لنفترض أنك وجارك تلقيتما خبرًا عابرًا عبر مجموعة واتساب يقول إنَّ حيًّا قريبًا منكما مطوّقٌ بالجهات الأمنية لوجود إرهابي يختبئ فيه. قررتَ البحث عن الموضوع فلم تجد إلا صورًا مبهمة في مجموعات الـواتساب ذات العلاقة.
جارُك خوّاف فلزم مكانَه، أمَّا أنت فرغبتك في مشروب غازيّ بارد من البقالة كانت أقوى من خوفك، فساقك الفضول إلى الحي المشؤوم. لكن المفاجأة أنَّ الحي كان وادعًا يعمه السلام -لولا الصراع القائم بين السكّان على أماكن حاويات النفايات. ولا وجود لأي جهات أمنية ولا حتى الإرهابيّ!
الآن أنت وجارك لديكما ذاكرة مختلفة لحدثٍ واحد، بل حتى متناقضة. فجارك لم يمتلك الوقت والجهد الكافيين لـ«رفاهية التحقق» في زمن تنتشر فيه الأخبار والأحداث كالجراد. وقد يروي جارك -الخواف- لأحفاده في المستقبل عن تجربته القريبة من الموت على يد ذاك الإرهابي، ويختم القصة بتذكيرهم أنَّ لا أحد يموت قبل يومه.
لطالما كانت الصور موضعَ جدل من ناحية أهميتها التاريخية؛ فمن يملك سلطة «التصوير» يملك سلطة اختيار المقبول إظهاره والمرفوض. لكن الآن صرنا كلنا مصورين نصوّب الكاميرا على ما نشاء فنهب اللحظة الخلود.
وبعدما كان تعديل الصور يقتصر تقريبًا على الجهات الإعلامية والإعلانية، فاليوم الكل صار مصممًا بفضل تطبيقات الجوال السهلة. بل قد تتعامل مع مصمم محترف وبعشرين ريال يزيل أشخاصًا لم تعد تحبهم من صورة جمعتكم.
الفلاتر -وأقصد بها التعديلات الصورية التي تُجرى على الواقع سواءً كانت الصورة وجهًا أو جسدًا أو غيره- تُشكل اليوم جزءًا من هوياتنا، وكيفية نظرنا إلى ذواتنا. ونستطيع ترجمة كلمة «فلتر» (filter) بالمصفاة؛ ففي لسان العرب «استصفيتُ الشيء إذا استخلصته».
فإذا كانت المصفاة قديمًا تصفّي الشراب من الكدر والشوائب، فمصفاة صور اليوم ممَّ تصفّي؟ تصفّي الصورة من واقعيتها حتى تصير أقرب إلى الكمال.
ومثل قصة الإرهابي، تلعب الفلاتر دورًا مشابهًا في تزييف الواقع وخداع الذاكرة، حتى صارت «الصور اليوم ليست مجرد مماثل لموضوع ما واقعي، لكنها أيضًا نموذجٌ له.» هكذا أصبحنا نحن الجلادين والضحايا في آنٍ واحد. فمن جهة نحن نزيف الواقع، ومن جهة أخرى نستهلك واقع الآخرين المزيف.
يبدو أنَّ الإنسان عدو للذاكرة والتاريخ. فبعدما كان يزيف الحوادث المكتوبة والمرويّة، صار يزيف الصور التي كان يُتوقع منها أن تساهم في الحقيقة الواقعية عن طريق تخليد اللحظة. لكن كما يقول كونديرا: «الخلود محاكمةٌ أبدية.»
مقالات أخرى من نشرة أها!
لا تتكاسل عن تصحيح لخخيقثشيس
ليست المصيبة في تسهيل حياتي، بل في أنني صرت أكثر كسلًا من التدقيق وراء ما أكتب حتى في المنصات التي لا تعرفني أكثر من نفسي.
حسين الإسماعيللماذا المكتبة العامة أفضل بيئة إبداعية؟
المكتبة بيئة توفّر كل ما أحتاج إليه: إنترنت جيد، ومقابس لشحن الأجهزة، والهدوء. والعنصر الأهم من كل ذلك وجود «موعد نهائي».
رويحة عبدالربأين المشكلة في إعلان الخطوط السعودية
أصبحنا نتحسس من كل ما يظهر فيه شبهة حول إمكانياتنا، وذلك لأن المواطن السعودي ظل لسنوات طويلة عرضة للظهور في الإعلانات بصورة غير مرضية.
أنس الرتوعيكيف رفعت لنكدإن رغبتنا في الإنجاز رغم إرادتنا
عندما أشاهد إعلانًا لدورة تدريبية أو اختبارًا يؤهلني للحصول على شهادة احترافية، أبدأ مباشرة بالتفكير بكيفية استعراض هذا الإنجاز على لنكدإن.
أنس الرتوعيلا تنجرف وراء الاستقالة 🤐
ظاهريًّا، قد تقيك الاستقالة الصامتة من الآثار السلبية للتوتر ومن الإنتاجية السامة، إلا أنَّ لها تأثيرًا سلبيًّا عليك.
بثينة الهذلولالحياة القصيرة السريعة
مع ازدياد انغماسنا في الشبكات الاجتماعية تمر علينا الحياة القصيرة بسرعة، نكاد معها نفوت فرصة منح وقتنا لمن نحب وما نريد أن نحقق.
عبدالرحمن أبومالح