التطوُّر يزداد والاكتئاب يزداد
نعيش عصرًا تصبح فيه الحياة أسهل كلَّ يوم، مع ذلك نشهد ارتفاعًا غير مسبوق في نسب الاكتئاب. وكأنَّ الإنسان ضاقت به الحياة بكلِّ تقنياتها.
في عام 2019، نشرت الكاتبة وفاء خالد قصتها مع الاكتئاب، وحاولت من خلال كتابها إعطاء نصائح عملية تطبيقية من وجهة نظر مصاب لا من وجهة نظر طبيب. استغربت حين قرأته، فوفاء أول إنسانٍ في حياتي أعرف أنه مكتئب.
فكل ما أعرفه عن الاكتئاب كنت أقرأه في الكتب وأشاهده في التلفاز، أو أسمعه عبر الأثير. لكن قراءتي تجربتها الشخصية كانت مرحلة جديدة، فبدأت أبحث في الموضوع.
ما لفتني أولًا انتشار الطب النفسي بشكل لم نكن نعيشه، فأصبح الازدياد في عدد المرضى وحتى عدد العيادات واقعٌ حقيقي. اُنظر مثلًا في مؤشر الصحة النفسية في السعودية، وستجد أنَّ نسبة الاكتئاب في الربع الثالث من عام 2021 بلغت 18.4%. هذه الظاهرة ليست محصورة بنا، ففي أميركا مثلًا يعاني 20% من أمراض القلق.
المفارقة العجيبة أنَّ العالم يتطوّر بشكل لم يسبق له مثيل. فمن كان يتخيَّل أن أعمار البشر خلال الستين عامًا الماضية ستزداد للضعف تقريبًا؟ أنَّ منذ عام 1990، أكثر من ملياري إنسان أصبح قادرًا على الوصول لمياه نظيفة لأول مرة في حياته. ولم يتوقف التطور هنا، فنسبة الأمية انخفضت، الوصول للعلاج أصبح أسهل، عدد الأمهات من يتوفين بسبب الولادة انخفض. صدقًا تطوَّرت حياة البشر تطورًا بديعًا.
مع ذلك، التطور يزداد والاكتئاب يزداد! التقنية تتطور وأمراض القلق لا تتوقف! من وجهة نظري، أرى أن انكشافنا على بعضنا البعض ومشاركة تفاصيل حياتنا، جعلت الإنسان يشعر دومًا بالنقص. فالإنسان بطبيعته كائنٌ يقارن نفسه بالآخرين باستمرار. والشاهد، حين أصبحت معلومات الدخل والضريبة متاحة للجميع في النرويج، ازداد الفارق بين سعادة الأغنياء ومحدودي الدخل.
نحن نعيش عصرًا تصبح فيه الحياة أسهل كلَّ يوم. لكن على ما يبدو، كلما ازداد الإنسان تطوُّرًا، ضاقت به نفسه وضاقت به الحياة.
نشرة يومية تصاحب كوب قهوتك الصباحي. تغنيك عن التصفّح العشوائي لشبكات التواصل، وتختار لك من عوالم الإنترنت؛ لتبقيك قريبًا من المستجدات، بعيدًا عن جوالك بقية اليوم.