صُنع في الذاكرة

لا يمر يوم دون التقاطنا صور توثق لحظاتنا بأدق التفاصيل خوفًا من النسيان. لكن حتى تتشكل الذاكرة عاطفيًّا لدينا نحتاج إلى نسيان التفاصيل.

كيف تتشكل الصورة الذهنية / Eero Lampinen

أهلًا بك صديقًا لنا،

وصلتك الآن رسالتنا الأولى على بريدك الإلكتروني.

إذا لم تجدها ابحث في رسائل السبام وتأكد من اتباع الخطوات التالية في حسابك على خدمة بريد «Gmail» حتى تُحررها من التراكم في فيض الرسائل المزعجة.

* تعبّر النشرات البريدية عن آراء كتّابها، ولا تمثل رأي ثمانية.
3 فبراير، 2022

كانت لحظة تاريخية بحق. أنا وبثينة الإبراهيم وأمينة الحسن نتشارك القهوة والكعك في الكويت. لأول مرة نتحادث خارج نطاق التغريدات ورسائل الواتساب واجتماعات الزووم. وبعد ساعتين من الأحاديث الحميمة التي قرَّبتنا من بعضنا البعض، عدنا أنا وبثينة إلى البيت، وأمينة انطلقت مع زوجها في رحلة عودتهما إلى الأحساء. وبعد ساعة وصلتني رسالة من بثينة «ليش ما تصورنا سوا 😢».

فالآن لا مكان لهذه الذكرى في ألبوم صور أجهزتنا، فيسبوك لن يذكّرنا بها كل عام ولن نشاركها الأصدقاء والأغراب في منشورات حساباتنا. أصبح مخزنها الوحيد والحصري ذاكرةُ كلٍّ منّا، أي قابلة للتلف والضياع.

في الواقع، وفقًا لأبحاث في علم الأعصاب، تحتاج الذكرى إلى شيء من النسيان حتى تتشكَّل. فالدماغ البشري عمدًا لا يختزن كل التفاصيل، لأنَّ من المفترض بالذاكرة أن تحتفظ لنا بالانطباع العام فقط. لهذا يقدّر العلماء أنَّ الحدث الذي نعيشه ويترك تأثيرًا شخصيًّا علينا، يحتاج إلى مدة زمنية من ساعات إلى أيام حتى يتشكَّل إلى ذكرى ويخزَّن في الذاكرة، وأداة الدماغ في هذه العملية هو «النسيان المنظم».

لكن ماذا لو احتفظ الدماغ بكل التفاصيل بدقة عالية؟ حينها، تضعف قدرة الإنسان على إدراك قيمة الحدث والاحتفاظ بعاطفته والتعلُّم منه. 

أتساءل كيف سيكون تأثير توثيقنا اليوميّ بالصورة وبأدق التفاصيل لحياتنا بأكملها على ذاكرتنا وذكرياتنا؟ الغريب أنَّ مبعث هذا العدد الهائل من الصور خوفنا الحقيقي من النسيان إذا لم نوثق وجودنا كل يوم بصورة وقصة الصورة، وشاركناها فورًا حتى نأمن عليها أيضًا في ذاكرة أجهزة الآخرين. 

بعد ساعات من لقائنا، قررت بثينة توثيق اللحظة رسمًا. وفي الرسمة لا وجود للكعك الذي طلبناه، لكن يوجد كأس الشاي بالخوخ المثلج. أمينة في عباءة خضراء بدل السوداء، شعري يميل إلى الأشقر كما كان قبل سنوات بدل الأسود الذي يغزوه الشيب. بثينة في حجاب أزرق وكنزة صوفية بالأبيض والأزرق بدل الأبيض والأسود. لا وجود لزحام الوجوه الغريبة. كنا وحدنا في تلك الذكرى. 

ربما نحتاج إلى قليلٍ من النسيان في توثيق لحظاتنا المهمة، حتى يلتقط دماغنا صورةً أجمل مما تلتقطه صور هواتفنا بدقتها العالية، ويحتفظ لنا فقط بأهم ما فيها. 

كاتبة ومترجمة

الوسوم: فقدان الذاكرة .

مقالات أخرى من نشرة أها!
27 فبراير، 2022

نازيّون بطبعنا!

اللاجئون والمشردون الذين حرمتهم الحروب من حياتهم، لم يشاركوا في قرار الحرب، لا يريدونها ولا يتمنونها، لكنهم وحدهم من يدفع ثمنها.

عبدالله المزهر
8 يناير، 2023

الجهود الكبيرة لا تعني النجاح

جودة التخطيط العقلاني لا تستدعي في أحيان كثيرة بذل جهودٍ استثنائية، بل تستدعي الالتزام التام بالخطة مع بعض التعديلات الطفيفة.

أحمد مشرف
19 أكتوبر، 2022

أنت ناجح ولست محتالًا

«متلازمة المحتال» نمطٌ نفسي يشكّك الفرد في مهاراته، ورغم كفاءته وتحقيقه للعديد من الإنجازات في حياته إلا أنه ينسب نجاحه إلى الحظ.

بثينة الهذلول
22 نوفمبر، 2022

لماذا احتال عليك مبرمج تويتر؟

بعد أن كانت الحكومات هي الموثق الوحيد لهويتنا، فاليوم شخص يصفه البعض بالجنون يعرّض شخصيتي للاحتيال مقابل أن أدفع له مبلغًا من المال!

أنس الرتوعي
25 أكتوبر، 2022

وجائزة الأوسكار يفوز بها الذكاء الاصطناعي!

في المستقبل قد لا تكون هناك حاجة إلى مخرج، منتج، محرر، لكن ستبقى الحاجة إلى الكاتب. فهو من سيكتب المشهد ويصفه بشكل مفهوم للذكاء الاصطناعي.

ثمود بن محفوظ
1 نوفمبر، 2022

لماذا نسكب الحليب في المتاجر!

رغم موقفي الصحيّ من منتجات الألبان، إلا أنني لا أفهم تصرفات بعض الناشطين المدافعين عن حقوق الحيوان، ووقوفهم وراء انتشار ظاهرة سكب الحليب.

أنس الرتوعي