حياتنا الاجتماعية على مرمى من الخيال
حاجتنا الفطرية بأن نحيط أنفسنا بمن نحب، لن تموت في عالم افتراضي متكامل الأركان، وإن كنا نستطيع فيه أن «نتسلق قمة إيفرست مع باتمان».
كان بارزيفال يتمشى في أحد ممرات «الواحة»، حين أراد لقاء صديقه فأطلق سؤاله في الهواء: «أخبريني أين هو أيتش؟» لتظهر أمامه من العدم شاشة وتعلمه عن موقعه؛ إنه في كوكب توقع بارزيفال أن يكون فيه. يصف لنا بطل فلم «ريدي بلاير ون» (Ready Player One) بارزيفال أيتش بأنه أعز أصدقائه في «الواحة»، ثم يستدرك بقوله «أعز أصدقائي على الإطلاق».
تلك «الواحة» هي عالم افتراضي أو «ميتافيرس» (Metaverse)، يريد مارك زوكربيرق نقل تطبيقات التواصل الاجتماعي التي يملكها إليه. نسمع اليوم كثيرًا عن هذه «النقلة» ونستغربها، فماذا يريد لاعبو ألعاب الفيديو غريبو الأطوار، بنظاراتهم الضخمة، منا ومن حياتنا الاجتماعية الافتراضية الوديعة التي نحملها معنا في هاتف ذكي يكفينا أينما ارتحلنا؟ وماذا عن حياتنا في الواقع المحسوس، وعلاقتنا بزملائنا في العمل وأسرنا وأصدقائنا؟ وإذا أخذنا نمل التواصل المستمر والإشعارات التي تلاحقنا طوال اليوم، فكيف يمكننا الهروب اللحظي من هذا العالم متى أردنا حينها كما نفعل الآن؟
الحياة الاجتماعية الافتراضية
العالم الافتراضي عالم اجتماعي، ولم نتوصل -نحن مستخدمي هذا العالم- إلى هذه النتيجة إلا خلال العقد الأخير من هذا القرن، حين تزايدت وسائل الاتصال الاجتماعي وتوغلت في حياتنا أكثر. صرنا حينها نفرق بين نوعين من الحياة الاجتماعية؛ واقعية وافتراضية، ومع الأخيرة صارت تتشكل مفاهيم وسلوكيات جديدة تتناسب مع متطلبات هذا العالم، ولا تفقد تلك المفاهيم والسلوكيات صفة الجِدة لأنها تتغير باستمرار.
يخبرني سعود الحميضي، مؤسس شركة «إس بي أكس كابيتال» (SBX Capital) للاستثمار في تقنيات المستقبل، أن مستقبلًا ينتقل بوسائل التواصل بشكلها الحالي -شبه الافتراضي- إلى عالم افتراضي متكامل كالميتافيرس، لن يأتي دون نصيبه من التغيرات التي سيفرضها على مفاهيمنا الاجتماعية. فالتجربة التي ستأتي بها تقنية الميتافيرس ستغير عالمنا الاجتماعي الافتراضي بشكله الحالي تغييرًا جذريًا تختفي معه مشاكله و محاولاتنا لحلها.
كيف سيغير الميتافيرس شكل حياتنا؟
يوفر الميتافيرس عالمًا بديلًا لعالمنا المحسوس، سيكون محل عملنا ولقائنا بأصدقائنا وشرائنا حاجياتنا اليومية. وستقود تجربةٌ كهذه مؤثري التواصل الاجتماعي اليوم إلى الإفلاس، إذ سينتقل المستخدم من السطح اللامع إلى عمق المنتج أيًا كان.
يرى سعود أن الانتقال لمستوى كهذا في عالم الإنترنت يعني تحسينًا لمستوى الخدمات التي يقدمها، والتي ستتجاوز حينها الجوانب التي يشملها اليوم. وهذا ينطبق على حياتنا الاجتماعية، لأن تحسن وصولنا إلى أفضل ما يمكن أن يقدمه العالم في جانب من اهتماماتنا سيجمعنا بشكلٍ حميمي أكثر مع الرواد في هذه المجالات والمهتمين بها.
يوافقه شيخنا ثمود محفوظ في هذا، فيقول «لا يمكننا النظر لأثر هذا التحول الاجتماعي بصورة أحادية»، فإما حياة اجتماعية في عالم محسوس وإما فلا، لأن تلك التجربة الانغماسية ستبقي على فطرتنا الاجتماعية ولكن بشكل مغاير.
كيف سيكون شكل حياتنا الواقعية مع عالم الميتافيرس؟
يقول سعود إن تكامل أركان عالمٍ كهذا قد يأتي بمشاكل تشبه التي يواجهها مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي اليوم، لكن حلولها ستكون متناسبة مع شكله. فإن كنا نختار أن نمسح تطبيقًا من التطبيقات أو أن نعطل خاصية الإشعارات في الهاتف، فمن المتوقع أن يختار مستخدم الإنترنت في عالم الميتافيرس الابتعاد عن هذا العالم برمته لأسبوع أو اثنين خلال السنة، أو يومين في كل نهاية أسبوع، مثلما يأخذ الموظف إجازة من وظيفته لمدة معلومة. وسنتمكن عندئذ من تلبية حاجتنا اليوم إلى «ديتوكس» من العالم البراق السطحي الذي يمثله الإنترنت اليوم، ونتفرغ قليلًا لحياتنا الاجتماعية الأخرى، وأعني بها الحياة الواقعية.
يتجلى لأحد شخصيات الفلم، أثناء المغامرة، أن الفشل لن يكون حليف الرجل الذي يلازم أصحابه، وقد تكون فكرة ابتذالية لدى اقتطاعها من سياق الفلم، لكن المرجح أن حاجتنا الفطرية بأن نحيط أنفسنا بمن نحب، لن تموت في عالم افتراضي متكامل الأركان، وإن كنا نستطيع فيه أن «نتسلق قمة إيفرست مع باتمان» متى رغبنا.
الروابط:
بُكرة، لكل الشباب الواعد، نطرح أسئلتنا الكبيرة والصغيرة والمتغيرة والعالقة، مع مختصّين وباحثين وعُلماء، ونفهم معهم كيف نعيش ونستعد ونعمل من أجل مُستقبل أفضل.