قبل شهر تعرَّفت على آفينيش. اقترب من طاولتي في المقهى وعرَّف عن نفسه وزوجته وأصدقائه من العمل في مجموعة الجري الصباحي. كانت «فريند ريكوست» (friend request) على الطريقة التقليدية. بلا فرصة حتى «أبحبش» في حسابه قبل قبول الصداقة، والتي على الأغلب كنت سأرفضها لاختلاف اهتماماتنا.
فآفينيش موظفٌ ماليّ، رياضيّ حتى النخاع، نباتي صارم، والأنكى والأمرّ، يكره الكتب. لكن تبيَّن أن هناك عاملًا مشتركًا بيننا جعل منه صديقًا. فأنا وهو ننتمي إلى جيل الموظفين ما بعد الأربعين.
كلانا ضحك عاليًا على اعتقاد جيلنا الخاطئ أننا بهذا العمر سيكون لدينا من الخبرة ما يغني أدمغتنا عن تعلم أي شيء جديد. لنفاجأ بأنَّ خبرتنا التي راكمناها تعود لحياة أصبحت بعيدة عن واقعنا.
فمثلًا، في حديثنا الأول سألني، «ماذا تعرفين عن البتكوين والبلوك تشين؟» فأجبته، «القليل جدًا. فلا اهتمام لديّ فيه.» وفورًا قال، «إجابة غير مقبولة.» وشاركني روابط دورات ومقاطع يوتيوب تشرحها بحيث يفهمها حتى الطفل، «ونحن الأطفال» قالها مازحًا.
لكنها ليست مزحة. ففجأة عادت أدمغتنا إلى مرحلة التعلُّم المستمر، لا التعلُّم المعرفيّ فقط عن البتكوين وتسلا ومستجدات المناخ، بل حتى التعلُّم الاجتماعي ضمن بيئة العمل الجديدة، والتعلُّم المهاريّ في أساليب التفكير والإدارة واستخدام التطبيقات. كأننا عدنا إلى المدرسة!
لكن بدلًا عن المدرسة لدينا منصات الدورات من ماستر كلاس وسكل شير إلى الدورات الجامعية القصيرة الأكثر تخصُّصًا والمعدَّة للموظفين. كلها تمنح نطاقًا واسعًا من الدروس من مختلف أرجاء العالم بسعر زهيد. ومن بعد عام كورونا، مع تزايد إقبال الموظفين على منصات دورات البالغين أونلاين، تضخَّمت صناعة تلك المنصات ويتوقع وصولها إلى 370 مليار دولار مع حلول 2026.
«لا حجة لدينا»، قال آفينيش. «صحيح أنَّ مؤسستنا لا تتعامل مع العملات المشفرة، لكن لن أنتظر مديري يطلب مني مستقبلًا التعلُّم عنها. فنحن في سباق جري، وإذا لم نبقِ على لياقة أدمغتنا سيسبقنا الأصغر منا.»
معه حق. أنا وأبناء جيلي تربينا على «الدَّح» في الدراسة. ومع كل تلك المنصات والدورات بين يدينا، فلا خوف علينا. خوفي الوحيد أن يتعثر دماغنا من فرط الإجهاد، ويُهزم في سباق الجري.
مقالات أخرى من نشرة أها!
كيف ننتصر في معركتنا ضد المشتتات؟
إن كان الالتفات إلى الشاشة أو الانشغال بها هو الشكل الخارجي للتشتت، فإن ما نحاول الابتعاد عنه فعلًا أفكارُنا المتطايرة في دواخلنا.
رويحة عبدالربأطفالك ضحية «فرط المشاركة الأبويّة»
نشأ مصطلح «فرط المشاركة الأبويّة» (Sharenting) لوصف مشاركة الآباء والأمهات المفرطة أخبار أطفالهم وصورهم عبر منصات التواصل الاجتماعي.
رويحة عبدالربلا تسلبوني مشترياتي الرقميَّة
وفَّرت المنصات مثل آيتونز وكندل وبلاي ستيشن سهولة شراء المنتجات الرقمية عبر خدماتها. لكن ما يغيب عنَّا أنَّ الشراء منها شراءٌ وهميّ.
ثمود بن محفوظستصوّر الجريمة ولن تنقذ الضحيّة
إن كنت تستنكر تصوير الناس جريمة في الشارع بجوالاتهم بدلًا من إنقاذهم الضحية، فثمة أسباب ستدفعك للتصرف تمامًا مثلهم.
إيمان أسعدأتقن الأمور الصغيرة أولًا
هكذا الحال مع الجميع، فمهما كانت أحلامك وطموحاتك كبيرة، لن تتحرك ما لم تعتد قبلها فعل أبسط الأمور بأقصى درجات الصحة والإتقان.
أحمد مشرفلماذا يحتقر المثقف الإيموجي؟
يفضل المثقف قول «جعلتني أتدحرج على الأرض ضاحكًا» عوضًا عن «🤣🤣🤣»،لئلا تسقط هيبته أمام جمهوره، ولئلا ينزلق عن سلم الحضارة قليلًا.
حسين الإسماعيل