كيف يظهر لنا لاعبو كرة القدم في التواصل الاجتماعي؟
استفاد اللاعبون اقتصاديًا من تولي متخصصين إدارة وسائل تواصلهم الاجتماعي. لكنهم في المقابل خسروا مصداقيتهم مع الجماهير كأشخاص حقيقيين.
في فبراير 2021 أصبح اللاعب البرتغالي كريستيانو رونالدو أول شخص في العالم يتخطى عدد متابعيه في منصات التواصل الاجتماعي الرئيسة -فيسبوك وإنستقرام وتويتر- حاجز 500 مليون متابع. هذا الرقم من المتابعين ترجمته إحدى شركات تحليل وسائل التواصل الاجتماعي إلى إمكانية تحقيق رونالدو 1.6 مليون دولار لكل منشور على موقع إنستقرام وحده.
رونالدو ليس لاعب كرة القدم الوحيد في قائمة أكثر الشخصيات المؤثرة في العالم عبر منصات التواصل الاجتماعي. إذ یحتل ليونيل ميسي المركز الحادي عشر ويليه البرازيلي نيمار.
إذن نحن نتحدث عن قوة مؤثرة في اقتصاد كرة القدم. قوة قد تذهب بلاعب من نادٍ إلى آخر وفقًا لعقود إعلانية، أو شركات رعاية تقرب وجهات النظر بين اللاعب والنادي. فهل تعتقد بعد كل ذلك أنَّ لاعبي كرة القدم يلتقطون الصور ويغردون بالتصريحات لأجل المتعة والمشاركة فقط؟ أصلًا ليسوا هم من يلتقط الصور ويغرّد!
من يدير حسابات اللاعبين؟
كشف تقرير نشره موقع «بي بي سي» تحت عنوان «من الذي يتحكَّم حقًا في وسائل التواصل الاجتماعي للاعبي كرة القدم؟» استخدام عددٍ كبير من نخبة اللاعبين والرياضيين حول العالم شركات متخصصة. وذلك للاستفادة من قوة وسائل التواصل الاجتماعي في تعزيز علاماتهم التجارية الشخصية وكسب المال.
أحد الأمثلة التي تناولها التقرير لاعبٌ حصل على عددٍ كبير من المتابعين على موقع تويتر في وقت قصير بسبب سلسلة تغريدات لاقت رواجًا. لكن المفاجأة أن اللاعب لا يتحدث باللغة الإنقليزية، والتفسير المنطقي أنَّ حسابه يديره في الواقع خبيرٌ في وسائل التواصل الاجتماعي.
وفقًا للتقرير ذاته، يوظِّف أغلب لاعبي الأندية في الدوري الإنقليزي الممتاز أشخاصًا لإدارة تواجدهم عبر الإنترنت. فكلما زاد عدد المتابعين للاعب زادت العلامات التجارية الراغبة في استغلاله لعرض منتجاتها وخدماتها.
وفقًًا لموقع فوربس فمن المقرر أن يكسب رونالدو 125 مليون دولار قبل الضرائب في موسم (2021-2022). سبعون مليون دولار تتمثل في الراتب والمكافآت مقابل عودته إلى مانشستر يونايتد. أما البقية فمن الشراكات الشخصية مع العلامات التجارية بما فيها «نايك» (Nike) و«هيربال لايف» (Herbalife) و«كلير» (Clear) وعلامته الشخصية التجارية «سي آر سيفن» (CR7) الآخذة في التوسع وتشمل العطور والملابس الداخلية والنظارات والفنادق وصالات الألعاب الرياضية. وبلا شك، تحتل وسائل التواصل الاجتماعي دورًا هامًا في تلك الشراكات.
لكن أحيانًا يصبح التسويق فجًّا. فـ:
بعض المنشورات تُنشَر في أوقات محددة استغلالًا للزخم المصاحب للاعب. بمجرد أن تنتهي مباراة هامة، قد يطل عليك اللاعب الأبرز في هذه المباراة بشكل مهندم وبكلمات منتقاة للحديث عن منتج ما، رغم أنه في الحقيقة لم يغادر الملعب بعد. Click To Tweet
أين اللاعبون العرب في المعادلة؟
لا يوجد ما يؤكد لجوء اللاعبين العرب إلى شركات تدير حساباتهم في التواصل الاجتماعي، خصوصًا أنَّ ظهورهم في الإعلانات مرتبط بالأندية التي يلعبون فيها. أما اللاعبون العرب العالميون، فحملة محمد صلاح بداية عام 2019 دليل على احترافية إدارة حساباته.
ففي مطلع عام 2019 غرَّد صلاح بأنه «حان الوقت للتواصل الحقيقي» ثم حذف كل حساباته الخاصة في موقعي تويتر وإنستقرام. اعتقد البعض أنها حملة لتشجيع الناس على التواصل في العالم الحقيقي وقضاء وقت أقل على الإنترنت.
لكن بعد يومين فقط انحلَّ اللغز. فقد تفاجأ الجمهور بمنشور في موقع إنستقرام يعود إلى شركة الخدمات اللوجستية العالمية «دي إتش إل» كان نصه: «لقد وصلنا إلى محمد صلاح ويمكننا توصيلك به». ليتضح بعد ذلك أنَّ اختفاء صلاح جزء من حملة إعلانية لصالح الشركة.
ماذا خسر اللاعبون؟
استفاد اللاعبون اقتصاديًا من تولي متخصصين إدارة وسائل تواصلهم الاجتماعي. لكنهم في المقابل خسروا مصداقيتهم مع الجماهير كأشخاص حقيقيين يتفاعلون مع القضايا المحيطة بهم.
سياسة منتصف العصا: ليت صلاح يقتدي بكيم كارداشيان
خلال الجولة السادسة من الموسم الحالي للدوري الإنقليزي أضاع لاعب مانشستر يونايتد برونو فيرنانديز ركلة جزاء هامة تسببت في خسارة فريقه أمام أستون فيلا. عقب المباراة غرَّد برونو في تويتر اعتذاره في صفحتين كاملتين من الندم والمسؤولية والنصر بعد الهزيمة وأشياء من هذا القبيل. كان اعتذارًا مبالغًا فيه بشكل واضح.
دفع هذا الاعتذار أحد مستخدمي تويتر إلى توجيه سؤال للاعب مانشستر يونايتد السابق ومحلل قناة «سكاي سبورتس» قاري نيفل حول مدى جدوى اعتذار اللاعبين عن إهدار ركلات الجزاء. وجاء رد نيفل واضحًا للغاية حيث أكد أن هؤلاء اللاعبين بحاجة إلى طرد المسؤولين عن حساباتهم والتحدث ببعض المصداقية مع الجماهير.
هذا مظهر هام من هالة وسائل التواصل الاجتماعي التي خلقها اللاعبون دون شك. فما كان سابقًا يُستخدَم كقناة للتواصل المباشر بين اللاعب والجماهير أصبح منصة لعرض المنتجات والإعلانات. وكنتيجة فقد العديد من اللاعبين مصداقيتهم عبر تلك الوسائل، وأصبحت الاعتذارات أو الاحتفالات مجرد إعلانات يطل بها اللاعب على جمهوره.
اللاعب يقرأ ردود الجمهور القاسي
ربما لا يكتب اللاعبون تغريداتهم أو ينشرون صورهم بأنفسهم، لكنهم بالتأكيد يتابعون ردود الأفعال حول تلك المنشورات. تلك التعليقات لا تكون إيجابية على الدوام، فجمهور وسائل التواصل الاجتماعي قاسٍ في النقد والإساءة، والعنصرية أيضًا.
ويعاني لاعبو كرة القدم من تلك الانتقادات والإساءات دون إظهار رد فعل، أو الاكتفاء بردود فعل بسيطة. مثلما حدث مع لاعب فريق النصر السابق حمدالله الذي اكتفى بإغلاق حسابه في تويتر وتحويل حسابه في إنستقرام إلى خاص ليتجنب انتقادات الجمهور على تسديداته.
وفي شهر أبريل من العام الماضي قررت بعض الأندية مثل سوانزي سيتي وبرمنقهام سيتي ورينجرز مقاطعة منصات التواصل الاجتماعي لمدة أسبوع كامل. إذ صرَّح قائد رينجرز جيمس تافرنييه أن كل لاعب أسود في الفريق الأول للنادي قد تعرَّض لإساءات عنصرية على وسائل التواصل الاجتماعي هذا الموسم. وتوقَّع البعض أن تلتحق الأندية الكبرى بتلك الحملة، لكن الحقيقة أنها لم تفعل.
اكتفت أندية مثل أرسنال ومانشستر يونايتد بحملة مماثلة لمعالجة الإساءة الناجمة عن وسائل التواصل لكن دون مقاطعة. يعلم الجميع أنَّ الأندية الكبرى لن تقاطع منصة التواصل الاجتماعي أبدًا لأنهم ببساطة لا يستطيعون تحمل تكاليف هذه الخطوة.
نحن هنا أمام كابوس جديد حيث لا يملك اللاعب حق الرفض الإنساني لما يتعرض له. والسبب ببساطة أنه تعامل مع تلك الحسابات كونه سلعة خاضعة للتسويق والإعلان والتقييم وما إلى ذلك. لذا أصبح من المنطقي أن يقرأ اللاعب انتقادات لاذعة دون أن يملك حق الرفض أو حتى الانسحاب.
منشور واحد قد يغير صورتك
دعنا نعبر إلى الضفة الأخرى؛ كيف يؤثر منشور واحد خاطئ أو جيد في الصورة الذهنية للاعب في عقول مشجعيه؟ فمن المؤكد أنَّ تعامل اللاعب بشكل مباشر مع جماهيره دون وسيط يخلق نوعًا من الألفة بين الطرفين
على سبيل المثال استخدم ماركوس راشفورد وسائل التواصل الاجتماعي في إطلاق حملة للتراجع عن قرار توقف الحكومة البريطانية أثناء الجائحة عن توصيل الطعام للعائلات التي تعتمد على وجبات مدرسية مجانية. ساعدت الحملة في إطعام 1.3 مليون أسرة يتعرض أطفالها لخطر الجوع. وتحت ضغط شعبي هائل، أعلنت الحكومة عن صندوق غذاء صيفي بقيمة 120 مليون جنيه إسترليني.
وفي عودة لما بدأنا به، حسابات التواصل الاجتماعي للمشاهير من لاعبي كرة القدم قوةٌ لا يستهان بها. يمكن لكل لاعب أن يستغل هذه القوة لتحقيق مكاسب اقتصادية، كما يمكنه أيضًا المساهمة في تطور المجتمع المحيط به والتواصل مع محبيه بشكل مباشر.
فما الذي يمنع تحقيق كلا الشيئين في الوقت نفسه؟ أن تتولى شركات متخصصة الجزء المتعلق بالتسويق والإعلانات التي يقدمها اللاعب، ويجد اللاعب مساحة مخصصة يتحدث خلالها مع متابعيه بشكل مباشر. حتى لو كان الكلام غير منمق بالشكل الكافي، وحتى إن احتوى على بعض الأخطاء الإملائية التي نقع فيها جميعًا، فما يهمنا أن يكون حديثًا صادقًا.