متى يستسلم المحيط؟
نتائج حموضة المحيط تشكل خطرًا على حياة الكثير من الكائنات الحية المهددة بالانقراض. وتؤثر هذه النتائج في البشر أيضًا.
في صغري، كنت أتابع مسلسلًا كرتونيًا اعتدنا أنا أخوتي أن نسميه «لؤلؤتي تريد». ربما سميناه هكذا لعدم مشاهدتي للدقائق العشر الأولى منه، إذ أكون حينئذ في السيارة عائدة من المدرسة، فأسمع من خلال المذياع طارق العربي طرقان ينشد أغنية الشارة، دون أن أقرأ اسمه: «أسرار المحيط».
لم أتعرف على اسمه إلا في الحلقات الأخيرة من المسلسل. لكن طفلة الثامنة كانت تعي أن قصته لم تفش أسرارًا كثيرة عن المحيط، إن أفشت شيئًا منها أصلًا. أما اليوم، وبعد بعض من مشاهدة أفلام ديفيد أتنبورو خلال عقدين من الزمن، فأود أن أفشي لك أحد أسرار المحيط: هذا العالم الحيوي العظيم ينظف من وراءنا.
المحيطات والكربون
ليس ما أقوله بالسر حقًا. فقد أصبح العلماء اليوم يرشحون، من بين عدة حلول لمكافحة التغير المناخي، تدخلًا بشريًا لزيادة سرعة الامتصاص الطبيعية للمحيطات للكربون. إذ تمتص المحيطات 25% من نسبة الكربون الذي نطلقه في الجو سنويًا. ويندرج حل التدخل البشري هذا تحت ما يُعرف بـ«الهندسة الجيولوجية» لزيادة هذه النسبة، إذ تُعد هذه الطريقة حلًا فاعلًا لتقليل مضار التغير المناخي على البيئة.
كيف يمتص المحيط الكربون؟
يمكن ذلك عبر:
المضخة البيولوجية: التي تشير إلى عملية امتصاص الطحالب القريبة من السطح للكربون، ومن خلال عملية تفاعل كيميائية يتحول بعضها إلى أكسجين يطلق في الغلاف الجوي، أو إلى كربون عضوي يتخزن في أعماق المحيط.
المضخة الفيزيائية: وهو ما يتم من خلال عملية تسمى «الخلط الأفقي العميق»، فتنتقل المياه الدافئة في تيارات الجزء العلوي من المحيط من ارتفاعات خفيضة إلى ارتفاعات عالية بهدف تبريدها ليصير وزنها ثقيلًا بما يكفي لتنزل إلى عمق المحيط فتبقى هناك. ويمكّنها الوزن الثقيل هذا من الاحتفاظ بثاني أكسيد الكربون بشكل أكبر.
كيف يمكننا فعلًا زيادة هذه القدرة في المحيطات؟
تستهدف المقترحات عمليتي المضخة البيولوجية والفيزيائية، يتمثل أحد هذه المقترحات بتخصيب الجزء العلوي من المحيطات بمغذيات غير معروفة في هذه البيئة، تسريعًا لعمل المضخة البيولوجية. كما يقترح العلماء تمديد أنابيب في أعماق المحيطات تنقل غاز ثاني أكسيد الكربون في حالة سائلة لتخزينها هناك، اختصارًا لعملية المضخة الفيزيائية.
متى ستتوقف المحيطات عن مساعدتنا؟
الفكرة كما تصفها وكالة ناسا «تبدو بسيطة»، لأن العلاقة مطردة بين كمية ثاني أكسيد الكربون التي يضخها البشر في الجو بفعل حرق الوقود الأحفوري، وامتصاص المحيطات لها. لكن ازدياد معدلات الكربون في الجو ومن ثَم في المحيط، يقلل من قلوية المياه ما يعني نسب حموضة عالية تشكل خللًا في الشبكات الغذائية فيها، وخطرًا على المساكن الطبيعية للأسماك والنظم البيئية للسواحل.
وفي الوقت الذي ما نزال نجهل فيه 91% من الكائنات البحرية، فإن نتائج حموضة المحيط تشكل خطرًا على حياة الكثير من الكائنات الحية في المحيط وتهدد بانقراضها. كما تترك هذه النتائج آثارًا في البشر أيضًا، مثل الخلل في السلاسل الغذائية وذوبان الثلوج، الذي يضر بالشعوب التي تعيش عليها أو بالقرب منها.
لا ينكر المجتمع العلمي أن حلولًا اصطناعية كهذه من شأنها أن تصرف انتباه الشعوب وصناع القرار عن الجهود المطلوبة لتقليل انبعاثات الغازات الدفيئة، مع قلق بالغ إزاء العواقب الوخيمة التي قد تنجم عن تطبيق هذه الحلول تطبيقًا سريعًا يفتقر إلى الدراسة الكافية.
إن هذا الاهتمام نابعٌ من الإيمان بأن حلولًا كهذه سترضي صناع القرار وأصحاب الأعمال والكثير من الناس، في مقابل عدم الالتفات لأصل المشكلة، التي لا يود الكثير منا أن يعترف بأننا نعيش عواقبها اليوم، وأننا سنشهد مراحلها الكارثية في المستقبل القريب.
الروابط:
بُكرة، لكل الشباب الواعد، نطرح أسئلتنا الكبيرة والصغيرة والمتغيرة والعالقة، مع مختصّين وباحثين وعُلماء، ونفهم معهم كيف نعيش ونستعد ونعمل من أجل مُستقبل أفضل.