وجبة بق ماك كمؤشر اقتصادي
المال الذي لا يُحفظ في أصل كعقار أو أسهم سيتآكل مع الزمن، وهذا ما يجعل التضخم الذي أحسستَ به مع ارتفاع سعر وجبتك المفضلة هو الواقع والمستقبل.
ربما سألت أحد أصحابك أو أحد أفراد أسرتك بعد عودته من الخارج «كم سعر البيبسي عندهم؟» لتبدأ بعدها بمقارنة السعر في مدينتك، وبناءً على المقارنة ستحدد هل البلد غالٍ أم رخيص.
سؤالك هذا ليس أبدًا بالتافه، بل في الحقيقة سؤالٌ اقتصادي واقعيّ. ففي عام 1986، أصدرت مجلة الإيكونومست -أحد أعرق المجلات العالمية- «مؤشر بق ماك» (The Big Mac index). ويعتمد المؤشر على مقارنة أسعار وجبة «بق ماك» (Big Mac) من سلسلة مطاعم ماكدونالدز مع بقية الدول، وبناءً على نتائج المقارنة تستطيع معرفة ما إذا كانت العملة منخفضة أو مرتفعة.
ورغم محدودية هذا المؤشر وعدم دقته بشكلٍ كافٍ، إلا أنه يؤخذ كلمحة أو إشارة تقريبية. ودليلًا على أهميته، فقد دفع الحكومة الأرجنتينية في 2011 إلى إخفاء التضخم عبر وجبة «بق ماك»، فكان يباع بأقل من سعر بقية الوجبات بـ30%.
ولأنَّ ماكدونالدز في الأرجنتين ما عادت تربح من «بق ماك»، ركَّزت في صناعة دعاياتها على شطيرة «تربل ماك» (Triple Mac) حيث تستطيع التحرك في الأسعار وتحقيق الربح. بل وصل الحال إلى إخفاء فروع ماكدونالدز الأرجنتينية وجبة «بق ماك» من قائمة وجباتها.
لماذا «بق ماك» تحديدًا؟ ميزة «بق ماك» أنه موجود في معظم الدول. ولكي تصنع الوجبة تحتاج إلى عمّال ومواد واستئجار عقار ولوجستيات للنقل ومواد مستوردة. لهذا فسعر وجبة واحدة منه تعطيك لمحة عن سير الاقتصاد ككل.
الذي دفعني للبحث حول مؤشر «بق ماك» تناول العديد من الناس في السعودية بداية العام ارتفاع أسعار وجبات البيك ومقارنتها بالأسعار في الماضي. ويعود هذا الارتفاع المبرَّر قطعًا إلى زيادة التكاليف.
هذا درسٌ قاسٍ أنّ المال الذي لا يكون محفوظًا في أصل كعقار أو أسهم أو صكوك سيتآكل مع الزمن لا محالة. لأنَّ النقود مجرد وسيط أو وسيلة للوصول إلى هذه الأصول. والاقتصاديات المعاصرة جعلت النقود تُطبَع دون الحاجة إلى ذهب أو غطاء.
وهذا ما يجعل التضخم، الذي أحسستَ به مع ارتفاع سعر وجبتك المفضلة سواء من ماكدونالدز أو البيك، الواقع والمستقبل.
نشرة يومية تصاحب كوب قهوتك الصباحي. تغنيك عن التصفّح العشوائي لشبكات التواصل، وتختار لك من عوالم الإنترنت؛ لتبقيك قريبًا من المستجدات، بعيدًا عن جوالك بقية اليوم.