيال.
مقالات أخرى من نشرة أها!
هل تنافس قهوتك بنك ستاربكس؟
إن كنّا كمستهلكين مستعدّين لضخ أموالنا في تطبيق ستاربكس، هل سيقدر المتجر السعودي على جلب إيداعات هذه القاعدة الكبيرة جدًا من العملاء؟
تركي القحطانيكيف تمحو الذكريات السيئة؟
في صناعتي لذكريات جديدة استطعت التخلص من تأثير الذكريات السيئة، وبدأت أخرج من الدوامة النفسية التي علقت بها.
أنس الرتوعيالخوارزميات لا تعرفك
تعقيدنا كبشر أمرٌ يصعب على الخوارزمية إدراكه. قراءتك لكتاب أو إعجابك بمسلسل كان ضمن المقترحات، لا يعكس سوى جزء ضئيل من جوهرك البشري.
ثمود بن محفوظهل يحفظ الذكاء الاصطناعي كرامة الفقراء أم يبيحها؟
نحن في حاجة إلى أن نتوقف بين الفَيْنة والأخرى لكي ندرس تداعيات ما تنتجه هذه الأدوات، وللتأكد أنها تُصَمَّم بطريقة تخدم البشر ولا تخدعهم.
حسن عليالحياة القصيرة السريعة
مع ازدياد انغماسنا في الشبكات الاجتماعية تمر علينا الحياة القصيرة بسرعة، نكاد معها نفوت فرصة منح وقتنا لمن نحب وما نريد أن نحقق.
عبدالرحمن أبومالحلا تتشبث بحزنك مثل بوجاك هورسمان
التلذذ بالحزن سلوك نفسي ضعيف، ويميل أصحابه للتسلط على الآخرين. لذا في كل مرة ترى نفسك تتلذذ بحزنك، توقف.. وفكر بأنك تملك زمام حياتك.
حسين الضو